Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان في مفترق طريق

التناوب على منصب رئاسة اللجنة كل ستة أشهر بين العسكريين والمدنيين أحد الحلول

المتظاهرون السودانيون يرفعون الأعلام ويجوبون الشوارع (أ.ف.ب)

ما يحدثُ في السودان يخص بالمقام الأول الشعب السوداني الشقيق، الذي عليه أن يجد الطريق الذي يوازن به بين حتمية التغيير وتجنّب طمس الآمال في مستقبل أفضل ومشاركة شعبية في تحديد المصير، وعدم استقرار الدولة وحتى انهيارها. وهو طريق لم يتجه إليه أغلب الدول العربية، التي تعرضت إلى هزات مجتمعيّة في التوافق حوله، فوجدت نفسها بين خيارين مأساويين لا يبشران بالخير على الأقل في المستقبل المنظور، ألا وهما الثبات على أوضاع مرفوضة دون تغيير، أو انهيار الدولة وسلامتها.

وأمام الشعب السوداني تحدّ كبير، فجميع عناصر وأسباب الرفض العربي لواقعه في دول عديدة قائمة ببلاده، ويعاني منها، وعلى رأسها غياب الحكم الرشيد، الذي يستجيب إلى تطلعاته، ويجعله طرفاً فاعلاً في تحديد خياراته السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، كما تتداول أخبار كثيرة عن انتشار الفساد عبر مؤسساته وربوعه، فضلاً عن أن موقعه الجغرافي الاستراتيجي في شرق أفريقيا وبحاره المجاورة، وسط ساحة عربية مضطربة، يجعله محل اهتمام وتنافس ومطمعاً في الصراع الجيوبوليتيكي العربي والشرق أوسطي لتشكيل سياسات المنطقة في القرن الواحد والعشرين.

إذن، التحدي السوداني صعب، ومتعدد الجوانب والحسابات، ويفرض على البلاد التوصل إلى توافق بين عدد غير قليل من الأطراف السودانية المشروعة، لتشكيل موقف سوداني أصيل، وفقاً لمصالح وأولويات سودانية بالأساس، ستتعارض بطبيعة الحال مع أعداء البلاد أو الطامعين فيها، وتختلف مع سياسات منافسيها الشرعيين، وقد تتباين أولوياتها حتى مع الأصدقاء بعض الشيء.

ويخدم السودان ويدعمه أمام هذا التحدي أن الشعب السوداني سياسي في طباعه، وتشمل تركيبته السياسية عدداً غير قليل من الأحزاب الجادة، التي لها جذور وتاريخ في الساحة السودانية، مما يفترض معه أيضاً تيقّن أنه بعد منافسة ضروس من مصلحة الكل التوصل إلى حلول وسط، والقبول بما هو ممكن في كل مرحلة.

ولقد شعرت في الأسابيع الأولى بعد عزل الرئيس البشير أن الأطراف السودانية المختلفة تقدر خطورة الموقف، وأن السبيل إلى الأمام هو التوافق، فالمظاهرات اتسمت بالسلمية، والقيادات العسكرية تجنّبت المواجهات والصدامات التي تستخدم فيها القوة، ودار الحديث حول تشكيل مجلس رئاسي مشترك، وكانت كلها مؤشرات إيجابية رغم تباين المواقف حول من يكون له رئاسة المجلس، والأغلبية فيه، ومدة المرحلة الانتقالية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إنما مع الأسف الشديد بسبب إطالة مدة التعارض وقعت أخيراً صدامات دموية وقتلى وجرحى بأعداد كبيرة، وتعثرت المفاوضات، وهو ما يعد نكسة حقيقية لكل رغبة سودانية صادقة تسعى إلى تحسين حال البلاد.

وغني عن القول إن القضية والتوتر الناجم عن فقدان أرواح الضحايا توسعان التباين بين مواقف الأطراف السودانية، وتجعلهم على الأقل في أول الأمر أكثر تشدداً وأقل استعداداً للتوصل إلى حلول وسط، وأتفهم تماماً غضبة الشارع السوداني بصرف النظر عمن يتحمل في النهاية مسؤولية هذه الأحداث وأسلوب محاسبته، كما أتوقع أيضاً أن تزداد السلطات السودانية قلقاً وخشية من انفلات السيطرة على الأوضاع داخل البلاد، وتتردد في قبول التوافق سريعاً، وسينتهز معارضو التغيير الأوضاع ليبثوا الفتنة والعبث بين الأطراف، للدفع بأن الأوضاع، التي كانت قائمة، بكل مساوئها كانت أفضل من الانهيار الكامل للبلاد، كأنّ العرب عامة والسودان في هذه الحالة بالذات ليس أمامهم أبداً خيار التطوير والتغيير إلى الأحسن والأفضل، لا مفر أمامهم أبداً إلا خيارين، هما أوضاع سيئة وغير عادلة، أو كارثية دموية، لا مبالين أو مقدرين أن الأوضاع السيئة والمحبطة للشعب هي التي تولّد حالة الغضب الشديد بعد صبر طويل، ولا يحتكم فيها الشعب إلى العقل والمنطق، ويسيء ترجمة إحباطه وغضبه إلى صدام هدّام بعد أن فقد الأمل في مستقبل أفضل.

إزاء كل ذلك تنشط الأطراف الإقليمية المتضررة من الاستقرار والتوافق العربي، ويتصاعد الرفض والضغوط الدولية على الأطراف السودانية، بما يخل بالتوازن المطلوب لكي يكون الحل سودانياً بالأساس، واستجابة إلى طموحات سودانية صادقة.

ورغم قناعتي الشديدة بأن الحل يجب أن يكون سودانياً، فشغفي وتقديري لهذا الشعب الشقيق، يجعلاني ألح عليه التوصل إلى توافق على تشكيل وعمل اللجنة الرئاسية للمرحلة الانتقالية، وهناك بدائل عديدة وحلول مختلفة للنقاط الخلافية إذا غلبت النيات الحسنة، منها أن يُتناوب على منصب رئاسة اللجنة ونائبه على سبيل المثال كل ستة أشهر بين العسكريين والمدنيين، وفي المقابل ترجّح الأغلبية لصالح المؤسسة العسكرية تارة، والمدنيين تارة أخرى أيضاً كل ستة أشهر، حيث لا يحظى أي منهما بمنصب رئيس المجلس والأغلبية فيه في آن، حفاظاً على التوازن التوافقي.

وهناك بديل آخر، وهو أن تحظى المؤسسة العسكرية بالأغلبية في القرارات السيادية، في حين يحظى الممثلون المدنيون بالأغلبية في القرارات الخاصة بموضوعات أخرى.

أمَّا بالنسبة إلى مدة المرحلة الانتقالية فيمكن أن تمتد إلى ما بين 30 و36 شهراً، لإعطاء فرصة لتطوير الأوضاع على الأرض، وتجنّب كبوات حدثت في دول أخرى أسرعت في الانتقال إلى مرحلة الانتخابات، واستدعت ثورة تصحيح أخرى للحفاظ على هُوية الدولة ومؤسساتها، مع مراعاة عدم إطالة المرحلة الانتقالية أكثر من اللازم.

ونظراً إلى تقديري لارتباط أمن واستقرار السودان بأمن ومصالح الأطراف العربية والأفريقية، التي لها مصالح بشرق أفريقيا لا يسعني إلا أن أدعوها بأن تدفع الأطراف نحو توافق (سوداني – سوداني)، دون إطالة، فهذا هو أفضل حل لدولة السودان الشقيق، وكذلك للدول العربية والأفريقية بشرق أفريقيا والمناطق المجاورة لها.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء