أعلنت هيئة الانتخابات التونسية قائمة نهائية بالملفات المقبولة، وعددها 161 مترشحاً، لحملة الاستفتاء التي تنطلق غداً 3 يوليو (تموز) 2022، ويتضح من خلال القائمة حضوراً لافتاً للأشخاص الطبيعيين (110)، مقابل تراجع الأحزاب (24) والمنظمات (27)، وهو ما يثير التساؤل: هل بدأ عهد التنظيم الذاتي الذي دعا إليه قيس سعيد؟
تتكون الخريطة الحزبية في تونس، مما يزيد على مائتين وعشرين حزباً سياسياً، أغلبها "أحزاب على الورق"، أي من دون قواعد وبلا نشاط، وغيابها عن حملة الاستفتاء مقابل دخول الأشخاص الطبيعيين، يفسره المتابعون بأفول نجم الأحزاب، مقابل ظهور ما يسميه قيس سعيد في مشروعه السياسي بـ"التنظيم الذاتي".
ويعد استفتاء 25 يوليو (تموز) الحالي امتحاناً للأحزاب السياسية، بأنواعها، الداعمة أو الرافضة للاستفتاء، وقياساً لمدى مقبوليتها وقدرتها على التأثير في الشارع التونسي، ودفعه لاتخاذ القرار المناسب إزاء مشروع دستور جديد لتونس.
تراجع أحزاب
يؤكد سرحان الناصري، رئيس حزب "التحالف من أجل تونس" أن "الأحزاب السياسية لا يمكن أن تختفي من المشهد السياسي في تونس، وإنما هناك عدد من الأحزاب التي سيتقلص وزنها نظراً إلى حالة السخط الشعبي تجاهها، بعد أن فشلت في إدارة الشأن العام في تونس طيلة السنوات العشرة الماضية".
ويعتبر الناصري أن "الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، هي ركيزة من ركائز العمل السياسي، إلا أن عدد الأحزاب سيتراجع، لأن ظاهرة تعددها غير صحية"، داعياً إلى "تعديل قانون الأحزاب من أجل خريطة حزبية وازنة ولها قواعد انتخابية، والقطع مع الأحزاب الموجودة على الورق".
ويشدد رئيس حزب "التحالف من أجل تونس" على "ضرورة القطع مع الممارسات التي عاشتها تونس مع الأحزاب التي تعتمد المساومات السياسية"، لافتاً إلى أن "المشهد السياسي سيتعافى بإعادة تنظيم المشهد الحزبي".
ويضيف، أن "الديمقراطية لا يمكن أن تقوم من دون أحزاب، لأن الأشخاص الطبيعيين لا يمكنهم تقديم مشاريع أو رؤية للحكم مثل الأحزاب، ولا يمكنهم التنظيم في شكل حزب، لأنهم غير متجانسين ولا يحملون مشروعاً مشتركاً".
صمت المنظمات الكبرى
من جهة أخرى، يؤكد سرحان الناصري، أن "حركة النهضة موجودة في حملة الاستفتاء، من خلال عدد من الجمعيات التي سجلت لدى هيئة الانتخابات"، مشيراً إلى أن عدداً من "المنظمات الوطنية كاتحاد الفلاحين، واتحاد الصناعة والتجارة، واتحاد المرأة، لم يسجلوا للمشاركة في حملة الاستفتاء، وهو ما يعني ضمنياً أنهم اتخذوا قرار المقاطعة على عكس الاتحاد العام التونسي للشغل الذي سجل وسيحسم موقفه إثر صدور مشروع الاستفتاء".
ويضيف، أنه "من المفارقات أن هذه المنظمات شاركت في الحوار الوطني، وقدمت مقترحات لصياغة مشروع الدستور، إلا أنها لم تسجل في هيئة الانتخابات للمشاركة في حملة الاستفتاء".
في المقابل، يستغرب الكاتب الصحافي صلاح الدين الجورشي، "مشروع قيس سعيد السياسي القائم على تقزيم الأحزاب وشيطنتها، والعمل على تكريس البعد الواحد والرأي الواحد، مع التعويل على الأشخاص الطبيعيين واعتماد مبدأ الاقتراع على الأفراد، وهي قناعات قيس سعيد التي يتضمنها مشروعه السياسي القائم على الفردانية، ورفض التنظيمات الحزبية والمنظمات".
حجم المقاطعة كبير
من جهته، يعتبر رئيس جمعية عتيد لنزاهة وشفافية الانتخابات، بسام معطر، أن "المناخ السياسي في تونس اليوم، غير ملائم لإجراء الاستفتاء وإقرار دستور جديد للبلاد، لأن طيفاً سياسياً كبيراً ومكونات من المجتمع المدني قررت المقاطعة".
ويضيف، أن "فتح المجال أمام الأشخاص الطبيعيين، معطى جديد في تونس، وحتى في التجارب المقارنة"، مرجحاً أن "السماح لهذه الفئة للمشاركة في حملة الاستفتاء، هو من أجل قطع الطريق أمام محاولات إفشاله، بخاصة أن حجم المقاطعة كبير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويؤكد معطر أن "24 حزباً الذين سجلوا في حملة الاستفتاء، ليس لها ثقل انتخابي، أو قواعد قوية مؤثرة في المشهد السياسي بشكل عام".
ويعيب رئيس جمعية عتيد على رئاسة الجمهورية، "التأخر في إصدار مشروع الدستور، وعدم السماح بالتداول والنقاش حول محتواه حتى يتمكن الناخب من رسم صورة واضحة في ذهنه قبل اتخاذ القرار بشأنه"، لافتاً إلى أن "الأحزاب والمنظمات التي لم تحسم بعد موقفها النهائي من مشروع الدستور، لديها فقط 48 ساعة من أجل بلورته وتقديمه لهيئة الانتخابات بشكل رسمي، قبل انطلاق الحملة للاستفتاء يوم 3 يوليو الحالي.
ويشارك الأشخاص الطبيعيون لأول مرة في حملة انتخابية، من أجل دعم أو رفض مشروع الدستور الجديد، وتغيب عن هذه المحطة الانتخابية كيانات سياسية مهمة، لعبت دوراً في المشهد السياسي، طيلة العقد الأخير، وهو ما يؤشر إلى متغيرات في الخريطة السياسية بتونس خلال مرحلة ما بعد الاستفتاء.