Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"اتفاق القرن الدفاعي" بين لندن وطوكيو ينبئ بالتحولات الآسيوية

كيف تنظر المملكة المتحدة إلى المركز الجيوسياسي في المحيط الهادئ؟

رئيسا وزراء بريطانيا واليابان ريشي سوناك وفوميو كيشيدا (أ ف ب)

وقع رئيسا وزراء بريطانيا واليابان اتفاقاً دفاعياً يعد الأكبر بين البلدين ليشكل تحولاً جوهرياً في علاقة طوكيو بالدول الغربية في الفترة المقبلة. ويأتي الاتفاق وسط اهتمام غربي بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، تؤطره الاستراتيجية البريطانية التي كشفت عنها الحكومة قبل عامين. 

وتشهد اليابان نقلة في رؤيتها للقوة العسكرية خلال الآونة الأخيرة تمثلت في تعديل استراتيجية الأمن القومي للبلاد، تمخضت عنها زيادة في الإنفاق العسكري من الموازنة العامة للدولة وعقد اتفاقات جديدة مع دول غربية وآسيوية ورفع مستوى علاقاتها العسكرية بهدف التصدي لنفوذ بكين في المنطقة والخطر الصيني على أمنها القومي. 
فيما تنبئ التغيرات العسكرية الجوهرية التي تعيشها طوكيو في سياستها الحديثة بإمكانية توتر العلاقات مع جارتها بكين التي تتابع التطورات الأخيرة بحذر وتوجس واستنكار.

وصول عسكري متبادل

في محطته الغربية في لندن، التقى رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا بنظيره البريطاني ريشي سوناك ووقع اتفاق هو الأبرز سمح بالوصول المعلوماتي المتبادل بين البلدين. 

وينص الاتفاق على السماح المتبادل للقوات العسكرية للبلدين بالانتشار في الأراضي اليابانية والبريطانية، ويمثل خطوة جديدة ضمن استراتيجية المملكة المتحدة تجاه منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إلى جانب جهود طوكيو لتعزيز قوتها الدفاعية وكسب علاقات متينة مع الحلفاء في مواجهة التوسع والنفوذ الصينيين، إذ يعد أول اتفاق لليابان مع دولة أوروبية في هذا المجال ويسمح للدولتين بإجراء تدريبات عسكرية مشتركة. وتسلحت اليابان أيضاً باتفاق عسكري مماثل مع الولايات المتحدة، أعقبه اتفاق مشابه مع أستراليا العام الماضي، فيما تخوض طوكيو محادثات مع الفيليبين في شأن اتفاق عسكري جديد.
ويسمح الاتفاق الجديد بإنزال القوات البريطانية واليابانية على أراضي بعضهم بعضاً للتدريب والعمليات الأخرى، ووصفه ريشي سوناك بكونه "الاتفاق الأكثر أهمية بين البلدين منذ قرن في مجال الدفاع"، كما ذكرت لندن أنه يدعم التزام بريطانيا في منطقة المحيطين الهادئ والهندي.
وسبقت الاتفاق محادثات عدة لأعوام ماضية وناقشه كيشيدا من قبل مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون في مايو (أيار) الماضي.  
مجموعة الدول السبع

يأتي الاتفاق في إطار جولة لرئيس الوزراء الياباني الذي تترأس بلاده مجموعة الدول السبع الصناعية هذا العام، إلى الدول السبع والتي تختتم بلقاء يجمعه مع رئيس الولايات المتحدة جو بايدن، ونقلت الصحيفة اليابانية "جابان توداي" عن خبراء أن زيارة فوميو كيشيدا إلى دول السبع تهمين عليها العلاقات العسكرية والدفاعية للتقارب مع الحلفاء في وجه الضغوط المتزايدة من الجانب الصيني في المنطقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل لم تقف بكين مكتوفة الأيدي، بحيث صرح المتحدث باسم الخارجية الصينية وانغ وينبنغ بأن منطقة آسيا والمحيط الهادئ تتسم بالسلم والتنمية وليست ساحة للألعاب الجيوسياسية، في إشارة  إلى الاتفاق البريطاني- الياباني، مؤكداً أن بلاده شريك متعاون مع دول المنطقة كافة ولا تمثل تحدياً لأي طرف وموضحاً أن الأهداف الحقيقية للاتفاقات الدفاعية تحسين التفاهم المشترك والثقة بدلاً من صنع أعداء مزعومين في المنطقة.

