ملخص
سباق بين محاولات رفع الحد الأدنى للأجور في #لبنان و#انهيار_الليرة
خلال سنوات الأزمة المالية والاقتصادية، حاولت الحكومة اللبنانية القيام ببعض الإجراءات للحد من آثارها على الأُجراء، آخرها اجتماع لجنة المؤشر على ضرورة رفع الحد الأدنى الرسمي للأجور ليصبح تسعة ملايين ليرة لبنانية (ما يقارب 90 دولاراً)، عوضاً عن 675 ألف ليرة لبنانية.
الأجر وتدخل الدولة
يُعد الأجر ركناً أساسياً من أركان عقد العمل، وعليه يتوقف تحقيق رضى الأجير من عدمه. ومن أجل فهم أهمية "وضع حد أدنى رسمي للأجور"، لا بد من العودة قليلاً إلى القرن التاسع عشر. في ظل سيادة النزعة الليبرالية، ومدرسة الحرية التعاقدية، اعتبر العقد شريعة المتعاقدين، وبالتالي فلهم أن يتفقوا بحرية على مضمونه، وآثاره شرط عدم مخالفة النظام العام أو الآداب العامة، أو القواعد القانونية الملزمة. وهو ما فتح الباب أمام تحديد الأجر بصورة اتفاقية، وبحرية مطلقة بين الأجير وصاحب العمل. ولعب التفاوت بـ "القوة" والقدرات المالية والاقتصادية دوراً سلبياً ضد الأجير العامل، حيث كان يضطر للقبول ببعض البنود في العقد ضد مصلحته، وأن يكون عرضة للاستغلال من الطرف القوي. من هنا، جاء تدخل المشرّع من أجل إصدار قوانين تضع حداً أدنى للأجور، لا تجوز مخالفته. وحددت المادة 44 من قانون العمل اللبناني مواصفات الأجر، حيث يجب أن يكون الحد الأدنى كافياً لسد حاجات الأجير الضرورية. فيما يؤكد الاجتهاد الفرنسي على خاصيتين، فالأجر يجب أن يؤمن الحاجات الأساسية للأجير، وأن يؤمن له حياةً أفضل.
سار المشرّع اللبناني على خطى المشرعين الدوليين، واعتمد نظام الحد الأدنى للأجور للعاملين في القطاع الخاص، وسار بصورة تصاعدية في موازاة التضخم. في عام 2008، أقرت الحكومة بمرسوم 500 ألف ليرة لبنانية الحد الأدنى للأجور، وفي 2011، ارتفع ليصبح 675 ألف ليرة لبنانية. وخلال فترة الأزمة المالية والاقتصادية، بدءاً من 2019، قامت الحكومة بمجموعة خطوات يتصف أغلبها بـ "الظرفية"، لأنها غير قادرة على إحداث تغيير كبير في حياة المواطن، وسرعان ما تآكلت زيادات بدل المعيشة بالتضخم، وانهيار سعر صرف الليرة. ويصنف الحد الأدنى الرسمي في لبنان بين الأدنى عالمياً. ومن أجل تبسيط الفكرة، يعتمد لبنان حالياً 675 ألف ليرة كحد أدنى رسمي للأجور، تحتسب على أساسه اشتراكات الضمان الاجتماعي، وتعويضات نهاية الخدمة وغيرها، ووفق دولار 100 ألف ليرة، فهي دون السبع دولارات، ولكن مع اقتراح رفعه إلى 9 ملايين ليرة لبنانية، فهو يتجه ليصبح 90 دولاراً أميركياً في حال استقر الدولار عند السعر الراهن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لجنة المؤشر ورفع الأجور
خلال الفترة القليلة الماضية، نشطت لجنة المؤشر ضمن وزارة العمل وتتألف من خبراء وممثلين عن الاتحاد العمالي العام، وأرباب العمل، والهيئات الاقتصادية، وجهات مستقلة كالجامعة اللبنانية، والمؤسسات العامة المعنية كالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وإدارة الإحصاء المركزي وتخضع لوصاية وزارة العمل.
وتتفاوت وجهات النظر حول قيمة الحد الأدنى للأجور، إذ يرى ممثلو العمال أن مبلغ تسعة ملايين ليرة غير كاف لتحسين ظروف حياة الأجراء، فيما يعتقد أصحاب العمل أنه قد يتسبب بضغوط مالية إضافية على المؤسسات، كما يمكن أن يخلق المزيد من التضخم، ومن ثم خسارة الأجور لقيمتها بفعل عدم وجود ضمانات للاستقرار المالي والاقتصادي.
