ملخص
المتاجرة بالنيازك باتت مزدهرة في صحراء الجزائر وعدم سن قوانين يسهم في استمرار الظاهرة.
مجموعة من النيازك يقال إنها قطع من القمر عثر عليها في صحراء الجزائر عام 2022 عرضت للبيع في موقع إلكتروني شهير بأسعار باهظة، فأثار ذلك حفيظة علماء الجزائر وباحثيها، نظراً إلى الأهمية العلمية الكبيرة لمثل تلك القطع الفضائية وفتح الباب لنقاشات حول طريقة "تهريبها" إلى الخارج، في حين تلتزم السلطات الرسمية الصمت.
ويأتي عرض مجموعة النيازك للبيع هذه المرة وسط انتقادات الباحثين، لا سيما أنها مسجلة في قاعدة البيانات العالمية للنيازك التي تشرف عليها الجمعية الدولية للنيازك وعلم الكواكب، وأبرز الباحث في معهد الهندسة وعلوم الأرض بجامعة "سطيف" شرق الجزائر مولاي شارف شابو الذي نشر معلومات حول عرض هذه القطع التي تحمل اسم "بشار" نسبة إلى المنطقة الصحراوية حيث اكتشفت، أن تلك القطع عثر عليها في مارس (آذار) 2022 وسجلت في 20 يونيو (حزيران) من العام نفسه.
وواصل شابو أن "الأحجار التي عثر عليها يبلغ مجموع وزنها نحو 15 كيلوغراماً وقدّر كل 0.1 غرام بنحو 13 دولاراً، وعليه فإن النيزك الذي يزن 15 كيلوغراماً سيكون ثمنه أكثر من مليون دولار". وأوضح في ما يتعلق بالأهمية العلمية أنها "قطع من الفضاء، تحديداً من القمر، وهذا في حد ذاته دافع قوي لأنه سيسمح للباحثين العلميين في تخصصهم بإجراء تجارب وأبحاث، فهي بقيمة علمية ثمينة جداً".
التهريب العلمي غير المشروع
من جهته أوضح الأستاذ المتخصص في النيازك جلول بلحاي أنه "في عام 1991 تمكن فريق من خبراء ألمان من اكتشاف منطقة في الصحراء تسمى ’العرق الأصفر‘ تقع غرب منطقة عين صالح بجنوب الجزائر، واستطاع جمع نحو 450 نيزكاً، هي من أهم النيازك المعروفة حالياً في أوساط العلماء في العالم، وبعدها توافدت كثير من البعثات العلمية من إيطاليا وفرنسا للبحث، وأخرجت من الجزائر بطرق مشروعة وغير مشروعة، وعام 2002 طلبت من السلطات الجزائرية إنشاء مرصد وطني للنيازك، لكن لحد الآن لم يلق طلبي أي اهتمام، وليس هناك على ما يبدو اهتمام بالموضوع، ولذلك لا يمكننا الحديث عن إمكانية استرجاع هذه الحجارة الكنز".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع بلحاي أن "مهمة المرصد الوطني للنيازك ستكون رصد هذه الأحجار واقتفاء آثارها وأيضاً استرجاع ما يمكن استرجاعه من المتاحف والمخابر العالمية التي تعج بهذه الحجارة الثمينة التي ليس لدينا عنها سوى صور".
وقال إن "هناك نيزكاً سقط شرق العاصمة الجزائرية عام 1865 موجود في متحف فيينا تم شراؤه من متحف باريس عام 1882"، وهناك قطعة أخرى من النيزك نفسه في متحف بومباي بالهند"، مشدداً على أن "الجزائر بحاجة إلى هذه الهيئة في ما يتعلق باقتفاء آثار النيازك لأن هناك شبكات تهريب واسعة على الحدود المالية والمغربية".
تحقيق محلي يكشف عن المستور
ويبدو أن المتاجرة بالنيازك باتت مزدهرة في صحراء الجزائر وهو ما كشف عنه تحقيق لإحدى الجرائد الحكومية في 2021، وقال إن قلة مناصب الشغل وتجميد التوظيف في قطاعات عدة بمنطقة الجنوب الغربي للجزائر وما سببته جائحة كورونا من أضرار اقتصادية أثرت في الوضع المعيشي للعائلات، إضافة إلى زيادة الطلب عليها، أسهمت في ازدهار مهن جديدة على غرار المتاجرة في النيازك، وأشار إلى أن سعر 1 غرام قد يتجاوز 30 ألف دينار جزائري، أي نحو 200 دولار.
وتابع التحقيق أن "هدايا سماء المنطقة ربما تتحول إلى نقمة، بل إلى كابوس يكلف صاحبه كثيراً ويضعه تحت طائلة المتابعة القضائية بسبب عدم شرعية النشاط"، وأضاف أن كل تأخير في الترخيص لهذه "المهنة" وتقنينها على غرار التنقيب عن الذهب، يدفع كثيرين إلى تهريب هذه الكنوز إلى دول الجوار بحثاً عن الربح السريع، داعياً المشرع إلى التدخل لتقنين النشاط وجعله مشروعاً.
فراغ قانوني
يرى أستاذ علوم الأرض والجيولوجيا معمر حسين أن الجزائر لا تمتلك إلى اليوم قانوناً يجرم عمليات جمع بقايا النيازك، وقال إن القانون الوحيد الذي قد ينطبق على المخالفين هو تكييف النشاط مع التهريب في حال ضبطها تهرب عبر الحدود، أو القانون الخاص بممارسة التعدين من دون ترخيص، أو اعتبارها قطعاً أثرية، مشيراً إلى أن ما يسهم في استمرار الظاهرة مع عدم سن قوانين غياب الوعي وآليات التوعية، فضلاً عن عدم توافر الحماية الكافية في محيط حقول النيازك.