أطل الرئيس الأميركي جو #بايدن ليل أول من أمس الثلاثاء في #الكونغرس حيث ألقى خطاب #حال_الاتحاد السنوي، مثقلاً بانخفاض ملحوظ في شعبيته وإحصاءات تشير إلى عدم رضا الأميركيين على سياساته الاقتصادية وسط ارتفاع التضخم، إضافة إلى شكوك حول قدرته على الترشح لولاية ثانية، بعد دخوله العقد الثامن.
لكن معاناة الرئيس الأميركي تلك الليلة لم تتوقف عند التحديات السياسية والاقتصادية التي أعد لها ومستشاروه خطاباً تجاوز الساعة، وبلغ عدد كلماته 7218، فما إن وصل بايدن إلى منتصف خطابه، حتى أطلق الجمهوريون صيحات الاستهجان، في اعتراض واضح على أجندة إدارته في العامين الماضيين.
سخرية ورد
عندما فتح بايدن النار على الجمهوريين، متهماً إياهم بعرقلة برامج الضمان الاجتماعي، لم تتردد ممثلة ولاية جورجيا في مجلس النواب مارجوري تايلور غرين في وصف الرئيس بـ "الكاذب". وتصدرت النائبة المثيرة للجدل قبل ذلك مواقع التواصل بعد تجولها في مبنى الكابيتول ببالون أبيض، يرمز إلى المنطاد الصيني الذي حلق الأسبوع الماضي في أجواء الولايات المتحدة، واُتهمت إدارة بايدن بالتأخر في إسقاطه.
وما إن تطرق الرئيس إلى أزمة مخدر الفنتانيل، الذي يقتل أكثر من 70 ألف أميركي سنوياً، داعياً إلى التكاتف لوقف إنتاجه وتهريبه، صرخ مشرع آخر قائلاً، "هذا خطؤك"، وحمّل إدارته مسؤولية دخول المخدرات عبر الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، وشاركه عدد من أعضاء الكونغرس الذين قاطعوا الخطاب، مشيرين إلى أن الحل يكمن في تأمين الحدود، وهو الملف الذي فشلت فيه إدارة بايدن، بحسب الجمهوريين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فخ بايدن
لكن بايدن الذي اعتمد معظم الوقت على إلقاء خطابه المعد من خلال شاشة القراءة اضطر إلى الخروج عن النص لمواجهة اعتراضات بعض المشرعين، ورد عليهم بعبارات ساخرة، اُعتبرت بمثابة "فخ" نصبه لخصومه وما لبثوا أن وقعوا فيه بحسب "بلومبيرغ"، التي أشارت إلى استنكار الجمهوريين لمزاعم بايدن بأنهم يعطلون برامج الضمان الاجتماعي، ورده قائلاً إنه أخيراً "حصل على إجماع" منهم وإنه يحب "تغير المواقف".
ومع ذلك، حذّرت الوكالة من أن استراتيجية بايدن هذه لا تخلو من مخاطر، كونه يستعد لحملة انتخابية ضد خصم أقوى من ترمب، ولأنه سيدخل الانتخابات المقبلة من دون عوامل خارجية مثل حكم المحكمة العليا الذي ألغى حق الإجهاض العام الماضي، ومنح الديمقراطيين فرصة لكسب مزيد من الأصوات في الانتخابات النصفية.
وتتزامن هذه التحديات أمام بايدن مع تضاؤل رضا الأميركيين على أدائه، فعلى رغم جهوده للترويج لإنجازات إدارته أمام الناخبين، إلا أن 62 في المئة من الأميركيين يعتقدون أن بايدن "لم يحقق الكثير"، مقابل 36 في المئة يرون العكس، بحسب استطلاع نشر هذا الأسبوع لصحيفة "واشنطن بوست" وشبكة "أي بي سي نيوز".
وفي مواضع أخرى في خطابه الأخير، أعطى بايدن الجمهوريين فرصة لشن هجمات ضد أجندته البيئية وحملته الانتخابية في حال ترشح، وتحديداً عندما قال إن أميركا "ستحتاج إلى النفط لعقد إضافي على الأقل"، وهو ما أثار تهكم الجمهوريين.
