"أعيش منذ فترة حياة المجرم، وأتهرب من الأمن، وأتعمد عدم الوجود في أماكن عامة، حتى قيادة السيارة حرمت منها"، هذا ما قاله التونسي منذر (44 سنة)، وهو مطلق، ويفرض عليه القانون الإنفاق على ابنته التي تعيش مع أمها بدفع 100 دولار شهرياً، لكنه منذ ما يقارب ستة أشهر لم يعد قادراً على تسديد المبلغ بعد أن اضطر إلى ترك عمله، إذ يعيش الآن في حالة بطالة باحثاً عن عمل آخر.
الأمر نفسه بالنسبة لمحمد (38 سنة)، مطلق منذ ثلاث سنوات، وله ولد ينفق عليه، وطفلة من زوجته الجديدة. يقول "أنفق على عائلتين بمرتب شهري لا يتجاوز 300 دولار، مما يضطرني أحياناً إلى التهرب من تسديد نفقة ابني". وأضاف "تم إيقافي وإيداعي السجن قبل فترة إثر شكوى تقدمت بها طليقتي، وبفضل عائلتي التي سددت المبلغ المطلوب تم الإفراج عني، لكن باب السجن دائماً مفتوح أمامي كلما تأخرت عن التسديد".
التنصل من المسؤولية
منذر ومحمد مثالان من بين آلاف الأمثلة من رجال يعيشون وباب السجن مفتوح أمامهم في أي وقت. وبحسب مصادر رسمية فإن المتهربين من تسديد النفقة الزوجية أو لصالح الأبناء يحتلون صدارة قائمة الملاحقين قانونياً في تونس ويبلغ عددهم أكثر من نصف مليون شخص.
الأحوال الاقتصادية السيئة وتدهور القدرة الشرائية للتونسيين قد يجبران بعض الآباء على التهرب من الإنفاق على صغارهم، لكن في أحيان أخرى تكون هناك أسباب مختلفة. تقول منال، وهي أم لطفلين ومطلقة منذ سنتين، إن زوجها على رغم حالته المادية الميسورة، فإنه يتهرب من تسديد نفقة أبنائه، ولم يعد بمقدوري سوى تقديم شكايات متواصلة ضده، لكنه لا يضبط بسبب المحاباة وقدرته على تقديم رشى".
وتضطر منال إلى العمل ليلاً ونهاراً من أجل توفير حاجات طفليها. تقول "ألعب دور الأم والأب في غياب طليقي الذي تنصل من المسؤولية، وهذا الأمر أثر في علاقته بطفليه".
النفقة في القانون التونسي
بموجب القانون التونسي، يصدر حكم النفقة إما من قبل المحكمة الابتدائية صلب حكم الطلاق، باعتبار نفقة المطلقة طيلة فترة العدة ونفقة الأبناء ما دام الموجب القانوني قائماً أثراً من آثاره، وإما من قبل محكمة الناحية صلب قضية مستقلة، سابقة أو لاحقة لقضية طلاق.
وفي كلتا الحالتين يتم إعلام المحكوم ضده بواسطة عدل منفذ بالحكم الصادر ضده بأداء النفقة لمن يستحقها، ويحرر محضر في ذلك الإعلام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونظراً إلى صبغته المعاشية ينفذ الحكم القاضي بالنفقة بقطع النظر عن استئنافه، ويتم تنفيذه إما بخضوع المحكوم عليه طوعياً لدى إعلامه بالحكم، وإما بالحجز على مرتب المدين بالنفقة، وإما برفع شكاية إلى وكيل الجمهورية عند امتناع المدين بالنفقة عن الدفع لمدة تفوق شهراً واحداً من تاريخ إعلامه بالحكم الصادر ضده، وطلب تتبعه عدليا على أساس الفصل 53 مكرر من مجلة الأحوال الشخصية. وهذه التتبعات تمثل وسيلة ضغط كافية على المدين بالنفقة من شأنها إجباره على دفع مبلغها تفادياً للعقوبة الجزائية.
أما إذا كان المدين بالنفقة مقيما بالخارج، بحسب القانون التونسي، فإنه يقع التنفيذ عليه بتطبيق بنود الاتفاقات الثنائية للتعاون القضائي.
مجتمع أنثوي
على عكس السائد، يقول الناشط الحقوقي محمد أمين الخليفي لـ"اندبندنت عربية" إن الرجل في تونس مضطهد، وإن المجتمع التونسي بخلاف ما تروج له الجمعيات النسوية هو مجتمع أنثوي وليس ذكورياً، وبخصوص نفقة المطلق لأبنائه يشير الخليفي إلى أن "القانون التونسي وبالتحديد الدستور، وهو الأعلى مكانة، أقر بالمساواة بين الرجل والمرأة، وفي فصله 23 أقر أيضاً بالمساواة في الواجبات والحقوق بين الزوجين بما فيها النفقة على الأبناء".
أما بخصوص القانون الذي يجبر الرجل على النفقة فيرى الخليفي أنه "مثله مثل عديد من القوانين التي لا تتماشى وروح الدستور"، قائلاً إن "مدنية الدولة تنسف بمثل هذه القوانين الرجعية، وما دمنا نعيش في دولة تحترم، بل تجبر على المساواة بين الجنسين، إذاً يجب أن تكون نفقة الأبناء مقسمة بالتساوي بين الرجل والمرأة، وألا تكون سيفاً مسلطاً على رقاب الرجال دون النساء".