انعقدت، الأربعاء 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، قمة مجموعة دول آسيان- الاتحاد الأوروبي تزامناً مع مرور 45 عاماً من العلاقات بين الجانبين. وبدأت العلاقة بين الكتلتين في عام 1977 بهدف تعزيز العمل المشترك ورفع مستوى العلاقات بين الجانبين في ظل تحديات وأزمات عالمية. ويسعى الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز وجوده في المنطقة الآسيوية خصوصاً بعد الشراكة الاستراتيجية التي وقعت في عام 2020، والحد من النفوذ الصيني في الإقليم وتجنب أي صراعات قد تنشأ مستقبلاً في منطقة بحر الصين الجنوبي نظراً إلى أهميتها بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، إذ يمر من خلال تلك البقعة 40 في المئة من تجارتها.
أهداف متشابهة
وتهدف علاقة آسيان بالاتحاد الأوروبي إلى تحقيق المصالح الاقتصادية بالدرجة الأولى لأعضائهما. وتأسست رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) في الثامن من أغسطس (آب) عام 1967، حين وقعت إندونيسيا وماليزيا والفيليبين وسنغافورة وتايلاند، التي تعد الدول المؤسسة للتكتل، "إعلان آسيان" في العاصمة التايلاندية بانكوك. وبعد نحو 17 سنة انضمت بروناي إلى الرابطة في عام 1984، تبعتها فيتنام في 1995 ولاوس وميانمار في 1997 ليكتمل عدد أعضاء الرابطة الـ10 في 1999 بانضمام كمبوديا. وكان الهدف من إنشاء الرابطة، دعم التبادل الاقتصادي والثقافي بين أعضائها، والحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة وإقامة علاقات مع القوى الخارجية بأهداف موحدة. وتصنف رابطة آسيان من بين المناطق الأسرع نمواً اقتصادياً وذات كثافة سكانية مرتفعة، حيث يبلغ عدد سكان دولها مجتمعة ما يقرب من 600 مليون شخص.
كذلك فإن بدايات تأسيس الاتحاد الأوروبي جاءت من خلال إنشاء "الجمعية الأوروبية للفحم والصلب" في عام 1951 على يد ست دول هي "بلجيكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا"، ثم اتفاقيات روما بعام 1957، وتطورت الاتفاقيات للوصول إلى ما عرف بالاتحاد الأوروبي في عام 1993 وسارعت الدول الأوروبية للانضمام إليه على مر السنوات ليصبح عددها 22 دولة إلى جانب الدول الست المؤسسة. ويضم الاتحاد الأوروبي حالياً، عقب خروج بريطانيا، 27 دولة، تمثل اقتصادياً 14 في المئة من التجارة العالمية، كما يبلغ عدد سكان التكتل الأوروبي نحو 447 مليون نسمة.
وتربط جنوب شرقي آسيا بالاتحاد الأوروبي علاقات تجارية قوية إذ تعد دول آسيان، الشريك التجاري الثالث من حيث الحجم لأوروبا بعد الولايات المتحدة والصين إذ وصل حجم التبادل التجاري بين الجانبين في عام 2020 إلى 201 مليار دولار، بينما يعد الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الثالث لتكتل "آسيان" وهو مسؤول عن 10.6 في المئة تقريباً من مجموع التجارة لرابطة جنوب شرقي آسيا، كما تعتبر دول الاتحاد الأوروبي كمجموعة، أكبر المستثمرين في دول آسيان، حيث تصل استثماراتهم إلى ما يقرب من ثلث الاستثمارات الخارجية المباشرة في الإقليم.
الشراكة الاستراتيجية
رغم أن العلاقة بين آسيان والاتحاد الأوروبي ذات منحى اقتصادي، اتسم بالقوة بينهما، فإن العلاقات السياسية بين الكتلتين لها امتداد تجاوز الأربعة عقود. وترجع العلاقات غير الرسمية بين الطرفين إلى عام 1972. ومنذ عام 1977 بدأت العلاقات الرسمية بين الكتلتين الإقليميتين وكان الاتحاد الأوروبي شريكاً حوارياً لرابطة آسيان منذ بدء العلاقات الرسمية بينهما. وفي عام 1980 وقع الجانبان اتفاقية التعاون بين آسيان والمجموعة الاقتصادية الأوروبية. وفي الاجتماع الوزاري الـ23 لدول آسيان والاتحاد الأوروبي في عام 2020، بدأ الجانبان فصلاً جديداً من العلاقات من خلال تدشين الشراكة الاستراتيجية بينهما.