واعتبرت "نيويورك تايمز" المناوشات بين بايدن والجمهوريين بأنها البداية لحملته الانتخابية، التي تواجه المصاعب قبل انطلاقتها، وسط تدني شعبية الرئيس والغموض حول نشاطه وصحته، وهو الذي منحته عقوده الثمانية صفة أكبر الرؤساء عمراً في تاريخ بلاده. في حين قالت "بلومبيرغ" إن بايدن بدا مستمتعاً بالتعامل مع خصومه، وهو ما يشير إلى "طاقة وخفة" تتصادمان مع المخاوف المتعلقة بعمره.
مبالغات بايدن
وراجعت "نيويورك تايمز" خطاب بايدن، وقالت إنه لم يحتو على أكاذيب صريحة، إلا أنه أغفل في أكثر من 10 مواضع سياقات مهمة، أو قدم بعض المبالغات، ومنها قوله، "أقف هنا الليلة، بعدما خلقنا بمساعدة أناس كثيرين 12 مليون وظيفة جديدة في غضون عامين، أكثر مما حققه أي رئيس خلال أربع سنوات.
وقالت الصحيفة إن 12.1 مليون وظيفة أنعشت الاقتصاد بين يناير (كانون الثاني) 2021، الشهر الذي تولى فيه بايدن الرئاسة ويناير الحالي، مشيرةً إلى أنه بالنظر إلى الأرقام الأولية، فهذه بالفعل أكبر زيادة في عدد الوظائف الجديدة على مدى عامين، مقارنة بإنجازات الرؤساء الآخرين على مدار أربع سنوات منذ عام 1945 على الأقل.
لكن في عهد بايدن زادت الوظائف بنسبة 8.5 في المئة منذ بداية ولايته، وهذه القفزة أقل من تلك التي حدثت في الولاية الأولى للرئيس باراك أوباما (8.6 في المئة)، والولاية الأولى للرئيس بيل كلينتون (10.5 في المئة)، والولاية الثانية للرئيس رونالد ريغان (11.2 في المئة)، وولاية الرئيس جيمي كارتر (12.8 في المئة).
ويقارن بايدن أول سنتين له في المنصب بالسنوات الأربع لأسلافه، وبالتالي فإن المقارنة ليست متكافئة، فضلاً عن أن عامي بايدن الأولين في البيت الأبيض جاءا بعدما خسر ملايين الأميركيين وظائفهم بسبب جائحة كورونا. والأهم من ذلك، أن الرؤساء ليسوا مسؤولين وحدهم عن وضع الاقتصاد.
وأما قوله "كنا لعقود عديدة نستورد المنتجات ونصدر الوظائف. الآن، بفضل ما أنجزتموه جميعاً، نصدر المنتجات الأميركية ونخلق فرص عمل أميركية"، فإن "نيويورك تايمز" تعتبر هذا التصريح مضللاً، كونه يعطي انطباعاً بأن اتجاهاً عمره عقود قد تغير، في حين تقول البيانات قصة مختلفة، فالصادرات الأميركية وصلت إلى مستوى مرتفع جديد في عام 2022، وتجاوزت صادرات السلع وحدها 2 تريليون دولار، ولكن في الوقت نفسه، سجلت الولايات المتحدة ارتفاعاً قياسياً العام الماضي في الواردات بقرابة 3.3 تريليون دولار من البضائع. ونتيجة لذلك، واجهت البلاد أعلى عجز تجاري على الإطلاق منذ عام 1970 بلغ 950 مليار دولار، وعجزاً تجارياً في السلع بلغ 1.1 تريليون دولار.
وعن قول بايدن "على رغم أن الفيروس لم يختف، إلا أنه بفضل مرونة الشعب الأميركي والابتكار الطبي، فقد كسرنا قبضة كوفيد علينا. انخفضت وفيات كوفيد بنسبة 90 في المئة"، ذكرت الصحيفة بأن ذلك يحتاج إلى توضيح للسياق، إذ يموت حوالى 450 شخصاً في الولايات المتحدة كل يوم جرّاء كورونا، وعلى رغم أن هذا الرقم أقل بكثير من 3200 أميركي تقريباً كانوا يموتون كل يوم في أوائل عام 2021، إلا أن المعدل اليومي الحالي لوفيات الفيروس أعلى مما كان عليه في ديسمبر (كانون الأول) 2022، عندما كان يموت ما يقرب من 250 شخصاً بسبب الفيروس.
