هناك لحظة رائعة في مقابلة مايك والاس مع المرشد الأعلى الإيراني آية الله الخميني.
سجلت الحلقة بعد أسابيع فحسب من الثورة الإيرانية عام 1979، حينما أطاح الطلاب والمتدينون المحافظون الشاه، واقتحموا السفارة الأميركية، واحتجزوا 50 رهينة من الأميركيين. آنذاك، قيل مسبقاً للصحافي في شبكة "سي بي أس" ما الأسئلة التي يمكنه طرحها، وما المواضيع التي عليه تجنبها.
بدأت الأمور في المقابلة بسلاسة، ثم جرب والاس حظه وقال "أيها الإمام، إن الرئيس السادات في مصر، وهو رجل متدين ومسلم، يعتبر ما تفعله الآن هو (وصمة عار على الإسلام)".
وأضاف وهو يضع يده على صدره، وكأنه يؤكد مدى صعوبة متابعة تعليقه: "ويناديك، أيها الإمام بالمجنون، سامحني، إنها كلماته وليست كلماتي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بدا المترجم الإيراني حينذاك مذهولاً. هل يتوقع والاس منه حقاً أن يطرح هذا السؤال على المرشد الأعلى؟
وبعد الترجمة، أجاب الخميني في نهاية المطاف، وهو غاضب بشكل واضح: "يقول السادات إنه مسلم وإننا لسنا كذلك، لكنه ليس مسلماً، لأنه ساوم أعداء الإسلام".
حدث كل ذلك قبل 40 عاماً، وكان والاس محظوظاً لأنه رجل، فلم يطلب منه آنذاك ارتداء غطاء للرأس من أجل مقابلة مع الخميني. وعلى رغم ذلك، فهو تذكير بأن الصحافيين الأميركيين غالباً ما يواجهون وقتاً عصيباً عندما يتعلق الأمر بإجراء مقابلات مع القادة الإيرانيين.
وأحدث مثال على ذلك كان هذا الأسبوع في نيويورك عندما كشفت مراسلة "سي أن أن" كريستيان أمانبور أنها ضيعت مقابلة مع الرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي، تلميذ الخميني، لأنها رفضت أن ترتدي غطاءً للرأس.
وفي ذلك السياق، كتبت أمانبور تغريدة أرفقتها بصورة لها وهي جالسة بجوار مقعد فارغ: "بعد أسابيع من التخطيط وثماني ساعات من تركيب معدات الترجمة والأضواء والكاميرات، أصبحنا جاهزين، لكن لم يكن هناك أي أثر للرئيس رئيسي". في الواقع، كان من المقرر إجراء المقابلة أثناء وجود رئيسي في نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقالت أمانبور إن أحد المساعدين تواصل معها بعد 40 دقيقة من الموعد المقرر لبدء اللقاء وطلب منها ارتداء غطاء للرأس.
وكتبت في ذلك الإطار: "لقد رفضت بأدب. فنحن في نيويورك، حيث لا يوجد قانون أو تقليد بخصوص أغطية الرأس. وأشرت إلى أنني لم أتلقَّ أي طلب مثل هذا من أي رئيس إيراني سابق عندما أجريت مقابلات معهم خارج إيران. فأوضح المساعد أن المقابلة لن تحدث إذا لم أرتدِ غطاء للرأس".
وإليكم لمحة عامة هنا حول السياق السائد: هزت الاحتجاجات المدن في جميع أنحاء إيران في الأيام الأخيرة بسبب وفاة مهسا أميني، وهي امرأة كردية تبلغ من العمر 22 سنة من مدينة سقز، بعد أن اعتقلتها شرطة الأخلاق. كانت أميني تزور طهران في 13 سبتمبر (أيلول) عندما ألقى ضباط الشرطة القبض عليها، بتهمة انتهاك القانون الإلزامي الذي يقتضي تغطية النساء شعرهن بالحجاب، وهو قانون يعود تاريخه إلى عام 1979، طبق بشكل مختلف على مر السنين. وتوفيت أميني بعد ذلك وهي في عهدة الشرطة. وأسفرت الاحتجاجات عن مقتل ما يصل إلى 31 مدنياً.
