كان ولا يزال المولد الكهربائي أحد أبرز #هموم_اللبنانيين، إذ بعد أن دخلت البلاد في العتمة الشاملة نتيجة التخبط الحاصل في وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء #لبنان، انتشرت المولدات وبات المواطن أسيراً لقرارات أصحابها.
فأصحاب المولدات الخاصة في لبنان هم الذين يؤمّنون التغذية الكهربائية في ظل غيابها من مؤسسة كهرباء لبنان، وعلاقتهم مع وزارة الطاقة والمياه تقتصر على إصدار جدول الأسعار شهرياً في ضوء الأسعار الرائجة للمحروقات في البلاد، فيما تتولى وزارة الاقتصاد والتجارة مراقبة أصحاب المولدات لناحية التعرفة، كما أن عمل المولدات الخاصة في لبنان آني فرضته الظروف، وبالتالي فهو عمل غير قانوني إذ يتم استعمال تجهيزات مؤسسة كهرباء لبنان، كما أن إنتاج وتوزيع الطاقة حق حصري للمؤسسة تحت وصاية وزارة الطاقة، ولكن نظراً إلى عدم استطاعة الوزارة والمؤسسة تأمين التغذية فقد باتوا أمراً واقعاً.
دور البلديات
وتنتشر المولدات في المناطق اللبنانية كافة مع غياب الرقابة البلدية، إذ يكون دورها تنظيمياً لحماية البيئة والسلامة العامة من خلال الحد من أخطار انتشار الأسلاك الكهربائية بين البيوت وعلى الأسطح، كما تعمل البلديات على تلقي الشكاوى وتسطير المخالفات بحق أصحاب المولدات المخالفة.
وبدلاً من أن تحمي البلديات المواطن من احتكار أصحاب المولدات أضحت شريكاً أساساً، إذ انتشر أخيراً بيان صادر عن بلدية عينطورة، وهي بلدة في جبل لبنان، طلب فيه رئيس البلدية المهندس لبيب حنا عقيقي من جميع المواطنين المشتركين في المولدات أن يبادروا إلى دفع اشتراكاتهم خلال الأيام الأربعة من بداية كل شهر بالليرة اللبنانية، بحسب سعر الصرف اليومي، وفي حال تعذر على المشترك تسديد الفاتورة خلال هذه الفترة فعليه السداد بالدولار.
"مافيات" المولدات
وفي هذا الإطار كان لـ "اندبندنت عربية" جولة على أصحاب المولدات في بيروت، ويقول أبو علفة، وهو أحد أصحاب المولدات في منطقة كورنيش المزرعة بقلب العاصمة اللبنانية، إنه "لا يوجد أي التزام لدى أصحاب المولدات بتسعيرة وزارة الطاقة التي يجب أن تكون مبنية على سعر الكيلوواط/ساعة الشهري، لكن ما يحدث أن التسعيرة تختلف من منطقة إلى أخرى".
ويضيف، "على رغم أن وزارة الطاقة حددت تسعيرتها بالليرة اللبنانية أبلغناها بأننا لا نتقاضى إلا بالدولار الأميركي، ووعدونا بأنهم سيعالجون الموضوع لكن لم يبادر أحد بالحل"، مشيراً في الوقت عينه إلى أن "أزمة المحروقات أجبرتنا أن ندفع بالعملة الأجنبية، وبالتالي نتقاضى ثمن المولدات بالدولار".
وعن كيفية التسعير يقول "نتقاضى 100 دولار أميركي في مقابل كل خمسة أمبيرات، ونرفض وضع عدادات مع تزويدهم بتغذية بين ثماني إلى تسع ساعات في اليوم، ونأخذ الرسوم بالعملة الأجنبية لأن مدفوعاتنا لشراء المازوت بالدولار الأميركي، وعلى رغم أن وزارة الطاقة أصدرت سابقاً قرارات بإلزام أصحاب المولدات تركيب العدادات لكل المشتركين، إلا أننا لا نزال نمتنع من التنفيذ لعدم قدرة الوزارة على إلزام تجار المحروقات بتسليمنا المازوت على السعر الرسمي وبالليرة اللبنانية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالانتقال إلى صاحب مولد آخر في ضواحي العاصمة تبين أن جميع أفراد عائلته يمتلكون مولدات موزعة على الأحياء، وشرح أنه اعتمد التسعيرة الصادرة عن وزارة الطاقة وأصدر فواتير بالليرة اللبنانية لكنه يحصلها من المشتركين بالدولار الأميركي".