وقال بايدن "لقد وحدنا الناتو. لقد بنينا تحالفاً عالمياً"، إلا أن وحدة التحالف الداعم لأوكرانيا في وجه روسيا لم تكن على الدوام "مثالية"، إذ اختلف قادة الناتو في بعض الأحيان حول ما إذا كان من الضروري تزويد أوكرانيا بالدبابات الحديثة. وعلى رغم أن بايدن نجح في حشد عشرات الدول خارج الناتو لدعم العقوبات الاقتصادية ضد موسكو، مثل كوريا الجنوبية واليابان، إلا أن دولاً كبرى مثل الهند والصين لم تنضم لهذا التحالف، وما زالتا تشتريان كميات كبيرة من النفط الروسي.
شعبية متراجعة
وانخفضت شعبية الرئيس بايدن 42 في المئة، بعد تعافيها من هبوط أكثر حدة في الصيف الماضي عند 30 في المئة. وبحسب مؤسسة "غالوب" لاستطلاعات الرأي، فإن معدلات تأييد الرئيس بعد عامين من بين الأدنى للرؤساء في هذه المرحلة من ولاياتهم، باستثناء دونالد ترمب، الذي كان متوسط نسبة تأييده في عامه الثاني الأسوأ.
ويعتبر الاقتصاد من أبرز العوامل التي أثرت في نظرة الأميركيين لأداء بايدن، إذ تزامن تدهور شعبيته مع ارتفاع التضخم وأسعار الوقود. وعلى رغم انخفاض أسعار الوقود لاحقاً ووصولها إلى مستويات 2021، إلا أن نسب التأييد لم تتحسن إلا بشكل طفيف، من دون أن ترى قفزة كبيرة. وبحسب استطلاع حديث أجرته جامعة كوينيبياك، يعتبر 35 في المئة من الأميركيين، ما يشمل نصف الجمهوريين، أن التضخم أهم مشكلة تواجه البلاد حالياً، وشارك 37 في المئة فقط نظرة إيجابية تجاه سياسات بايدن الاقتصادية.
وأظهرت أخيراً استطلاعات الرأي انخفاضاً في شعبية بايدن، بالتزامن مع تحقيقات وزارة العدل في احتفاظه بوثائق سرية تعود لأيام عمله في إدارة باراك أوباما ومجلس الشيوخ.
وفي خطاب حال الاتحاد، التقليد السنوي الأميركي الذي يعود إلى نحو 200 عام ألقى بايدن عبارات تدعو إلى الوحدة والتكاتف لتجاوز التحديات، إلا أن ذلك لم يشفع له عند الجمهوريين. وقال، "نحن نلتقي الليلة عند نقطة انعطاف. هذه واحدة من تلك المراحل التي لم تواجهها سوى أجيال قليلة، إذ إنها مرحلة تحدد فيها القرارات التي نتخذها الآن مسار هذه الأمة والعالم لعقود مقبلة. نحن لسنا بعابري سبيل في التاريخ، ولسنا بعاجزين أمام القوى التي تواجهنا. نحن شعب يمتلك القدرة. إننا نواجه امتحان العصر".
وأضاف، "يتعين علينا أن نكون أمة تختار الضوء بدل الظلام والأمل بدل الخوف والوحدة بدل الانقسام والاستقرار بدل الفوضى. يجب ألا ينظر بعضنا إلى البعض الآخر باعتبارنا أعداء، بل كمواطنين أميركيين".
وفي سياق متصل، ألقت حاكمة ولاية أركانساس سارة هاكابي ساندرز الرد الجمهوري على خطاب الاتحاد، قائلة إن "الأميركيين يتعرضون للهجوم في حرب ثقافية يسارية". وأضافت، "الخط الفاصل في أميركا لم يعد بين اليمينيين واليساريين"، لافتةً إلى إنها "لا تصدق" الكثير من أي شيء قدمه الرئيس جو بايدن في خطابه".
ودعت ساندرز (40 عاماً) إلى جيل جديد من القيادة الجمهورية لمحاربة ما وصفته بـ "غوغائية الواعين الذين اختطفوا تماماً إدارة الرئيس جو بايدن"، مشددة على أن الجمهوريين "لن يتنازلوا عن هذه المعركة" وقالت "سنقود بشجاعة ونفعل الصواب، وليس ما هو صواب سياسياً". وختمت حديثها، "حان وقت التغيير، نريد جيلاً جديداً من القادة الجمهوريين، لا ليكونوا راعين للوضع الراهن، بل ليكونوا صناعاً للتغيير".