يؤكد د. زهير فياض مسؤول لجنة المؤشر، أن اللجنة تحدد الحد الأدنى للأجور وفق مجموعة من المعايير، وتُعتمد السلة الاستهلاكية كمعيار علمي للأجر الأساسي وفق العملة الوطنية، وهي تضم مجموعة من السلع والخدمات الأساسية، تشمل الخبز، والبيض، والألبان، والإيجارات، وغيرها من الضروريات للأجير والعائلة، مشيراً إلى وجود سلم متحرك للأجور لمواكبة اختلاف الأسعار وتفاوتها.
يقر فياض بصعوبة وضع حد أدنى رسمي ونهائي للأجور في ظل الأزمة، ومستوى التضخم المرتفع، وفقدان العملة الوطنية قيمتها. من هنا، "نحن أمام حلول ظرفية موقتة"، ولا يبقى هناك مكان لقاعدة علمية ثابتة، وتصبح الأولوية تخفيف وقع الأزمة على المواطنين والشرائح الأكثر فقراً، وتحقيق التوافق بين أرباب العمل أي مؤسسات القطاع الخاص، والأجراء بإشراف الوزارة.
الأجور بالدولار
خسرت العملة الوطنية قيمتها، وخسر العمال القدرة الشرائية لأجورهم. مما دفع إلى المطالبة بالأجور على الدولار الأميركي حفاظاً على قيمتها، وهو أمرٌ يخلق إشكالية كبيرة من الناحية القانونية والعملية. يؤكد زهير فياض "لا يمكن للجنة رسمية أن تحدد الأجور بالدولار، وهي مسألة تحتاج إلى قوانين وتشريعات، وقد اعتمدت اللجنة مبلغ 9 ملايين ليرة، على أن يكون قابلاً للزيادة أو النقصان على ضوء مستويات التضخم"، ويقول فياض "عندما كان الحد الأدنى للأجور 675 ألف ليرة بما يوازي 450 دولاراً، كان معدل النمو الاقتصادي، والناتج المحلي مختلفاً، مضيفاً "كل شيء رهن الاستقرار السياسي، وبناء المؤسسات، وانتخاب رئيس للجمهورية، ومجلس نواب فاعل لأننا بحاجة إلى خطط مستدامة".
بانتظار المرسوم الحكومي
تبقى توصيات لجنة المؤشر معلَقة إلى حين موافقة الحكومة عليها، وإصدار المراسيم، ونشرها في الجريدة الرسمية. ويوضح زهير فياض آلية العمل، حيث ترفع لجنة المؤشر توصية إلى مجلس الوزراء، ومجلس شورى الدولة للاستشارة، بعد اتفاق أركان لجنة المؤشر على أن يكون الحد الأدنى الرسمي تسعة ملايين ليرة لعائلة مؤلفة من خمسة أشخاص، بزيادة أربعة ملايين ونصف على آخر زيادة لغلاء المعيشة، ومضاعفة تعرفة فرعي المرض والأمومة في الضمان الاجتماعي، مكرراً أن "سلطة لجنة المؤشر، تقتصر على القطاع الخاص، وليس لها أية علاقة بالقطاع العام الرسمي وموظفي الدولة"، وسيطبق على جميع الفئات النظامية الخاضعة لقانون العمل.
يمتاز ما توصلت إليه اللجنة بأنه سيتجه نحو تثبيت الحد الأدنى، وليس زيادة عرضية. ويكشف فياض أن "هناك توجهاً لإقرار التوصية في أقرب جلسة لمجلس الوزراء، وسيتولى وزير العمل نقلها إلى الحكومة بعد موافقة مجلس شورى الدولة".
كما سينعكس الحد الأدنى الرسمي على تعويضات نهاية الخدمة لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لأنه سيدخل في صلب الراتب، وبالتالي يحظر على أي مؤسسة أن تصرح عن أجور موظفيها دون التسعة ملايين ليرة.
التفتيش المكبَل
في كثير من الأحيان، تتحول التشريعات والمراسيم حبراً على الورق، والحد الأدنى شأنه شأن التشريعات الاجتماعية، يتعرض للتحايل والتهرب من أصحاب العمل، فيما تعاني الجهات الرقابية والقضائية عجزاً كبيراً. ويشير فياض إلى أن "وزارة العمل تحاول التخفيف من وطأة الأزمة ضمن حدود صلاحياتها"، ويتأسف للنقص الكبير في جهاز التفتيش، حيث يتوجب على عشرات من المفتشين مراقبة أعداد كبيرة من المؤسسات المنتشرة في المناطق اللبنانية، داعياً الأجراء المعرضين للاستغلال إلى تقديم شكاوى لدى وزارة العمل، ومجلس العمل التحكيمي الناظر بالنزاعات الناشئة عن عقود العمل.