وجاءت مقابلة أمانبور التي لم تحصل، بعد أيام فحسب من إجراء رئيسي مقابلته الأولى مع مراسلة غربية، يصدف أنها مذيعة شبكة "سي بي أس" ليزلي ستال، وقد جرت تلك المقابلة في طهران. وفي تقريرها لبرنامج "60 دقيقة" (60 Minutes)، أشارت ستال التي تعتبر أيضاً محاورة مخضرمة، إلى أنه "قيل لها ماذا ترتدي، وألا تجلس قبله، وألا تقاطعه". وأضافت "حظينا بساعة واحدة للمقابلة".
وتابعت: "عندما أنهينا ما بدا أنه حديث ودي، فوجئنا عندما اقترب أحد أعضاء فريق رئيسي ومنع أحد المصورين لدينا من تصوير وداعنا".
هنا أيضاً يستدعي الأمر توضيح سياق آخر. لطالما كانت العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران عدائية. دعمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة انقلاباً حدث عام 1953. وبعد الثورة، فرضت واشنطن عقوبات على طهران، جزئياً في محاولة لمنعها من تطوير سلاح نووي.
واستطراداً، قامت الولايات المتحدة بتسليح العراق أثناء الحرب الدموية بين إيران والعراق وأسقطت طائرة ركاب إيرانية عام 1988. كذلك، اتهمت الولايات المتحدة إيران مراراً وتكراراً بدعم الجماعات الإرهابية مثل "حزب الله".
وخلال ولاية باراك أوباما كرئيس للولايات المتحدة، استأنف الجانبان المحادثات، وأسفر ذلك عن الاتفاق النووي الفائق الأهمية عام 2015 الذي تم بموجبه رفع بعض العقوبات مقابل قيود على البرنامج النووي للبلاد. في عام 2018، أعلن دونالد ترمب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق وأعاد فرض العقوبات، وفي عام 2020، أعطى الضوء الأخضر لاغتيال قاسم سليماني، وهو قائد عسكري إيراني قوي.
تلقت ستال بعض الانتقادات نتيجة ارتدائها غطاء الرأس، لكنها طرحت بعض الأسئلة المهمة: "هل يمكننا البدء بالمفاوضات على الاتفاق النووي؟ هل ترغب في تجديد هذا الاتفاق؟ كما تعلم هناك بعض المسؤولين الأميركيين الذين بدأوا يفكرون في أنك لا تريد ذلك".
ورد رئيسي: "إذا كان اتفاقاً جيداً وعادلاً، فسنكون جادين في التوصل إليه". وتابع قائلاً إن الاتفاق "يجب أن يكون طويل الأمد، ومحمياً بضمانات، إذ إن وجود ضمانة سيمنع انسحاب الأميركيين منه". وأضاف لاحقاً: "كما تعلمين، نكث الأميركيون بوعودهم. وقد فعلوا ذلك من جانب واحد. قالوا "أنا خارج الاتفاق". لذلك، أصبح تقديم الوعود الآن بلا معنى".
هذه كلها قضايا كانت أمانبور تعتزم متابعتها. وغردت على "تويتر": "الاحتجاجات تجتاح إيران والنساء يحرقن حجابهن عقب وفاة مهسا أميني الأسبوع الماضي بعد أن اعتقلتها "شرطة الأخلاق". وتفيد جماعات حقوق الإنسان بأن ثمانية على الاقل قتلوا. وفي الواقع، كنت قد خططت أن أسأل الرئيس رئيسي عن كل تلك الأمور وأكثر من ذلك بكثير".
لا شك في أن أمانبور شعرت بخيبة أمل لأنها ضيعت فرصة إجراء المقابلة، ولكن لا شك أيضاً أنه في بعض الأحيان، مشهد الكرسي الفارغ، بقرار من الشخص الذي كان من المفترض أن يشغله، أبلغ من المقابلة نفسها.
© The Independent