على رغم حركته الثقيلة التي باتت تنعكس على تنقله، صعد الممثل الفرنسي الكبير جيرار ديبارديو مسرح مهرجانات بيت الدين مساء أمس ولكن بصفته مغنياً، وأحيا حفلة تعدّ تاريخية. فهو قدم للجمهور اللبناني الذي غصت به مدرجات المسرح، أغنيات اسطوانته الجديدة وعنوانها "جيرار ديبارديو يغني باربرا"، وقد اختار بيت الدين من ضمن جولته الفرنسية والعالمية لإطلاق عمله المختلف والمميز. وهي المرة الاولى يغني فيها ديبارديوفي لبنان الذي يعرفه جيدا ويعرف بعضاً من سياسييه مثل الرئيس الراحل رفيق الحريري والرئيس ميشال عون ورئيس الحزب الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط. وكان قدم قبل سنة عرضا مسرحيا في كازينو لبنان مع الممثلة الفرنسية الشهيرة فاني أرادان. وإن كان الجمهوراللبناني عرف هذا الممثل الكبير في اعماله السينمائية الكثيرة التي حققت نجاحا عالميا فريدا، فهو تعرف إليه مساء أمس مغنياً من الطراز الرفيع، فانبهر به وبموهبته الغنائية التي كان يجهلها.
معروف أن ديبارديو اضطرّ إلى حمل الجنسية الروسية إضافة الى جنسيته الام، من أجل التهرب من الضرائب المفروضة عليه وفق القانون الفرنسي، لكنه ظل فرنسياً من رأسه إلى أخمص قدميه، كما يقال. وفي حفلة بيت الدين البديعة اختار أشهر أغاني صديقته الفنانة الفرنسية باربرا (1930-1997) التي تضمها اسطوانته الجديدة وهي من اجمل ما غنت "السيدة باللون الأسود" كما كانت تلقب، والتي سحرت الجمهور الفرنسي والعالمي وألهبت مسارح فرنسا والعالم خلال مسارها الفني. وكان ديبارديو أحيا حفلة مشتركة مع باربرا في باريس قبل رحيلها، دخلت ذاكرة الفن الغنائي الفرنسي وحققت نجاحا هائلا.
أما الاسطوانة فشاءها بمثابة تكريم لذكرى صديقته الفرنسية مونيكا أندريه سيرف، المعروفة باسمها الفني "باربرا" والتي تنوعت مواهبها بين التأليف والتلحين والغناء والتمثيل. ويصف ديبارديو الاسطوانة هذه بأنها "مثابة تكريم للحب أو فعل الحب". وفي دردشة سريعة مع الصحافة عبر ديبارديو عن سروره بزيارة لبنان والغناء في مسرح بيت الدين العريق.
رافق ديبارديو على المسرح عازف البيانو والموزع الموسيقي الفرنسي جيرار داجير الذي كان يرافق باربرا باستمرار، وظل وفيا لها حتى رحيلها، وراح يحافظ على إرثها الفني .وتشارك الاثنان، ديبارديو وداجير ليقدما للجمهو، على طريقتهما الخاصة وبأسلوبهما الفريد، أغاني يحفظها الجمهور اللبناني الفرنكوفوني غيباً مثل "ذاكرة ذاكرة" و"طفولتي" و"الجناح الأسود" و"قل لي متى تعود أنت" و"قصة حبي الأجمل" و"الوحدة"... وكان لهذه الاغاني وقع السحر على الجمهور الذي أصغى بصمت، وتفاعل معها وتأثر متذكرا المغنية الراحلة.
ومع أن السبعين سنة التي هي عمر جيرار ديبارديو ليست بالباهظة، فهي انعكست قليلا على حنجرته التي أصيبت بشيء من الوهن، لكنّ صوته بدا عذباً، شديد العذوبة، مجرّحاً بالحب والحنين، وبدا اداؤه متيناً ومحكماً ومشبعاً بالصدق والعفوية. وكان هو يعيش لحظات الغناء عيشاً كلياً فيتمايل مع الموسيقى، ينفعل ويثو، مجسداً المشاهد العاطفية والتراجيدية المستوحاة من أغاني باربرا ومن حياتها القاسية. وكان يسمح لنفسه بممازحة الجمهور المعجب بأدائه، مستمتعاً بأجواء لبنان الصيفية، ومما قال: "الرطوبة هنا رهيبة لكنني أحب ذلك. أنا كالأرزة، أحب لبنان وبيت الدين... وهذا الجمهور الرائع" ومثلما أحب الجمهور اللبناني جيرارالممثل، أحب جيرار المغني وأحب مغنيته الكبيرة باربرا بصوت جيرار نفسه.