بريطانيا نحو آسيا 

خلال الأعوام الأخيرة وبعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، تحديداً، اتسمت سياسة بريطانيا بوضع منطقة آسيا والمحيطة الهادئ في مقدمة أولويات سياستها الخارجية وتسعى إلى إعادة دورها كدولة كبرى ذات صبغة عالمية، فباتت تراجع عدداً من ملفاتها، خصوصاً في ما يتعلق بسياسات الدفاع والأمن والسياسة الخارجية. 

وأطلقت لندن عام 2021 استراتيجية آسيا والمحيط الهادئ، واصفة منطقة الشرق الآسيوي بـ"المركز الجيوسياسي للعالم المتزايد" ووصفتها بالمنطقة الحيوية للمصالح البريطانية، فيما تنظر لندن بعد الاستراتيجية الجديدة إلى اليابان على أنها الحليف الرئيس في شرق آسيا. ووفقاً للاستراتيجية البريطانية الأخيرة فإن المملكة المتحدة تسعى إلى تقوية انتظامها في منطقة المحيط الهادئ والهندي، والسعي الحثيث إلى إقامة علاقات أقوى من ذي قبل مع كوريا الجنوبية ودول إقليمية كإندونيسيا وفيتنام وماليزيا وسنغافورة.

وفي إطار خطة المملكة المتحدة للتوجه نحو الشرق الآسيوي، نشطت تحركات البحرية البريطانية في بحر الصين الجنوبي خلال الأعوام الماضية، كما بدأت لندن منذ خروج الاستراتيجية إلى النور بتطبيق سياسات وقرارات تحقق مبتغاها من الاستراتيجية الجديدة، والعام الماضي أصدرت خطة العمل لتنفيذ الشراكة الحوارية بين "آسيان" والمملكة المتحدة لتعميق العلاقات مع دول رابطة جنوب شرق آسيا. 

مصالح بريطانيا

وتحاول بريطانيا الحفاظ على مصالحها في المنطقة وتقويض النفوذ الصيني المتزايد باعتباره يمثل تهديداً لمصالحها في المنطقة، إلى جانب إعادة دورها كقوة عالمية كبرى. 

وبحسب مراقبين فإن النهج البريطاني الجديد لا يعتمد فقط على تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية في تحقيق مصالحها فحسب، بل باتت الجوانب العسكرية والدفاعية جزءاً من وسائل المملكة المتحدة لإثبات وجودها في الإقليم. ولم يكن توقيع الاتفاق الدفاعي بين لندن وطوكيو مفاجئاً، فإعلان الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا عن تكوين تحالف "أوكوس" الأمني قبل أعوام، سمح لكانبرا ببناء غواصة بالطاقة النووية للمرة الأولى في تاريخها باستخدام التقنية الأميركية، ليكون التحالف الجديد أكبر الشراكات الدفاعية بين الدول في التاريخ الحديث. ويركز الاتفاق على رفع القدرات العسكرية ويضمن مشاركة القدرات الرقمية والتقنيات العسكرية الخاصة بأعماق البحار.

عصر ياباني جديد

في سياق متصل اتجهت اليابان بعد انتهائها من الحرب العالمية الثانية إلى سياسات دفاعية سلمية، شكلت أحد أهم ملامح الدولة الحديثة لليابان.  والتزمت طوكيو نهجاً دفاعياً لقواتها المسلحة اتسم بخفض النفقات على التسليح والمعدات العسكرية والتركيز على علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع دول العالم. 

