Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان... هل بات الاتفاق وشيكاً؟

سودانيون يتظاهرون في ذكرى اليوم الاربعين "لفض الاعتصام" في الخرطوم (رويترز)

منذ إعلان الوساطة الأفريقية – الإثيوبية المشتركة عن التوافق بين المجلس العسكري الانتقالي و"قوى الحرية والتغيير"، في 5 يوليو (تموز) بعد يومين من الاجتماعات المستمرة، تتجدد اليوم مخاوف أخرى من انعكاسات تعثُّر محتمل أمام التوقيع النهائي على الاتفاق بين الطرفين على وثيقة الإعلان الدستوري، لا سيما بعدما توقع كثيرون الخميس الماضي، حداً أقصى للانتهاء من التوقيع.

ساعات الاجتماع الطويلة وغير المتوقعة ليل الخميس، ثم خروج الوسيط الأفريقي في ساعة متقدمة من الفجر ليعلن استئنافاً جديداً للبحث والتفاوض، ثم التوقيع على الاتفاق بالأحرف الأولى يوم السبت 13 يوليو (تموز)، وتزامن ذلك مع إعلان المجلس العسكري عن إحباط محاولة انقلابية تمت في اليوم ذاته لقطع الطريق على الاتفاق بين المجلس و"قوى الحرية والتغيير"، كل تلك العثرات أمور ظلت مصدر إزعاج وقلق للسودانيين الذين ترقبوا التوقيع على الاتفاق والاحتفال به بحلول الأحد 14 يوليو (تموز).

المعوقات

هناك العديد من المؤشرات تبدو اليوم كما لو أنها بمثابة العصي في عجلات هذا الاتفاق الوشيك، منها الفيلم الذي عرضته قناة BBC الناطقة بالإنجليزية يوم الجمعة الماضي، عن مجزرة فض الاعتصام التي وقعت ضد المحتجين في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، بالخرطوم في 3 يونيو (حزيران) الموافق 29 رمضان الماضي، وراح ضحيتها 128 قتيلاً و500 جريح. ومنها كذلك مواكب " العدالة أولاً " التي دعا إليها تجمع المهنيين السودانيين بمناسبة أربعينية المجزرة التي وافقت يوم السبت 13 يوليو.

تلك الأحداث بالتأكيد ربما ألقت بتعقيدات جديدة قد تتصل بتأجيل الاتفاق إلى وقت آخر. لكن في تقديرنا أن هناك مؤشرات ومعطيات أقوى، تعكس اتجاهاً جاداً للتوقيع على الاتفاق والإعلان الدستوري، ربما خلال نهاية هذا الأسبوع.

التسريبات التي نقلتها صحيفة الشرق الأوسط عن " كواليس المباحثات المباشرة بين الجيش والمدنيين"، والأجواء التي سبقت إعلان الاتفاق، عكست مؤشرات دالة على أن تطمينات الوسطاء لأفراد المجلس العسكري، كانت هي السبب لتنفيس حالة التوتر التي بدأ بها الاجتماع. كما أن توجس أعضاء المجلس العسكري من فلول النظام البائد، والخوف من مقدراتهم التنظيمية، جعلهم يترددون حيالهم بين الخوف منهم أو الاستعانة بهم، نظراً إلى حداثة عهد المجلس العسكري بإدارة الأدوار السياسية الجديدة، وهو ما عكس ميلاً واضحاً في نهاية الاجتماعت بأن الاتفاق الذي أعلنه الوسيط الأفريقي هو خيار نهائي للمجلس العسكري، إثر تأكيدات من "قوى الحرية والتغيير" للمجلس بأنهم لن يقصوا أحداً من المشهد السياسي بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.

ومن خلال ما تم من تسريب لملابسات الاجتماع وأجوائه والتغييرات الايجابية التي خرج بها بعد ذلك، وخروج السودانيين فرحين صباح يوم الجمعة في شوارع الخرطوم وبقية مدن السودان، يبدو أن هناك إرادة للاستمرار في هذا الاتفاق على الرغم من المحاذير التي تحف به، لأنه لا أوضاع السودان، ولا الظروف الإقليمية ولا المجتمع الدولي تسمح بالارتداد عنه.

هنالك إشكالية في كلمة بمسودة الاتفاق تتصل بصلاحيات مجلس السيادة، كانت هي السبب الرئيس في التأخير، على خلفية تفسيراتها المشككة، بين أن تُفهم كما لو أن لمجلس السيادة من خلالها، سلطة الاعتراض على القرارات التي تعرض عليه، أو أن يُفهم منها أن لمجلس السيادة فقط الموافقة على ما يعرض من قرارات السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء)، والسلطة التشريعية (البرلمان)، وذلك على ضوء ما صرح به الفريق أول عبد الفتاح البرهان في حوار تلفزيوني معه لجهة إمكانية حق الاعتراض لمجلس السيادة على القرارات التي تعرض له، مما أثار تحفظات وهواجس لدى بعض "قوى الحرية والتغيير".

وإذا ما بدت الصياغة النهائية للاتفاق ثم التوقيع عليه، وعلى الإعلان الدستوري، آخذةً كل ذلك الوقت، فإن ما هو ظاهر من هذا التحفظ، في تقديرنا، سيكون جزءًا من الضبط الضروري في المهام والصلاحيات التي ينبغي أن تكون واضحةً.

المستقبل السياسي لكل الاطراف

وما يبدو لصالح الجميع، هو المضي قدماً في هذا الاتفاق والتوقيع عليه خلال هذا الأسبوع ــ كما نتوقع ــ لأن الوضع في السودان الآن، سواء بالنسبة إلى المجلس العسكري الانتقالي وضرورة حرصه على إنجاز الاتفاق بسلاسة، خلال المرحلة الانتقالية لتقديرات تتصل بحيثية أعضائه، أو بالنسبة إلى "قوى الحرية والتغيير" التي ستعتبر هذا الاتفاق جزءًا من رصيد مصداقيتها لدى الشعب السوداني. ذلك كله يعني أن الطريق الوحيد لإنجاح هذا الاتفاق يمثل شكلاً من أشكال الحفاظ على المستقبل السياسي للسودان في ظل التحديات الأمنية والسياسية التي ستواجهه.

لقد كشفت تصريحات صحافية لكل من الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري، ونائبه محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" في اليومين السابقين عن عزوف واضح لأي منهما عن أي منصب رئاسي مستقبلي في السودان، فإنها تكشف كذلك، من طرف خفي، عن أن هناك جزءًا من تلك التصريحات متصل بالترتيبات الجديدة التي أفرزها هذا الاتفاق.

إن رعاية الوساطة الأفريقية – الإثيوبية المشتركة لهذا الاتفاق والإشراف على صياغته واصطفاف المجتمع الدولي وراءها عبر الضمانات والضغوط، هو الذي سيجعل من الجدِّية في تنفيذه على الوجه المطلوب أمراً ملزماً، وهو ربما قد لا يكون ممكناً في حال أُنجز الاتفاق قبل شهرين مثلاً، وفقط بين المجلس العسكري و"قوى الحرية والتغيير"، من دون أي ضغوط أو ضمانات دولية.

الفرصة التي يوفرها الاتفاق اليوم هي فرصة جيدة ويمكن البناء عليها، لذا في تقديرنا سيكون التوقيع على هذا الاتفاق وعلى الإعلان الدستوري خلال هذا الأسبوع، لأن السودانيين انتظروا كثيراً وضحّوا بالكثير من أجل أن يكون هذا الاتفاق ممكناً.

 

المزيد من آراء