Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موسم المدارس يعود في فلسطين بـ"هموم قديمة متجددة"

الغلاء يجبر طلاباً على التحول إلى التعليم الحكومي وآخرون يلوذون بالخاص بسبب الكثافة وإضرابات المعلمين

يشتكي كثير من أولياء أمور الطلاب من ارتفاع رسوم المدارس الخاصة سنوياً من دون حسيب أو رقيب (اندبندنت عربية)

بين تدني الرواتب وارتفاع الأسعار أهل موسم العودة إلى المدارس على الفلسطينيين واعداً بأعباء لا مفر منها تزيد من الهموم الاقتصادية التي اعتادوها خلال الأعوام الأخيرة.

ففي ظروف معيشية منهكة اضطر فادي عبيد (38 سنة) من مدينة رام لله بوسط الضفة الغربية إلى سحب أبنائه الثلاثة من المدارس الخاصة التي تعلموا فيها لسنوات إلى مدارس حكومية مجانية، فقدرته المادية نتيجة عجز الحكومة عن صرف كامل رواتب موظفيها العموميين منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لا تقوى على تحمل أية مبالغ إضافية فوق نفقات إيجار المنزل والمأكل والمشرب.

فجوة كبيرة

عبيد الذي يتقاضى راتباً يتراوح بين 1000 و1500 دولار شهرياً أكد لـ"اندبندنت عربية" أن تجهيز أطفاله وتأمين مستلزماتهم يتطلب موازنة مكلفة وشاقة على الأسرة، فالكلف التي يحتاج إليها أرباب الأسر للطالب الواحد في المدرسة الخاصة تبدأ من 1000 دولار مع بداية العام تشمل اللباس المدرسي (100 دولار للواحد)، ومبلغاً مماثلاً لشراء لوازم مدرسية كالحقيبة والقرطاسية وتتراوح أثمان الكتب بين 60 و150 دولاراً لكل طالب، فضلاً عن أجور النقل والمواصلات من البيت إلى المدرسة والعكس.

يشتكي كثير من أولياء أمور الطلاب من ارتفاع رسوم المدارس الخاصة سنوياً من دون حسيب أو رقيب وتمادي بعض المدارس في رفع الأقساط المدرسية وأجور المواصلات بشكل مبالغ فيه، الأمر الذي أحال العملية التعليمية إلى تجارة مربحة تعتمد على قواعد العرض والطلب، مما اضطر كثيراً منهم إلى نقل أبنائهم إلى المدارس الحكومية المجانية التي تتقاضى رسوماً رمزية لا تتجاوز 15 دولاراً في السنة الدراسية.

أمينة سر النقابة العامة للمدارس الخاصة في فلسطين فاطمة الشافعي تقول "بحسب طبيعة المدرسة وما تقدمه من خدمات ومرافق وأبنية ومعلمين وأنشطة وترفيه ومناهج يتم تحديد الأقساط المدرسية، فهناك مدارس يصل قسط الطالب فيها سنوياً إلى أكثر من 5 آلاف دولار، كما أن قانون التربية والتعليم الفلسطيني خول صاحب المدرسة الخاصة تحديد أقساط الطلبة الجدد وفرض زيادة سنوية على الطالب القديم تتراوح بين واحد و2.5 في المئة.

غالبية حكومية

وفق إحصاءات وزارة التربية والتعليم الفلسطينية لهذا العام بلغ عدد الطلاب في جميع محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة نحو مليون و385 ألف طالب وطالبة، من بينهم أكثر من 911 ألفاً توجهوا إلى المدارس الحكومية البالغ عددها 2333 مدرسة وأكثر من 339 ألفاً إلى مدارس "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين" (أونروا) موزعين على 375 مدرسة ونحو 135 ألف طالب في المدارس الخاصة التي يبلغ عددها 484.

وتبلغ نسبة الملتحقين بالمدارس الحكومية في الضفة والقطاع نحو 73 في المئة في حين تتوزع البقية على المدارس الخاصة ومدارس الوكالة ويصل عدد المعلمين الإجمالي إلى 74 ألفاً، من بينهم 52 ألفاً في المدارس الحكومية و11 ألفاً في مدارس "أونروا" وأكثر من 10 آلاف معلم ومعلمة في المدارس الخاصة.

مدير عام التعليم المدرسي طارق حمادنة يقول إن "التعليم الحكومي لا يقل كفاءة عن الخاص، إذ تتوافر في المدارس الحكومية تجهيزات كافية تؤدي إلى مخرجات تعليمية لا تقل عن نظيرتها، ومن توجه إلى المدارس الخاصة بحسب ظروفه المادية يبحث عن دراسة أنظمة تعليمية غير فلسطينية".

ضمن جهودها لوضع المنظومة التربوية الفلسطينية في السياقات العالمية، قررت وزارة التربية والتعليم نهاية العام الماضي المشاركة مع أكثر من 86 دولة ونظاماً تربوياً في دراسة "PISA 2022"، و"TIMSS 2023" (دراسة عالمية تركز على السياسات والنظم التعليمية والمناهج المطبقة وطرق تدريسها مع أكثر من 60 نظاماً تربوياً)، وأوضحت الوزارة في بيان أنها "تعمل مع شركائها لتحقيق التزام فلسطين بأهداف التنمية المستدامة، وصولاً إلى تعليم نوعي منصف لا يستثني أحداً".

كلف الجودة

يبلغ متوسط القسط السنوي لطالب الهندسة في الجامعات الفلسطينية بالضفة الغربية 990 ديناراً أردنياً (2800 دولار لكل 36 ساعة دراسة)، فيما قد يصل سعر القسط السنوي لطالب في المرحلة الابتدائية في بعض المدارس الخاصة إلى 5 آلاف دولار، بينما توفر الحكومة الفلسطينية التعليم بشكل مجاني للطلاب من الصف الأول وحتى الثانوية العامة.

على الرغم من ارتفاع رسوم المدارس الخاصة المترافقة مع تردي الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين، هناك إقبال واضح على هذه المدارس لاهتمام كثير من الأهالي بالتعليم الأضمن والأجود لأطفالهم، بخاصة مع ما تشهده المدارس الحكومية من إضرابات للمعلمين وأزمات نقابية على خلفيات مالية واكتظاظ في الصفوف وشح في التمويل والتطوير للوحدات الصفية والمرافق والساحات.

يعزو بعض الأهالي توجههم لتعليم أبنائهم في المدارس الخاصة إلى أسس وأساليب ومناهج ومخرجات التعليم الخاص، تحديداً تلك التي تدرس المناهج الأميركية والبريطانية وهو ما يتيح فرصاً أفضل لأبنائهم عند التوجه لسوق العمل من وجهة نظرهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما يرى آخرون أن المدارس الخاصة أكثر أماناً على المستوى الاجتماعي، إذ يعزز بعضها مبادئ الديمقراطية والقيادة واتخاذ القرار التي تتجسد في مجالس طلبة تدافع عن حقوقهم في المدرسة وامتيازاتهم وواجباتهم، وهو ما تفتقده المدارس الحكومية.

تشير الدراسات والأبحاث النوعية والكمية الدولية منها والمحلية وحتى دراسات وزارة التربية والتعليم نفسها إلى نتائج مقلقة للغاية في ما يتعلق بوضع التعليم في فلسطين، فمنذ عام 2008 لم يتعد متوسط تحصيل الطلبة في الصف العاشر في الامتحانات الوزارية الخاصة بمادة الرياضيات 30 في المئة، بينما سجل أداء طلاب فلسطين في امتحانات "TIMSS" العالمية أدنى المراتب بين الدول.

وأظهرت نتائج التقويم الوطني في الرياضيات والعلوم للصفين الخامس والتاسع لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية عام 2018 افتقار نصف الطلاب إلى الحد الأدنى من المعرفة في العلوم والرياضيات.

توقعات متشائمة

يرى مدير "مركز التعليم المستمر" في جامعة بيرزيت مروان ترزي أن نمط التعليم الأساسي الحالي في فلسطين سيواجه معضلة كبيرة في اللحاق بركب التطور الحاصل على صعيد العالم ويضيف "تتطلب الاستجابة لهذه التوقعات المتشائمة شبه الحتمية تحولاً فورياً وشاملاً في نظام التعليم الحالي يضمن توفير جودة تعليمية عالية تمكن الشباب وعائلاتهم والمجتمع بمجمله من إيجاد طرق آمنة في غد محفوف بالأخطار، وعلى الرغم من مواصلة نظام التعليم الفلسطيني تقديم أداء متواضع جداً في كل مراحله، ابتداء من الطفولة مروراً بالمستوى الابتدائي ثم عبر مراحله العليا، فإن الغريب في الأمر هو الرضا الذي تبديه القيادات التربوية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الطلاب والأهالي أنفسهم، عن هذا الواقع من خلال تعاملهم مع الفشل على أنه أمر طبيعي".

ويضيف ترزي "هذا الواقع يستمر من دون أن يستدعي تدخلاً فعلياً ولا اهتماماً حقيقياً من الحكومات الفلسطينية المتتالية، لا سيما وزارة التربية والتعليم، وتنطبق هذه الحال على جميع المراحل التعليمية بما فيها الجامعات التي تستقبل أفواجاً ضعيفة التحصيل وتخرج أخرى لا تصلح لسوق العمل الفلسطينية التي لا توفر وظائف سوى لـ20 في المئة من الخريجين سنوياً، مما يزيد من حجم البطالة ويراكم السوء في الوضعين الاقتصادي والاجتماعي ويعود بالضرر على جميع فئات المجتمع ومؤسساته".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير