في ظل تواصل الاحتجاجات في أنحاء إيران خرج مئات المتظاهرين إلى شوارع مدينة زاهدان جنوب شرقي إيران، الجمعة 21 أكتوبر (تشرين الأول)، بعد ثلاثة أسابيع على مقتل العشرات في احتجاجات "الجمعة الدامية"، فيما دعت نقابة المعلمين الإيرانيين إلى إضراب ليومين ابتداءً من الأحد للتنديد بالقمع العنيف في المدارس.
وشهدت مدينة زاهدان في محافظة سيستان-بلوشستان أعمال عنف استمرت أياماً عدة، بدأت بتظاهرات نظمت في 30 سبتمبر (أيلول) على أثر تقارير أفادت بتعرض فتاة للاغتصاب على يد شرطي. وأسفرت أعمال العنف عن مقتل 93 شخصاً في الأقل، وفقاً لمنظمة حقوق الإنسان في إيران.
بأي جريمة قتلوا؟
وقال مولوي عبدالحميد رجل الدين السني البارز في زاهدان إن كبار المسؤولين الإيرانيين يتحملون المسؤولية عن القتلى الذين سقطوا يوم 30 سبتمبر.
وأضاف في خطبة الجمعة التي ألقاها في زاهدان ونشرت على موقعه على الإنترنت "بأي جريمة قتلوا؟ المسؤولون... والزعيم الأعلى للجمهورية الإسلامية (خامنئي) الذي يقود جميع القوات المسلحة جميعهم مسؤولون أمام الله".
من جهتها، وصفت وسائل الإعلام المقربة من الحكومة الإيرانية مواجهات زاهدان بأنها "حادثة إرهابية" موجهة ضد مركز للشرطة، مشيرة إلى أنها أدت إلى مقتل خمسة من عناصر الحرس الثوري.
شعارات مناهضة
وأظهر مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي الجمعة، متظاهرين تجمعوا خارج مركز للشرطة وهم يهتفون "الموت للديكتاتور"، في إشارة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، و"الموت للباسيج"، في إشارة إلى فصائل "الباسيج" التي استخدمتها السلطة على نطاق واسع لقمع المحتجين. ولم يتسن لـ"رويترز" التحقق من صحة مقاطع الفيديو.
وفي مقطع فيديو آخر نشرته إذاعة "فاردا" وهي محطة تبث بالفارسية ممولة من الولايات المتحدة، ظهر محتجون متجمعون بعد صلاة الجمعة وهم يهتفون "الموت لخامنئي" و"وحدة، وحدة".
وتعد هذه الشعارات المناهضة للنظام في إيران من بين الأكثر تكراراً خلال التظاهرات التي أشعلتها وفاة مهسا أميني قبل أكثر من شهر. وتوفيت الشابة الكردية الإيرانية البالغة 22 سنة في 16 سبتمبر، بعد ثلاثة أيام من اعتقالها في طهران لانتهاكها قواعد اللباس الصارمة التي تفرضها إيران على النساء.
وقالت وسائل إعلام رسمية إن احتجاجات اندلعت في جنوب شرقي إيران وإن المحتجين هاجموا بنوكاً. ونقلت وكالة "إرنا" عن أحمد طاهري، قائد الشرطة الإقليمي، قوله الجمعة إن الشرطة اعتقلت 57 شخصاً في الأقل بعد أن ألقى متظاهرون "الحجارة وهاجموا البنوك" في مدينة زاهدان.
وتقع سيستان بلوشستان قرب الحدود مع أفغانستان وباكستان، وهي واحدة من أفقر المناطق في إيران، التي تسكنها أقلية البلوش السنية في جنوب شرقي البلاد.
ولطالما أشار نشطاء ومنظمات غير حكومية إلى أن هذه المنطقة تواجه تمييزاً من قبل السلطة الدينية في طهران، حيث يقتل عدد من البلوش في اشتباكات مع سلطات إنفاذ القانون كل عام، أو يدانون أو حتى يعدمون.
تظاهرات في تبريز وأصفهان
وفي مقاطع فيديو نشرتها مواقع التواصل الاجتماعي يعتقد أنها التقطت في مدينة تبريز الواقعة في شمال غربي البلاد، ظهر محتجون يهتفون مرددين كلمة "العار" في وجه شرطة مكافحة الشغب التي أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريقهم الجمعة.
وتبريز هي سادس أكبر مدن إيران من حيث عدد السكان وهي موطن كثيرين من الأقلية العرقية الأذرية.
ونشر موقع (1500 تصوير) مقطع فيديو قال إنه يعرض تظاهرة في مدينة أصفهان في وسط البلاد، ومقطعاً يفترض أنه يعرض المتظاهرين وهم يشعلون حرائق في شوارع مدينة مهاباد الواقعة في شمال غربي البلاد في وقت متأخر من مساء الخميس.
وقال ناشطون إن مقاطع فيديو المتظاهرين تأخرت بسبب القيود التي تفرضها السلطات على الإنترنت في إيران.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان (هرانا) في بيان إن 244 محتجاً لقوا حتفهم في الاضطرابات من بينهم 32 قاصراً. وأضافت أن 28 من أفراد قوات الأمن قتلوا وأن السلطات ألقت القبض على 12500 شخص حتى الخميس في الاحتجاجات التي اندلعت في 114 مدينة وبلدة ونحو 81 جامعة.