وفي عام 2012 أصبح الاتحاد الأوروبي أول منظمة إقليمية توقع معاهدة الصداقة والتعاون مع رابطة جنوب شرقي آسيا، التي عدت بمثابة ركن أساسي لتعزيز العلاقات السياسية والأمنية بين الجانبين. وخصص الاتحاد الأوروبي بعثة دبلوماسية لرابطة آسيان في عام 2015. وفي يونيو (حزيران) من عام 2021 أبرم الاتحاد الأوروبي وآسيان اتفاقية النقل الجوي الشاملة التي تعد أول اتفاقية بين كتلتين في ذلك المجال وتعمل على تقوية التواصل والتنمية الاقتصادية بين الدول الـ37 أعضاء الكتلتين.
ويبرز التسلسل التاريخي للعلاقات بين البلدين أن الفترة الأخيرة شهدت قفزة في تطور العلاقات بين آسيان والاتحاد الأوروبي، حيث بدأت دول الاتحاد تتنبه إلى الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية لمنطقة جنوب شرقي آسيا، حيث يمر ما يقرب من 40 في المئة من التجارة الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي عبر بحر الصين الجنوبي، ما يجعل استقرار وأمن المنطقة بين الأولويات الأوروبية.
وفي الكلمة الافتتاحية للقمة، أثنى رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال على دور الرابطتين إقليمياً ودولياً، مؤكداً أن "تقوية العلاقات التجارية والاقتصادية بين آسيان والاتحاد الأوروبي أحد أهداف القمة وذلك سعياً لتعميق التعاون بين الجانبين".
من جهته، أكد رئيس الوزراء الكمبودي هون سين، التي ترأس بلاده رابطه آسيان هذا العام أهمية القمة في تحقيق الرخاء والشراكة بين الجانبين والعمل على تحقيق السلام العالمي القائم على احترام قواعد القانون الدولي. وتحدث رئيس إندونيسيا، جوكو ويدودو، عن العلاقات المثمرة بين الاتحاد الأوروبي وآسيان وضرورة معالجة الاختلافات بين الجانبين لتحقيق أفضل تعاون بينهما، مشيراً إلى أن التكتلين يجب أن يتشاركا المستقبل من خلال العمل على تحقيق الرخاء معاً وبطريقة متساوية.
التجارة والاستثمار
وتعتبر قمة آسيان والاتحاد الأوروبي فرصة مهمة لإعادة تشكيل الدور الأوروبي في منطقة جنوب شرقي آسيا التي تشهد زخماً غير مسبوق، بخاصة مع التخوف الغربي من امتداد نفوذ الصين في المنطقة، كما أن الاتحاد الأوروبي يسعى بشكل حثيث لإبقاء العلاقات التجارية خصوصاً مع حاجة دول الاتحاد الأوروبي للمواد الخام وبخاصة الليثيوم المتوفر بشكل كبير في الأرخبيل، إلى جانب محاولة احتواء النفوذ الصيني والروسي في دول جنوب شرقي آسيا.
ويسعى الاتحاد الأوروبي إلى كسب ود الرابطة من خلال باقات استثمارية لدول آسيان لتطوير الطاقة المتجددة ومجالات النقل والقطاع الرقمي والبنية التحتية. وفتح باب مشاريع مرتبطة بالتنمية الاقتصادية باستثمارات قاربت الـ320 مليار دولار، بيد أن الخطة الاستراتيجية المرتقبة ينظر إليها بعين التوجس من قبل الصين باعتبارها محاولة لتقويض المد الصيني الاستثماري في المنطقة المتمثل في مبادرة الحزام والطريق، كما أظهرت استراتيجية المحيطين الهادئ والهندي الصادرة عن الاتحاد الأوروبي في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، إلى دعم واحترام بروكسل لمركزية آسيان ودورها المحوري في المنطقة في إشارة إلى تحجيم الدور الصيني المحوري في المنطقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتناولت القمة موضوعات الأمن البحري في المنطقة إلى جانب القرصنة والتهريب والهجرة غير القانونية وإدارة الكوارث وتأثيرات التلوث والتغير المناخي، كما مثلت القمة فرصة سانحة لتطوير العلاقات الأمنية المستقبلية والتعاون الدفاعي بين الكتلتين، مع تأكيد استمرارية خطة عمل الاتحاد الأوروبي وآسيان 2023-2027 التي شملت التعاون في مجالات التعافي من الجائحة والتجارة المستدامة والتعاون الأمني.
كما ينظر إلى خطوات التقارب الأوروبي المتسارعة في المجال الاستثماري من رابطة آسيان على أنها متمخضة عما أسفرت عنه أزمة الجائحة والحرب الروسية- الأوكرانية، إذ بات ضرورياً أن ينوع الغرب سلاسل إمداده ليتاح بالتالي لدول رابطة جنوب شرقي آسيا أن تلعب دوراً مهماً في ذلك التنويع.
ويستبعد محللون إمكانية التوصل إلى اتفاقية للتجارة الحرة بين الكتلتين حالياً، على الرغم من انخراطهما في مفاوضات لاتفاقية للتجارة الحرة منذ عام 2007. وفي الوقت تغيب فيه تلك الاتفاقية بين الجانبين، فإن الاتحاد الأوروبي يرتبط باتفاقيات للتجارة الحرة مع سنغافورة وفيتنام، كما يجري التكتل الأوروبي مفاوضات مع عدد آخر من بلدان آسيان مثل إندونيسيا وتايلاند وماليزيا والفيليبين بهذا الصدد.
من ميانمار إلى تايوان
كذلك شكلت قضية ميانمار والانقلاب العسكري أحد الملفات المطروحة في القمة، بخاصة أن الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على المجلس العسكري الحاكم هناك، كما استبعد الاتحاد الأوروبي المجلس العسكري الحاكم في ميانمار من المشاركة في القمة، وأعرب سفير الاتحاد الأوروبي لدى "آسيان" أن النقاط لخمس التي أطلقتها الرابطة هي الإطار المناسب لعودة ميانمار إلى المسار الديمقراطي، متهماً العسكريين في ميانمار بعدم الالتزام بتلك النقاط الخمس.
وتطرقت القمة إلى أزمة تايوان والتوترات التي شابت العلاقات بين الجزيرة والحكومة الصينية، وانصب تركيز المشاركين على التوترات في منطقة بحر الصين الجنوبي، مع التشديد على ضرورة استمرار ودعم السلام والاستقرار والأمن وحرية الملاحة في الممر البحري بما يتفق مع القوانين الدولية.
عام آسيان
خلال العام الحالي، كانت آسيان على موعد مع عدد من القمم المهمة على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وفي مايو (أيار) الماضي، عقدت قمة آسيان والولايات المتحدة الاستثنائية والأولى من نوعها بالعاصمة الأميركية واشنطن، حيث استضاف الرئيس جو بايدن، زعماء دول جنوب شرقي آسيا وأطلق عقب القمة مبادرة الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهادئ والهندي.
كما التقى رئيس رابطة آسيان داتو ليم جوك هوي بالأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف فلاح مبارك الحجرف في سبتمبر (أيلول) الماضي، على هامش اجتماع الأمانة العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث استعرضا العلاقات الثنائية بين الجانبين وطرق تطويرها ودعمها في مختلف المجالات وتحسين التعاون بين آسيان ومجلس التعاون الخليجي.
وشهد نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي انعقاد قمة آسيان والصين الـ25، إلى جانب قمة آسيان واليابان وقمة رابطة جنوب شرقي آسيا وكوريا الجنوبية، والقمة الثانية لآسيان وأستراليا.