سيأتي الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل منتصف يوليو (تموز) المقبل، إذ أعلن البيت الأبيض أن بايدن سيزور الشرق الأوسط في جولة خارجية من الـ 13 وحتى الـ 16 من يوليو، تبدأ بزيارة إسرائيل والضفة الغربية ثم السعودية.
وتتأهب إسرائيل بصرف النظر عن تفكك ائتلافها الراهن وحل الكنيست لطرح مقاربة جديدة في التعامل مع الإدارة الأميركية، وستعمل إسرائيل أغلبية ومعارضة على استثمار هذه الزيارة سياسياً واستراتيجياً واقتصادياً، كما ستعمل على تحقيق مكاسب حقيقية تتجاوز ما هو قائم، وستتجه إلى بناء شراكات سياسية حقيقية لما تبقى من عمر الولاية الأولى للرئيس جو بايدن.
دعم الاستقرار
سيأتي الرئيس بايدن في ظل وضع غير مستقر في تل أبيب، إذ تقترب إسرائيل من الانتخابات الخامسة خلال أقل من أربع سنوات بعد حل البرلمان الإسرائيلي (كنيست) على خلفية احتدام الصراع بعد نحو عام من تولي نفتالي بينت رئاسة الحكومة.
تتحدث الإدارة الأميركية وعدد من مستشاريها عن أن إسرائيل دولة مؤسسات، وأنه في حال حدوث أية مفاجآت متعلقة بالتغيير المحتمل في الحكومة الإسرائيلية فإن الرئيس بايدن سيتعامل مع رئيس الوزراء الحالي أو شريكه في الحكم يائير لبيد أو حتى رئيس الوزراء السابق نتنياهو، والرسالة أنه يؤيد الاستقرار السياسي الراهن في إسرائيل ولو كان هشاً، وبالتالي فإن الرئيس جون بايدن سيسمع في إسرائيل مطالبات بتمويل القبة الحديدية، وهو ما جرى بالفعل، وإن كانت هناك بعض المناكفات في الكونغرس.
لكن ستطالب إسرائيل بمزيد من التمويل الطوارئ والخاص بتمويل منظومة الليزر والسماء الحمراء، وهما أحدث أنظمة الدفاع الإسرائيلية في مرحلة التجريب، والرسالة أن إسرائيل تريد بالفعل دعماً لمواجهة التهديدات التي تواجهها من جبهات حزب الله وغزة وإيران، وهو ما قد يكون محل اعتراض من داخل الكونغرس في الوقت الراهن، لكن سينجح إيباك في تمرير الأمر بخاصة مع الحملة الكبيرة في واشنطن لدعم إنجاح زيارة الرئيس جو بايدن لإسرائيل، وانتقالها من طرح الأفكار والمقترحات إلى الحصول على تأكيدات حقيقية وأهمها القبول بفكرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بالتحالف الإقليمي الذي يضم دولاً عربية مع إسرائيل في مواجهة التهديدات الإقليمية.
والواقع أن هذا الأمر ليس جديداً، بل سبق وأن طرح من قبل في مقاربات الـ "ناتو" العربي، وفي فكرة تجمع "ميسا"، ومن ثم فإن الرئيس الأميركي سينقل هذا المقترح للجانب العربي خلال القمة العربية الأميركية التي ستجري في الـ 16 من يوليو (تموز) المقبل، إذ ترى الولايات المتحدة أنه قد آن الأوان للتوصل إلى صيغة جمعية عربية - إسرائيلية لمواجهة التحديات والأخطار، والتعامل معها بجدية في ظل العناد الإيراني بعد الانخراط فعلياً في توقيع الاتفاق النووي.
مستهدف أميركي
من المرجح أن يزور الرئيس الأميركي جون بايدن خلال وجوده في إسرائيل منطقة توجد فيها هذه الأنظمة الدفاعية، وسيطلع على أحدث تكنولوجيا الأنظمة الدفاعية المضادة للصواريخ، كما سيركز على اندماج إسرائيل في المنطقة عبر "اتفاقات أبراهام" التي تضم الإمارات والمغرب والبحرين، وستعمل أميركا على جعل الشركاء يعملون معاً لتحقيق شرق أوسط أكثر ازدهاراً، وخلال الزيارة سيعقد الرئيس الأميركي قمة افتراضية مع قادة الإمارات والهند وإسرائيل ضمن مبادرة تحت اسم "I2U2".
إن الإشكال الذي سيواجه الرئيس جو بايدن في إسرائيل هو احتمال إثارة الرئيس الأميركي لملف استئناف الاتصالات الفلسطينية - الإسرائيلية، بخاصة أن الجانب الأميركي سيجد الرئيس الفلسطيني محمود عباس مطالباً بفتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن والقنصلية الأميركية في شرق القدس، واستئناف المساعدات الأميركية للسلطة التي تعاني أزمة هيكلية حقيقية، وإن كانت دول الاتحاد الأوروبي بدأت في توجيه دعم اقتصادي أخيراً.
ومن ثمّ فإن الرئيس جو بايدن سيعيد طرح فكرة خيار حل الدولتين ووقف الاستيطان وعدم الدخول في إجراءات انفرادية من شأنها المساس بالوضع الراهن في القدس، وسيجد الرئيس الأميركي نفسه محاطاً بسلسلة إجراءات ومطالب أخرى تتجاوز الثنائي والإقليمي، إذ تدعو إسرائيل مع التحالف الإقليمي إلى ضرورة صياغة أمن جماعي في ملف البحر الأحمر وباب المندب وبعض الممرات العربية لمواجهة ما يجري من تهديدات الحوثي، وهو ما سيجد قبولاً أميركياً، بخاصة أن إسرائيل والدول العربية، وفقاً للقيادة المركزية الأميركية، باتت تعملان تحت قيادة واحدة، ومن ثم لا توجد مشكلة حقيقية.
استراتيجية محددة
تسعى إسرائيل إلى تأكيد منظومة علاقاتها مع الإدارة الأميركية، وإن كانت تتشكك في استمرار الرئيس الأميركي جو بايدن لولاية جديدة، ومن ثم ستعمل على الانخراط كما هو جار مع قيادة الحزبين، فإسرائيل ليست محل خلاف حقيقي في دوائر الكونغرس، وتعد بالفعل مسألة داخلية وليست علاقات مع دولة أجنبية، ولهذا قد تعمد إسرائيل إلى الحصول على تعهدات أميركية في شأن الحصول على مزيد من التعاملات لدولة خارج الـ "ناتو"، كما أنها سترتب لدور داعم للاستراتيجية الأميركية في دائرة حركتها السياسية والاستراتيجية كما هو جار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولهذا فإن بناء شراكات جديدة مع الـ "ناتو" في إطار المهمات المستجدة للحلف ستكون أيضاً مطروحة، كما جرت مناقشة بعض هذه المطالب الإسرائيلية في الاتصالات الإسرائيلية - الأميركية عبر زيارات المسؤولين من الجانبين طوال الفترة الماضية، والتي لم تكن مخصصة فقط لمسألة إيران والتعامل مع ما تمثله من تهديد لأمن إسرائيل القومي، بل أيضاً للمطالب الإسرائيلية المستجدة في نطاق علاقاتها مع الولايات المتحدة وحلف الـ "ناتو" وزيادة المساعدات العسكرية المقدرة منذ إدارة الرئيس باراك أوباما بـ 39 مليار دولار، مما أدى إلى أن يخطط الجانب الإسرائيلي للحصول على 56 مليار دولار اعتماداً على وجود دعم خارجي عبر صندوق الطوارئ أو الخدمات الذي يجري تمويله من المنظمات التطوعية في الولايات المتحدة، وهو الممول لبعض الأنشطة والخدمات التي تطلبها إسرائيل وتعمل "إيباك" على تنفيذها من خلال دوائرها الكبرى في الكونغرس وخارجه، وعبر عدد من السيناتورات الكبار الداعمين للحركة الإسرائيلية في الكونغرس.
مخطط مباشر
سيكون من مصلحة الجانبين الأميركي والإسرائيلي أن يتفقا في القضايا الإقليمية، إذ إن المجال الثنائي يجري في دوائر معقدة ومتشابكة وليس فيها مساحات خلاف حقيقية، أما في الملف الفلسطيني فإن الضغط الأميركي على إسرائيل لاستئناف الاتصالات مع الجانب الفلسطيني لن تنجح، فقد فشل المسؤولون الأميركيون تباعاً في القيام بهذا، وطلب مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان من بينيت لقاء الرئيس محمود عباس ورفض، وتحجج بأن هذا الأمر سيؤدي إلى إسقاط الحكومة وتفكك ائتلافها وهو ما جرى بالفعل.
لكن لأسباب أخرى منها تقديم رئيسة الائتلاف الحاكم الأغلبية في الـ "كنيست" عيديت سيلمان استقالتها، وهي من حزب رئيس الوزراء (يمينا)، وفشل الائتلاف في تمرير مشاريع قوانين مهمة، بخاصة قانون "الطوارئ" الذي يقضي بتطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، وقانون الطوارئ الذي يجدد كل خمسة أعوام منذ احتلال إسرائيل الضفة الغربية عام 1967. وانتهاء سريان هذا القانون من دون تمديده يعنى أن الشرطة الإسرائيلية كانت ستبقى غير قادرة من الناحية القانونية على تطبيق وفرض القانون في الضفة الغربية.
الخلاصة الأخيرة
ليست إذاً زيارة الرئيس جو باين وعلى الرغم من كل دلالاتها الرمزية مجرد زيارة سياسية هي الأولى من نوعها إلى إسرائيل، لكنها زيارة تحمل دلالات ومعان عدة، وتؤكد طبيعة العلاقات الإسرائيلية - الأميركية بخاصة وأنها تتم والرئيس الأميركي جو بايدن يعاني انخفاض شعبيته بصورة لافتة، ويواجه أيضاً خلال الفترة المقبلة انتخابات التجديد النصفي، مما يشير إلى أن مشكلات الرئيس الأميركي تخاطب شريحة مهمة في الخريطة السياسية الأميركية، وهي اللوبي اليهودي الداعم والمؤثر في ما يجري أميركياً، لكن ستبدو مساحات الاتفاق أكبر من طرح أي نقاط تجاذب راهن أو محتمل إذا قررت إسرائيل القيام بعمل منفرد تجاه إيران، وهو مستبعد على الأقل خلال الوقت الراهن.
ونظراً إلى حال عدم الاستقرار السياسي والحزبي في إسرائيل فإن التنسيق يجري والمسألة تتجاوز أي خلاف حقيقي، فالجانب الإسرائيلي يكرر دورياً بأن الدفاع عن أمنه القومي فوق أي اعتبار، وأن إسرائيل هي من ستقرر أمنها في رسالة قوية بقدرة إسرائيل على العمل بمفردها عند الضرورة، وأنها لا يمكن أن تترك للولايات المتحدة تقرير أي موقف راهن أو لاحق.