تدابير صارمة
في المقابل قال أحد كبار رجال الدين في إيران إنه ينبغي على القضاء الإيراني اتخاذ تدابير صارمة ضد المتظاهرين، وإن أي شخص يظن أن حكام الدولة سيسقطون حالم.
وأفادت وسائل إعلام إيرانية بأن رجل الدين المتشدد أحمد خاتمي قال في خطبة الجمعة في طهران "ينبغي للقضاء التعامل مع مثيري الشغب، الذين خانوا الأمة وسكبوا الماء في طاحونة مياه العدو، وذلك بشكل يردع الآخرين حتى عن الرغبة في إثارة الشغب مجدداً".
وأضاف "قالوا للفتية المخدوعين إنهم إن بقوا في الشوارع لأسبوع، فسيسقط النظام الحاكم. واصلوا أحلامكم. ينبغي للقضاء التعامل مع مثيري الشغب بشكل يردعهم عن التطلع إلى إثارته مجدداً".
وأنحت إيران باللائمة على "عناصر إجرامية" ذات صلة "بالأعداء الأجانب" في الاضطرابات.
وتحولت الاحتجاجات إلى أحد أخطر التحديات التي تواجه حكام إيران من رجال الدين منذ ثورة عام 1979. ونادى المتظاهرون بسقوط نظام الخميني، لكن الاحتجاجات لا تبدو قريبة من إطاحة النظام.
إضراب المعلمين
من جانبها، دعت نقابة المعلمين الإيرانيين إلى إضراب ليومين ابتداءً من الأحد للتنديد بالقمع العنيف في المدارس ومقتل أكثر من عشرين طفلاً خلال التظاهرات في إيران.
وأفادت حصيلة صادرة عن منظمة حقوق الإنسان في إيران (IHR) التي تتخذ من أوسلو مقراً بأن حملة القمع أدت إلى مقتل 122 شخصاً في الأقل.
وقتل 23 طفلاً في الأقل بأيدي القوات الأمنية الإيرانية، فيما جرح مئات آخرون، واعتقلوا أو تعرضوا للتعذيب، بحسب ما أعلنت الإثنين لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة.
ودعا المجلس التنسيقي لنقابات المعلمين الإيرانيين الخميس، إلى تحرك سيترجم عبر "يومين من الاعتصامات والإضرابات الأحد والإثنين".
وقالت النقابات في نص نشر على منصة "تيليغرام"، "نحن، المعلمين، سنكون حاضرين في المدارس، لكننا لن ندخل إلى الصفوف".
ويتهم المعلمون "القوات الأمنية و(عناصر) بلباس مدني" بارتكاب أعمال عنف في المدارس و"قتل عديد من الطلاب والأطفال". كما يؤكدون أن "عدداً كبيراً" من زملائهم "الموقوفين" لم توجه إليهم أية تهم.
وأضاف المجلس التنسيقي لنقابات المعلمين "يجب على القادة أن يعلموا أن المجتمع التعليمي الإيراني لن يتسامح مع هذه الفظائع وهذا الاستبداد"، مشيراً إلى "دعم حركة الاحتجاج في جميع أنحاء البلاد".
كذلك دعا المعلمون إلى "إطلاق سراح غير مشروط للطلاب المعتقلين وعودتهم إلى مقاعدهم المدرسية".
وأعلنت النقابة الخميس وفاة مراهقة إيرانية تبلغ 15 سنة. وكانت هذه الفتاة توفيت الأسبوع الماضي بعد تعرضها للضرب من قبل قوات الأمن خلال مداهمة مدرستها في مدينة أردبيل، الواقعة في شمال غربي إيران.
وقال المعلمون "لسوء الحظ، توفيت إحدى الطالبات، أسرا بناهي، في المستشفى، بينما تم القبض على آخرين"، مضيفين أن طالباً دخل في غيبوبة بعد تعرضه للضرب من قبل الشرطة.
"سبيس إكس" في إيران
ذكرت شبكة "سي أن أن" الإخبارية اليوم، الجمعة 21 أكتوبر نقلاً عن مسؤولين مطلعين أن البيت الأبيض يجري محادثات مع الملياردير إيلون ماسك، حول إقامة خدمة للإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية من (ستارلينك) التي تقدمها شركة "سبيس إكس" في إيران.
ومن شأن تلك الخدمة مساعدة الإيرانيين للتغلب على القيود التي يفرضها النظام في طهران على استخدام الإنترنت ومنصات مواقع معينة للتواصل الاجتماعي.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية الشهر الماضي إنه من الممكن تصدير بعض معدات الإنترنت المقدمة عبر الأقمار الاصطناعية إلى إيران، مشيرة إلى أن الشركة ربما لا تحتاج إلى ترخيص لتقديم خدمة واسعة الترددات عبر الأقمار الاصطناعية في البلاد.
وقال ماسك بعد ذلك إنه سينشط "ستارلينك" رداً على قول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على "تويتر" إن الولايات المتحدة اتخذت إجراء "لتعزيز حرية الإنترنت والتدفق الحر للمعلومات" للإيرانيين. ولم ترد شركة "سبيس إكس" ولا البيت الأبيض بعد على طلب من "رويترز" للتعليق.