تضيق أوطان بأصحابها وتحملهم إلى بلدان نائية في رحلة لجوء محفوفة بالمخاطر، بحثاً عما حرموا منه في بلدانهم مثل الحرية والعمل والتعليم، كما يفر كثير منهم بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والحروب والصراعات القائمة هنا وهناك.
وأعلنت الأمم المتحدة في مايو (أيار) الماضي أن عدد النازحين قسراً بسبب الحروب والصراعات تجاوز 100 مليون شخص عبر العالم.
من بين هؤلاء اللاجئين فنانون حملوا إبداعاتهم إلى أوطانهم الجديدة في أوروبا. وفي معرض تحت عنوان "صنع في الهجرة" أقيم في المعهد البريطاني في العاصمة لندن في يونيو (حزيران) الحالي، عرض لاجئون أغراضاً شخصية ومدونات رافقتهم في رحلات اللجوء منها رسمات تظهر صعوبة الظروف التي مروا بها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقول راشيل كيدي، الراعية للمعرض وهي أستاذة في جامعة أكسفورد: "يدور هذا المشروع حول محاولة فهم متى يضطر الإنسان إلى الفرار من بلده ويصبح نازحاً، ما هو الجانب المادي، ما هي الأغراض التي يأخذها معه؟ ما المفيد منها؟ كيف يرتبط الناس بالأشياء؟ وما الذي توفره هذه الأشياء لهم من حيث الأمان أو الانتماء أو التواصل مع الأشخاص والأماكن التي اضطروا إلى تركها وظلت وراءهم؟
وتشير كيدي إلى لوحة كبيرة تعرض مسار رحلة شاقة قطعتها لاجئة من إريتريا إلى السويد وتقول: "هذا أمر مثير بالنسبة لي، عندما عرضتها اللاجئة عليّ، قلت لها أنت تتحدثين العربية لماذا كتبت مذكرات رحلتك باللغة الإنجليزية؟ فأجابت من سيهتم بقضيتي إن لم أكتب بالإنجليزية؟".
وتضيف: "لقد هربت فيروز مع بعض أصدقائها من إريتريا إلى اليمن، ولكن عندما وصلوا إلى اليمن، قالوا لهم: ليس لدينا أي مكان لإيوائكم، لا يمكننا مساعدتكم. وزجوا بهم في سجن على الرغم من عدم ارتكابهم أية جريمة".
ظلت فيروز ورفاقها لمدة عامين في سجن يمني وأنقذتها لغتها الإنجليزية، إذ تمكنت من الاتصال بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين... لولا إلمامها باللغة الإنجليزية، لكانت اضطرت ربما إلى المكوث هناك.
ويروي اللاجئ حسن من سوريا وهو واقف أمام لوحة وُضع فيها قميص رافقه في رحلة اللجوء، أن والدته خاطت له جيباً مخفياً في قميصه ليحتفظ فيه بأمواله ووثائقه الثبوتية.
ويضيف: "مع مرور الزمن، ربما ينسى الإنسان بعض الأمور، فأنا احتفظت بهذا القميص حتى لا أنسى المصاعب التي مررت بها خلال الانتقال إلى وطني الجديد".
وعن هذه المصاعب، يقول انتقلت بقارب من تركيا إلى اليونان، ومن هناك عبرت مشياً على الأقدام غابات وطرقاً صعبة عبر صربيا ومقدونيا وهنغاريا لتستقر بي الحال بالقرب من استوكهولم في السويد.
وفي جانب من المعرض، تعرض على شاشة كبيرة أوطانهم الجديدة وهي لا تشبه في كثير من الأحيان أوطانهم الأم، فتكسو شوارع هذه المدن الثلوج والجليد بينما قدِم عدد كبير من هؤلاء اللاجئين من مناطق ذات طقس حار.
وبين المساهمين، رسام الكاريكاتير في "اندبندنت عربية"، علاء رستم يعرض لوحات أثارت اهتمام رواد الصالة منها لوحة تنتقد سياسات الحكومة البريطانية للحد من الهجرة.
ولم ينسَ الفنان السوري مآسي لاجئين لم يحالفهم الحظ في الوصول إلى أوروبا، إذ يعيشون في مخيمات تفتقر إلى أبسط إمكانات الحياة في البرد القارس.
تتجلى في المعرض تجارب إنسانية تحمل خلفها مآسي كثيرة... أغراض ومقتنيات شخصية وفنون تصدح في شرح صعوبات طرق قطعها بعضهم وقضى منهم آخرون قبل الوصول إلى المقصد.