ولم تعدل السياسة الدفاعية اليابانية إلا عام 2013 حين وضع رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي استراتيجية الأمن القومي الجديدة التي ترتكز على الأخطار الأمنية للبلاد ليتم توسيع الدور العسكري للأمن القومي، ومع ذلك ظل التعديل في نطاق ضيق. 
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كشفت الحكومة اليابانية عن تعديل واسع النطاق في سياستها الدفاعية يشمل مضاعفة الإنفاق على الجانب العسكري إلى 2 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي بحلول 2027، إذ يتوقع أن تنفق ما يصل إلى 313 مليار دولار في الأعوام الخمسة المقبلة لتطوير قدراتها العسكرية. وذكرت الاستراتيجية الجديدة توصيف الصين بأنها "التحدي الاستراتيجي الأكبر" للأمن الياباني والتعديل الأخير هو الأكبر في النهج الدفاعي لطوكيو، لما يشمله من تغير في ملامح القوات العسكرية اليابانية، بحيث تتبع الاستراتيجية الجديدة نهجاً أكثر فاعلية في الوقاية ومنع الهجمات السيبرانية وزيادة القوات الدفاعية البرية. 

ويشير محللون إلى أن التدخلات الجوية المتزايدة والتهديدات الصينية لتايوان الجارة التي اشتدت حدتها الأعوام الماضية، إلى جانب الحرب الروسية - الأوكرانية التي اتخذت طوكيو موقفاً معارضاً لها بتوقيع العقوبات على موسكو ومساعدة أوكرانيا، لتبلور نقاطاً مفصلية للسياسة اليابانية الدفاعية وتشكل عصراً يابانياً جديداً تهتم فيه طوكيو بقدراتها العسكرية والدفاعية.

قدرات عسكرية متطورة

من جهة ثانية اتخذت اليابان خطوات سريعة لتنفيذ سياستها الدفاعية الجديدة، فقررت العام الماضي تطوير جيل جديد من الطائرات المقاتلة مع بريطانيا وإيطاليا، إلى جانب زيادة التشارك في المعلومات الاستخبارية والتعاون الدفاعي مع أستراليا.

واتفقت طوكيو وواشنطن على توسيع اتفاق الدفاع الوطني المشترك للفضاء وزيادة عدد الوحدات البحرية الأميركية داخل الأراضي اليابانية، فيما تسابق اليابان الزمن لتطوير قدراتها الدفاعية والعسكرية بعد الاضطرابات والتوترات المحيطة بها في المنطقة، بخاصة مع تقدم القدرات العسكرية لجارتيها الصين وكوريا الشمالية التي تجري اختبارات الصواريخ النووية بين حين وآخر. 

التغيرات التي طرأت على السياسة العسكرية لطوكيو تنبئ بتحول اليابان إلى قوة عسكرية كبرى على خطى دول غربية من خلال التركيز على السياسات الأمنية وتأسيس مجلس الأمن القومي وتنصيب مستشار له إلى جانب بناء منظومة دفاعية حديثة للتصدي للأخطار البرية والجوية والبحرية وتعزيز الأمن السيبراني.

الساموراي يغضب التنين

التحول الهائل في استراتيجية اليابان الأمنية والعسكرية بدعم غربي، قابله استنكار وحذر صينيان، بدآ بتحذير بكين العام الماضي من تدهور العلاقات الثنائية بين البلدين نتيجة تعميق العلاقات العسكرية بين طوكيو وعدد من الدول الغربية، ووصفت الصين السياسة الدفاعية الجديدة لطوكيو بأنها تحرف الحقائق وتناقض روح الاتفاقات الأربعة بينهما.

في المقابل ربط محللون صينيون السياسة الدفاعية اليابانية الجديدة بالفكر التوسعي والتاريخ الاستعماري الياباني قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية وإمكانية الهيمنة الدفاعية لطوكيو للهجوم  المستقبلي على دول الشرق الآسيوي. 

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات