Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ولاية جونسون كمحافظ لندن لاتنبئ بأنه سيكون رئيس وزراء ناجح. لماذا؟

لم يحقق إنجازاً يُذكر خلال سنواته الثماني

 صورة للمرشح لزعامة حزب المحافظين بوريس جونسون(أ.ب)

تتمثل استراتيجية بوريس جونسون الرئيسة للفوز برئاسة الوزراء في التستر على دوره والبقاء وراء الابواب المغلقة بعيداً عن الانظار، ما يسلط الضوء بقوة على الحملة التي أطلقها لهذه الغاية، وهو المعروف بتمرسّه في الخروج على نحو مفاجئ من وراء الابواب المغلقة إلى دائرة العلن. لكن منذ بدأت المنافسة على زعامة حزب المحافظين، بل بالأحرى، منذ تعمّد بوريس، بشكل مفاجئ، أن يساعد الوطن على تبني خيار بريكست، فقد دأب المرشح الأوفر حظاً بالفوز إلى الابتعاد عن الأضواء تجنبا لأي محاولة لإخضاع أفكاره ومواقفه للتمحيص . هكذا كان روري ستيوارت، وزير التنمية الدولية و أحد المرشحين لرئاسة الوزراء، على حق حين قال للإعلامي أندرو مار في معرض توصيفه لبوريس "أنا لا أعرف ما هي قناعاته، فهو لا يتكلم معي، ولا يتكلم معك، ولا يتكلم مع الجمهور".

هل هو الآن من الإمبرياليين الجدد من أتباع ستيف بانون، والداعين إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، أي "ترمب" البريطاني؟ أم أنه من المحافظين الكوزموبوليتانيين المنفتحين على الدنيا من المؤمنين بديمقراطية "الامة الواحدة" على مستوى العالم؟ أنظر فقد قصّ شعره الذي كان مظهره دائماً فوضويا! وإذا كان المشرفون على حملته لا يرفعون عنه الستار، يمكنه أن يبدو وكأنه هذا وذاك في الوقت نفسه. لذلك ستكتفي حملته بالتحرك في حيّز جانبي بعيد عن الواجهة، لكنه يتيح لبوريس التأثير بحزب المحافظين بفضل خياله الجامح، الذي قد يتفتق عن مشاهد مثيرة بغرابتها، كصورة خنزير هارب على عجل، أو ملاصقة كفه بكف تشرشل تعبيراً عن اتفاقهما حول أمر ما، أو  الإعراب عن معارضة كوربن بصخب، أو جعل الخوف المرضي من الإسلام ونزع الضوابط بشكل فاضح يبدوان وكأنهما دعابتان هائلتان، ينسجها بوريس قبل أن يهاجم الاتحاد الأوروبي، وذلك ليخدم نفسه بنفسه.  

إنها استراتيجية ذكية لأن إنجازاته في العالم الحقيقي معدومة، فهو لا يملك أي رصيد وزاري يُذكر، وليس هناك من يعرف جونسون فعلاً ويثق به، كما كانت الحال مع ديفيد كاميرون رئيس الوزراء السابق.  صحيح أن تيريزا ماي جعلته وزيرا للخارجية، لكنها فعلت بذلك استنادا إلى مبدأ إبقاء خصومك قريبين منك. وقد أثبت خلال فترة احتلاله لذلك المنصب، أنه مشوش الانتباه ومتهور بقدر ما تتخيلون.

