عائلة القصبجي ما زالت تحمل سر الخيوط المذهبة

في واحدة من بنايات منطقة خان الخليلي العتيقة بقلب القاهرة التاريخية تقع ورشة القصبجي المتخصصة في فن التطريز بخيوط الذهب، أو ما يعرف بـ"السيرما". وعلى مدار ما يزيد على مئة عام توارثت العائلة هذه الحرفة جيلاً بعد جيل لتحمل جزءاً من التراث المصري الأصيل كإرث عائلي ممتد.

واشتهرت ورشة القصبجي مع مطلع القرن الماضي بأنها كانت متخصصة بتطريز كسوة الكعبة، التي قامت بتطريزها لعدة سنوات، حيث كان يتم إعدادها في مصر سنوياً، ومن ثم نقلها إلى السعودية في احتفالية كبرى تحت اسم "المحمل".

ولا تزال ورشة القصبجي كائنة في مكانها تقدم إنتاجها من فن التطريز بالخيوط المذهبة من خلال لوحات وآيات قرآنية ونماذج مصغرة من كسوة الكعبة، التي كانت يتم إعدادها قبل سنوات طويلة.

وعن تاريخ العائلة في هذه الحرفة، قال أحمد شوقي القصبجي لـ"اندبندنت عربية"، "نحن العائلة الأقدم في صناعة كسوة الكعبة في مصر، وتوارثنا المهمة لأجيال على مدار السنوات، وقديماً في وقت جدي كان هناك عشرة أشخاص من أكفأ العاملين في هذه الصنعة مسؤولون عن تطريز كسوة الكعبة، وكان لهم طقوس يومية يقومون بها قبل عملهم، من بينها أنهم يعطرون أياديهم بماء الورد قبل البدء في التطريز الذي يستغرق أشهراً طويلة حتى تكتمل كسوة الكعبة، ويتم تجهيزها لإرسالها إلى السعودية".

وأضاف القصبجي، "بعد مرحلة كسوة الكعبة في العشرينيات من القرن الماضي استمرت الورشة ولسنوات طويلة في المهنة نفسها، لكن نقوم بتطريز الآيات القرآنية واللوحات بالسيرما، وننفذ لوحات مستوحاة من باب الكعبة بأحجام مختلفة، وعلى مدار أجيال وحتى الآن تحافظ عائلتي على هذه الحرفة حيث نعتبرها جزءاً من تاريخنا وتراثنا".

العائلة الأقدم في صناعة كسوة الكعبة في مصر (اندبندنت عربية)

مراحل العمل

جميع الأعمال اليدوية تتطلب مهارة وصبراً ومراحل طويلة حتى تخرج القطعة الفنية متفردة لا مثيل لها. وأشار القصبجي إلى أن "القطعة الواحدة تستغرق أشهراً من العامل حتى تنتهي، وهذه الحرفة تحتاج إلى مهارة شديدة في التنفيذ الذي تتم جميع مراحله بشكل يدوي، معتمداً على الإبرة والخيط واختيار التصميم المناسب الذي قد يكون من اختيارنا أو من اختيار طالب القطعة".

وأوضح أن "أول مرحلة لتنفيذ القطعة هو اختيار التصميم، الذي سيتم تطريزه، ويتعاون معنا مجموعة من أمهر الخطاطين حالياً يقومون بوضع التصميمات التي نقوم بتنفيذها على القماش، ولدينا تاريخ من التراث يتمثل في أعمال لخطاطين يزيد عمرها على مئة عام قام بتنفيذها مجموعة من أشهر الخطاطين أوائل القرن العشرين خصيصاً لعائلتي لتقوم بتنفيذها على القماش، وهي مجموعة نادرة تعد من التراث في الوقت الحالي".

إلى جانب كسوة الكعبة عملت عائلة القصبجي على تطريز شارات الجيش والشارات العسكرية والملكية (اندبندنت عربية)

شارات عسكرية

إلى جانب كسوة الكعبة وتطريز اللوحات بـ"السيرما" عملت عائلة القصبجي على تطريز شارات الجيش والشارات العسكرية والملكية. وقال القصبجي، "تميزت ورشتنا أيضاً بتطريز الشارات العسكرية والملكية، فطرّز جدي الشارات الخاصة ببدلة الملك فؤاد، ومن بعده الملك فاروق، وبعد الثورة قام والدي بتطريز شارات عسكرية للرؤساء جمال عبد الناصر والسادات، ومن المفارقات أننا قمنا بتصليح شارة عسكرية لضابط روسي أثناء زيارته الرسمية لمصر ليصبح بعدها بسنوات هو فلاديمير بوتين رئيس روسيا الحالي".

وأضاف، "مر على ورشة القصبجي على مدار السنوات وزراء وسفراء، واقتنى أعمالنا الملوك والرؤساء داخل مصر وخارجها، وزبائننا في الوقت الحالي يتنوعون بين المصريين والعرب والأجانب، ونشارك في كثير من الملتقيات التي تُعنى بالحرف التراثية داخل مصر وخارجها، وتلقى أعمالنا الإعجاب دائماً لأنها تعكس جزءاً من التراث والثقافة المصرية والعربية".

صعوبات وتحديات

في عصر تحول كل شيء إلى الطابع المميكن تقف الحرف التراثية محاولة الصمود والحفاظ على قيمتها ومكانتها، ولكنها بالطبع تلاقي صعوبات، وعنها يقول القصبجي، "تواجه حرفتنا بعض الصعوبات حالياً يتمثل أبرزها في غلاء سعر الخيوط المذهبة التي يأتي معظمها من الخارج، فأصبحت غير متوفرة بسهولة مع الارتفاع الكبير في سعر الدولار، وخلال الفترة الماضية كان لانتشار جائحة كورونا تأثير كبير على حركة البيع والشراء، خصوصاً مع قلة السياحة الأجنبية، إضافة إلى تداعيات الحرب الأخيرة في أوكرانيا، فالسنوات الأخيرة كانت صعبة على كل العاملين في الحرف اليدوية لهذه الأسباب".

وأشار إلى أن كل الحرف اليدوية بشكل عام تحتاج إلى دعم كي تستطيع الصمود والاستمرار وتقديم أجيال جديدة تستمر على الطريق نفسه، و"نتمنى أن تنظر الدولة ومؤسسات المجتمع المدني إلى هذا الأمر باعتبار هذه الحرف تحافظ على جزء من التراث، وليس فقط تقدم منتجاً يتم بيعه".