وفي تبريره لهذا الأمر أفاد بأن "الأمور تتعلق بدولار السوق السوداء وارتفاعه المستمر"، ولدى سؤالنا عن طبيعة تركيبة الاشتراكات أجاب بأن "هناك رسم اشتراك ثابت إضافة إلى الاستهلاك بموجب العدادات"، وأنه يتجنب "إبقاء أي مشتركين من دون تركيب عدادات لهم"، علماً بأن الصيغة التي يعتمدها لحساب قيمة المستحق شهرياً فيها كثير من الغموض، وعند استفسارنا عن الأمر فضل عدم الإجابة.
المواطن الضحية
وفي المقابل رأى أحد المواطنين في الضاحية أن "الطريقة المعتمدة على تسعيرة وزارة الطاقة يتم التلاعب بها من قبل أصحاب المولدات، إذ يعمدون إلى توزيع فواتيرهم مطلع الشهر ويتخلفون عن تحصيل المبالغ لأكثر من ثلاثة أيام، ليستطيعوا بعدها إعادة التسعير اعتماداً على سعر صرف الدولار في السوق السوداء، وبهذه الطريقة يجبون مبالغ إضافية غير قانونية".
وتوضيحاً لكيفية حصول هذه العملية أفاد المواطن بأنه عند تبلغه مطلع الشهر بقيمة المستحق عليه "عمدت إلى الطلب من صاحب المولد إرسال الجابي لتسلم المبلغ، لكن الأخير تخلف مدة يومين، ولدى مراجعة صاحب المولد أفاد بأنهم تحت ضغط كبير نتيجة أعطال أصابت المولد". وعندما حضر الجابي في اليوم الرابع طلب دفع المبلغ مضافاً إليه 200 ألف ليرة كغرامة تأخير، وعندما استفسرت عن التأخير أفاد الجابي بأن "صاحب المولد اشترط عليه بعد انقضاء ثلاثة أيام أن يفرض غرامة على كل المشتركين"، معتبراً أنه "لا المراجعات ولا الشكاوى نفعت أمام وزارة الاقتصاد في ثني صاحب المولد عن تقاضي الغرامة".
مخالفات قانونية
ويبدو أن أصحاب المولدات الخاصة في لبنان اعتادوا جني آلاف الدولارات شهرياً تحت مبرر الضرورة، لذلك فاعتباراً من بدء وزارة الطاقة اعتماد تسعيرة وسطية تراعي فيها كلفة المحروقات وتحديداً مادة المازوت وصيانة المولد خلال شهر كامل، تناقصت على أثرها نسبة الأرباح المحققة، وهو ما لم يأت على هوى أصحاب المولدات فعمدوا إلى التشكيك بآلية التسعير وركزوا على تدهور سعر الصرف في السوق الموازية، وبدأوا منذ أشهر بإطلاق التهديدات بأنهم سيصلون يوماً ما إلى إطفاء مولداتهم وحجب الكهرباء عن الناس.
وفي هذا السياق أشار الأكاديمي المتخصص في الاقتصاد بلال علامة إلى أن "أصحاب المولدات تحت وابل التهديد والوعيد بدأوا منذ الشهر الماضي بجباية الرسوم المستحقة على الناس بالدولار الأميركي أو ما يعادلها على سعر الصرف في السوق السوداء، وكأنهم بهذه العملية أجروا التفافاً على آلية التسعير التي تفرضها وزارة الطاقة".
واعتبر علامة أنه "في ظل غياب أي رقابة جدية استطاع أصحاب المولدات أن ينفذوا تهديدهم بجباية رسوم أكثر من المستحق لهم، اعتماداً على معادلة ثلاثية تقتضي احتساب الرسم المستحق بالدولار وإعادة تقييمه بحسب السوق السوداء.
وأشار إلى أنه "لدى مراجعة مصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد تبين أن حجم الرقابة يقتصر على تسجيل شكوى لن تؤول إلى محاسبة من يرتكب مخالفات قانونية، ولن تؤدي إلى حماية المواطن من السرقة التي تمارس بحقه، ففي الوقت الذي راهن معظم الناس على خطة وزارة الطاقة لتفعيل إنتاج الطاقة الكهربائية وتوزيعها بعدالة على كل المناطق اللبنانية، تبيّن أن حقيقة الأمر هي وصول الكهرباء بمعدل ساعتين كل 24 ساعة، وفي هذه الحال بقي المواطن اللبناني رهينة أصحاب المولدات من جهة ووزارة الطاقة من جهة أخرى".