غير أن في رصيد جونسون جانباً واحداً يطبل له المدافعون عن الرجل ويزمرون بحماس. فهو في نهاية المطاف كان محافظ لندن بين عامي 2008 و2016، وإذا أردتم دليلا على ما حقّقه فما عليكم إلا أن "تنظروا إلى ما أنجزناه في مجلس البلدية"، حسبما يقول. والعاصمة ما زالت موجودة، أليس كذلك؟ ألا يمثل تنظيم الدورة الاوليمبية لعام 2012، وبعض الطرق الرئيسة الدائرية، وبناء ثلاثة أو أربعة بيوت في منطقة بنج، أدلة على تمتعه بمهارات قابلة للتوظيف في أداء أعمال أخرى؟ حتى لو أن تسيير شؤوون لندن لا يعدو شيئا مقارنة بتسيير شؤون البلد، ناهيك عن تسيير شؤون حزب المحافظين؟

غير أنه حتى لو كانت الإحصاءات التي أعلنها عن انجازاته المتعلقة الجريمة والإسكان تصمد صحيحة (وهذا غير ممكن )، فإن سنوات عمله محافظاً للندن تعكس اثنين من مواضع قوة جونسون الملموسة. والاول هو قدرته على رصّ صفوف فريق العمل، فهو وإن لم يكن بالتأكيد شخصا تشغله التفاصيل، قادر على تعيين آخرين للاهتمام بالتفاصيل نيابة عنه. أما الثاني فهو قدرته على الفوز في مناطق لا يستطيع المحافظون الآخرون الوصول إليها. فلندن تُعتبر في الوقت الراهن مدينة مؤيدة  بقوة لحزب العمال، لكن تجربة مجلس البلدية تشير إلى أن جونسون قد يكون أمتع أولئك الذين ينتمون إلى صنف الكوزموبوليتانيين المنفتحين على العالم وأبهجهم، أقله ممن لا يرتدون النقاب، او ممن اجتذبهم لامتطاء موجة  البريكست معه.  

لكن هل يمثل بوريس لندن حقاً؟ قد يكون من الضروري أن نتذكر أن الترشح لانتخابات محافظ لندن لم تكن فكرة جونسون، بل أغرته بها فيرونيكا وادلي، رئيسة تحرير صحيفة "إيفنينغ ستاندارد" آنذاك، التي عينها لاحقا رئيسة لمجلس لندن للفنون. وقبل ذلك، لم يكن لجونسون اي تجربة تتصل بشؤون لندن، فهو نائب في مجلس العموم عن منطقة "هنلي" التي تعتبر أكثر المناطق ريفية، وكانت استراتيجيته للفوز قائمة على ما يعرف بـ "استراتيجية الدونَت" التسويقية  لاستمالة الضواحي. أما قراره بدعم مشروع الخروج من الاتحاد الأوروبي، و الذي جاء في آخر لحظة، فكان في نظر الكثيرين من ابناء لندن أشبه بعبارة وداع شائنة وجهها محافظ خارج من منصبه إلى مدينة صوتت لصالح البقاء في الاتحاد بأغلبية قدرها 59%. وقد اعتبر كثير من اللندنيين ان اجتماعاته المتكررة بستيف بانون وتعليقاته العنصرية ضد النساء المسلمات، أخطاءً لا تُغتفر. ويمكن القول، إن صادق خان، محافظ لندن الحالي، هو الممثل الحقيقي للعاصمة البريطانية كما هي في عام 2019.   

وخلال ولايته كمحافظ، استفاد جونسون من امتيازات عدة . فالصحافة اللندنية عاملته كما لو كان منزّهاً عن النقد؛ وكانت لندن آنذاك لاتزال على بهائها كمدينة عالمية، وذلك يعود الفضل فيه  إلى حد كبير للهجرة التي أصبح جونسون الآن يدينها بشكل ضمني؛ كما  استفاد أيضاً من مثابرة سلفه، كين لفينغستون، وكدّه حين كان محافظاً للندن. فليفنغستون هو صاحب فكرة الدراجات الهوائية التي باتت تعتبر من أكثر المشاريع ذات العلاقة القوية بجونسون، حتى أنها تُعرف بـ "دراجات بوريس". أما جونسون فرآها بادئ الأمر بأنها هدر للمال.

