أعلن دبرصيون جبرميكائيل رئيس حكومة إقليم "تيغراي" والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير "تيغراي" "أنهم يسعون إلى إجراء إصلاحات كبيرة على مستوى القيادات السياسية والإدارية في الإقليم والجبهة"، وتقدم دبرصيون "بمشروع الإصلاحات إلى برلمان الإقليم الذي التأم للمرة الأولى في مدينة مقلي منذ بداية الحرب في نوفمبر 2020".
وبرر المشروع قائلاً "إننا في مرحلة جديدة تماماً بعد انتهاء الحرب الضروس التي استمرت عامين، وهذه المرحلة الانتقالية التي ترسي أسس السلم تحتاج إلى إحداث إصلاحات هيكلية على مستوى القيادات السياسية والإدارية والحزبية، بما يتناسب وتحديات هذه المرحلة الدقيقة" مؤكداً "أن وثيقة السلم الموقعة تحتاج إلى إرادة قوية للالتزام بها وتعزيز فرص نجاحها". وأضاف "الانتقال من حال المواجهة المسلحة إلى الإدارة السياسية يتطلب الاستفادة من كل عوامل القوة الناعمة، لا سيما إشراك الأحزاب والتنظيمات السياسية التيغراوية الأخرى بإدارة المرحلة الانتقالية".
من جهته قال الناطق الرسمي لحكومة الإقليم جيتاشو رضا في تغريدة على "تويتر" "حفاظاً على وحدة وتماسك الموقف، وتلبية تطلعات التيغراويين، نسعى لإجراء إصلاحات مهمة"، مضيفاً "بقينا نتباحث حول ضرورة التغيير السلس، وتوصلنا إلى تفاهمات مهمة، لكن مجلس وزراء المرحلة الانتقالية لم يتم تعيينه بعد".
دورة غير قانونية
وفي حين لا تزال فعاليات الدورة البرلمانية منعقدة، منذ الثلاثاء الماضي 17 يناير (كانون الثاني)، تحت عنوان "العهدة السادسة، الدورة العادية الخامسة"، انتقدت جهات عدة هذه الدورة ووصفتها بغير القانونية على اعتبار أن اتفاقية السلام الموقعة مع الحكومة المركزية في جمهورية جنوب أفريقيا تنص على "سحب الاعتراف من الانتخابات التي أجريت من طرف واحد في إقليم تيغراي والمؤسسات الناتجة عنها، ومن بينها برلمان الإقليم" الذي يعقد الآن دورته العادية بما يتناقض مع نصوص الاتفاقية، كما ينص الاتفاق على إشراك القوى السياسية "التيغراوية" كافة، بما فيها القوى المعارضة للجبهة في المشاورات المفضية إلى تشكيل "حكومة وفاق" تقود المرحلة الانتقالية.
وقال السياسي التيغراوي تسفاي يوهانس إن "اجتماعات اللجنة المركزية للجبهة، ومن ثم عقد دورة غير شرعية للبرلمان المنحل الذي تسيطر عليه الجبهة منفردة، تبعث برسالة واضحة للمعارضين بأنهم لن يكونوا جزءاً من المرحلة الانتقالية". أضاف "الحديث عن إجراء إصلاحات في غياب القوى السياسية نهج درجت الجبهة على اتباعه منذ تأسيسها في منتصف السبعينيات من القرن الماضي". وأكد أن "الإصلاح يتطلب مشاورات واسعة مع القوى السياسية جميعها حول جوهره المرجو، ولا يمكن أن يجد الطرف المتسبب في الأزمة حلولاً لها". وتابع "ليست ثمة مشكلة في مشاركة الجبهة، وجعلها جزءاً من الحل عبر مؤتمر عام يقترح الحلول وحجم الإصلاحات المطلوبة، لكن في الوقت ذاته لا يمكن الاعتماد عليها في إيجاد الحل منفردة"، مضيفاً أن "الدورة الحالية لما يسمى برلمان الإقليم تعد باطلة قانوناً وفقاً لاتفاقية السلام".
واستغرب يوهانس صمت الحكومة المركزية حول هذا الخرق الواضح للاتفاق مؤكداً أن "هناك دلائل تشير إلى تواطؤ الحكومة المركزية مع الجبهة لتمرير هذه الحيلة، لأن أديس أبابا تدرك أن هناك قوى سياسية تيغراوية معارضة تمثل رقماً مهماً في المعادلة الانتقالية". واعترف بوجود قوى تطالب بتفعيل المادة 39 من الدستور الفيدرالي التي تنص على حق تقرير المصير، "ما قد يصل إلى حد انفصال الإقليم عن إثيوبيا".
التغيير المؤسسي للمرحلة الانتقالية
وفي سياق متصل، رأى الناشط السياسي "التيغراوي" سلمون محاري "أن الانتقال من حال الحرب إلى السلم وتشكيل حكومة انتقالية يتطلب تغييراً مرحلياً سلساً". أضاف "أن الإصلاحات ينبغي أن تجري في إطار مؤسسي لأن حل المؤسسات الدستورية المنتخبة سيؤدي إلى حال فراغ سياسي ودستوري"، مؤكداً "أن المرحلة الانتقالية ستضمن مشاركة عدد كبير من الأحزاب السياسية التيغراوية المعارضة، لكن الوصول إلى هذه الغاية يتطلب مساراً دستورياً، من بينها المصادقة على مشروع الإصلاحات عبر برلمان الإقليم". ولفت محاري أيضاً إلى أن "الدستور أعلى مرتبة من الاتفاقية الموقعة في جنوب أفريقيا، وفي أي تعارض بين بنودها ونصوص الدستور، تعود المرجعية للدستور الفيدرالي". وقال إن "شرعية القرارات تنبع من مدى سلامة الإجراءات الدستورية" مضيفاً "أن تبني البرلمان مشروع الإصلاحات هو الوسيلة الوحيدة لضمان مشاركة الأحزاب الأخرى في عملية التغيير، بالتالي المشاركة في إدارة المرحلة الانتقالية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع محاري "ثمة صراع سياسي متخيل تفرضه القوى المعارضة لتعطيل مسار الإصلاح، لأن الشروع في تطبيق الإصلاحات سيفضي في النهاية إلى إجراء انتخابات عامة، بالتالي، تخشى خسارة الاستحقاقات الانتخابية كما حدث مراراً لثلاثة عقود مضت". واعترف "بوجود ثغرات قانونية عدة في اتفاقية بريتوريا، إذ لم تحدد الجهة المنوط بها اتخاذ الإجراءات الضرورية لتشكيل الإدارة الانتقالية"، ولا يمكن تصور اتخاذ إجراء دستوري كهذا خارج المؤسسات الدستورية المنتخبة.
الالتفاف على الدستور أم الاتفاقية؟
ورد يوهانس على هذا الزعم بالقول "الحديث عن احترام الدستور ينبغي أن ينسحب على كل الإجراءات التي اتخذتها الجبهة، بما فيها الانتخابات التي أجريت في عام 2020، وأنتجت البرلمان الحالي، التي أقيمت خارج الأطر الدستورية". أضاف أن "الدعوة لإجراء الانتخابات وفقاً للدستور الفيدرالي، من مسؤولية البرلمان الإثيوبي، كما أن اللجنة العليا للانتخابات المنوط بها الإشراف على العملية الانتخابية ينبغي أن يتم تعيينها من البرلمان الوطني، وهي المكلفة مراحل الانتخابات كلها بما فيها الإشراف والمراقبة وإعلان النتائج"، وهذا لم يحدث في الانتخابات التي أجرتها الجبهة منفردة في الإقليم من دون "موافقة البرلمان، إذ حددت الموعد وأشرفت وراقبت وتنافست مع نفسها وفازت وحدها"، بالتالي، لا يمكن المرافعة هنا بسلامة تلك الانتخابات دستورياً ولا بنتائجها والمؤسسات التي نتجت عنها.
واعتبر يوهانس أن "ثمة التفافاً على الدستور والاتفاقية معاً" لصالح طرف سياسي واحد يريد أن يبقى في السلطة. وقال، عن التصريحات الأخيرة حول الإصلاح، إنها "بمثابة عمليات تجميل للواجهة في وقت ستبقى الجبهة منفرد فعلياً بإدارة المرحلة الانتقالية عبر ضم بعض الشخصيات في وقت سيبقى الجوهر ثابتاً". ولفت إلى أن القيادات التي قادت الحرب هي ذاتها التي تبشر بمرحلة السلم، في تغييب للقوى السياسية الأخرى.
في المقابل، رأى الناشط سلمون محاري أن "هناك من يريد استغلال المرحلة الانتقالية للقفز على منجزات الجبهة، وإقصائها من دون أي استحقاق انتخابي، متناسين أن الاتفاقية التي يتمسكون ببنودها، ما هي إلا أحد إنجازات الجبهة وممهورة بتوقيعها".
ويترقب المتابعون موقف الحكومة الفيدرالية تجاه الدورة الأخيرة للبرلمان ونتائجها، وما إذا كانت حكومة آبي أحمد ستدعم هذا التوجه أم ستقف أمامه باعتباره خرقاً لاتفاقية بريتوريا للسلام.