صحيح أن جونسون لم يكن، مثلما يقول البعض، محافظاً كارثيا. لكنه كان عاديا جدا، في وقت كان بوسعه أن يحقق نجاحات أكبر. أدت جهود لفينغستون إلى تطوير لندن بشكل حقيقي. فهو تمكن من اقناع الحكومة المركزية بمنحه الكثير من الأموال التي رصدها لتنفيذ مشاريع مثل "رسوم الازدحام"، وبطاقات أويستر للتنقل داخل لندن، وشبكة نقل خضعت للكثير من التحسينات، وخصوصاً في مجال استخدام الباصات، وايضاً للاستثمار في مشروعي قطارات "كروس ريل" و"أوفر غراوند" . وشجّع ليفنغستون أيضاً على بناء العشرات من ناطحات السحاب التي تحمل أسماء غريبة في العاصمة.

أما جونسون فقد عمد إلى تقليص أفضل هذه المشاريع، فهو مثلاً عمل على عدم تطبيق "رسوم الازدحام" في منطقة غرب لندن الراقية. كما دعّم  أسوأ مشاريع سلفه، فخلال فترة ولايته كمحافظ تمّت الموافقة على بناء 400 برجاً، وظلّ يتدخل باستمرار لصالح المطورين العقاريين، لإلغاء قرارات بلديات لندن المحلية، بما يخص المحافظة على البيئة وبتطبيق النُظُم المتعلقة بمخططات البناء. وبالنتيجة بات أفق لندن مشوهاً إلى الأبد. 

كذلك فإن شخصية بوريس المحبة للمرح لم تُترجَم إلى سياسة. فالقرار الأول الذي اتخذه كان منع تناول الكحول في الباصات أو القطارات؛ و تدخله العظيم بعد أعمال الشغب التي وقعت عام 2011 ، تمثّل في الاستثمار بمدفعين مائين  كان ثمنهما باهظاً ولم يُسمح له باستخدامهما أبداً.

عدا عن ذلك، لم يٌحقّق أي إنجاز يُذكر، خصوصا بما يتعلق بملفي الإسكان والجريمة.

لقد عيّن في النهاية إداريين من ذوي الخبرة في مجال عمل البلديات فاسترجعت بلدية لندن نشاطها. أما بالنسبة إلى بصمته الشخصية، فخلال فترة عمله محافظاً للندن انتشرت المشاريع الفاشلة التي تلفت النظر. فهناك "الجسر الحديقة" (غاردن بريدج) الذي بلغت تكلفته 60 مليون جنيه إسترليني من دون أن يتحقق أي شيء فيه. كذلك هو الحال مع مشروع الإمارات الخاص بالسيارات السلكية، ومشروع برج "مدار أرسيلورميتال" اللذين  تسببا بخسائر مالية، على الرغم من رعايتهما البارزة والبشعة في آن واحد.

يمكن القول إن سجل جونسون كمحافظ هو نوع من الفانتازيا البعيدة عن الواقع،  فليس فيه سوى حفنة من الأفكار التي لم يتحقق منها أي شيء عدا عن أنها ساعدت على جعل بعض المطورين العقاريين أشدّ ثراء وحولت لندن إلى مدينة أكثر ميلا لليسار، تفتخر بانفتاحها على العالم أكثر من أي وقت كان.

كذلك، فهي تشير إلى الخلل الذي تعاني منه السياسات التي تقوم على شخصية السياسي. فعلى الرغم من شخصية بوريس جونسون المتبجحة ، يبدو الفرق الأساسي بين الرقعة المطوّرة معمارياً في لندن عام 2008 وبينها عام 2016، هو أن العاصمة باتت أقل تميزا، وأكثر شبهاً بقطر أو دبي أو هيوستن أو أي مكان آخر، من شبهها لنفسها.

 لكن ذلك يسلط الضوء على الأقل على النعمة المنقذة الوحيدة لجونسون: عدم كفاءته. هل تتذكرون خطته الكبرى لبناء مطار في مصب نهر التيمز؟  لم تتمخض عن شيء على الإطلاق .

© The Independent

المزيد من آراء