Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عن التضليل الروسي لتخريب مخططات انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو

بالإضافة إلى اعتراض تركيا، قد يشكل التأثير الروسي في أوروبا عائقاً أمام توسع الناتو شمالاً

تدريب عسكري ميداني قرب فيسبي على جزيرة غوتلاند السويدية (غيتي)

في هنغاريا، أقرب أعضاء الناتو إلى روسيا من الناحية السياسية، يروج أكبر موقع إخباري موالٍ للحكومة علناً لرأي الكرملين بشأن توسع الناتو.

ومن جانبه، يتعهد زوران ميلانوفيتش، رئيس كرواتيا، الدولة العضو في الناتو التي لطالما اعتبرت حليفة للكرملين عن طريق العلاقات التجارية التي أُسست على مر السنين، أن يعيق دخول السويد وفنلندا المقبل إلى الحلف.

وحتى داخل السويد نفسها، يقلق الخبراء من أن يستغل التضليل المعلوماتي الروسي ما تبقى من شكوك في أوساط الحزب الديمقراطي الاشتراكي الحاكم بشأن دخول الناتو.

"لا للناتو. لا للتحالف مع الفاشيين"، هذه هي الكلمات المكتوبة على إعلان مظاهرة معارضة لدخول الناتو ومقررة يوم السبت في ستوكهولم.

تبقى تركيا أكبر عائق أمام طموحات فنلندا والسويد بالانضمام إلى الناتو في إطار محاولة لتشكيل جبهة غربية موحدة أمام روسيا في أعقاب حربها المستمرة ضد أوكرانيا.

ولكن أنقرة ليست العائق الوحيد.

ففي جميع أرجاء الكتلة الأوروبية، داخل البلدان التي روج إعلامها وشخصياتها السياسية المتعاطفة مع الكرملين لآرائه ووجهات نظره طيلة سنوات، تتصدر الشكوك المشهد. وهو ما قد يعقد خطط ضم فنلندا والسويد إلى الناتو بسرعة خلال الأشهر القليلة المقبلة.

وفي هذا الإطار، قال بول ليفين، خبير العلاقات الدولية في معهد جامعة ستوكهولم للدراسات التركية "كنت قلقاً من أن تشكل عملية الانضمام نفسها مدخلاً لشن عمليات الإعلام التابعة للكرملين [تشرع الأبواب أمامها]".

أُسس حلف الناتو إبان الحرب الباردة بهدف التصدي للاتحاد السوفياتي. وينظر إلى الحلف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة الآن على أنه وسيلة دفاع ضد روسيا بعد قيام فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا في ما بات يعد أول عملية كبيرة للاستيلاء على الأراضي تشنها دولة أوروبية على أخرى منذ الحرب العالمية الثانية.

وقد أحدث هذا الهجوم انعطافاً ضخماً في الآراء في فنلندا والسويد لصالح الانضمام إلى عضوية الناتو. إذ دأب البلدان على محاربة القوى الإمبريالية الروسية على مر القرون، ولكنهما ظلا خارج الناتو خلال الحرب الباردة.

 منذ زمن بعيد، تساور الدول الأعضاء هواجس بشأن ما يعنيه ضم فنلندا والسويد إلى الكتلة بالنسبة إلى أمنها. فقد تذمرت تركيا التي انضمت إلى الحلف في عام 1952 طيلة سنوات من العلاقات التي تعتبرها ودية بين ستوكهولم من جهة والفرع السوري لحزب "العمال الكردستاني"، المجموعة الكردية الانفصالية المحظورة، من جهة ثانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ساد الغضب في أنقرة عندما التقت وزيرة الخارجية السويدية آن ليند ووزير الدفاع بيتر هولتكفيست وعدة مشرعين في شهر مارس (آذار) مع نسرين عبد الله، إحدى قادة منطقة الحكم الذاتي التي يديرها الأكراد في شمال شرقي سوريا والتي تتأثر بحزب "العمال الكردستاني".

ولكن السنوات الطويلة من بناء التأثير الروسي الذي شمل إقامة علاقات سياسية وممارسة ضغط سياسي ومد علاقات تجارية، بدأت تثمر بطريقة قد تشكل عوائق إضافية أمام دخول دول الشمال إلى الناتو.

هذا الأسبوع، شكل أوريغو، أحد أكبر المواقع الإلكترونية الإخبارية المتحالفة إلى درجة كبيرة مع حكومة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، منبراً لتصريحات عضوة بارزة في مجلس الدوما الروسي، هي البطلة السابقة في التزلج السريع سفيتلانا زوروفا، التي زعمت بأن هلسينكي وستوكهولم تنضمان إلى الناتو رغماً عنهما.

وفي هذه الأثناء، أعرب وزير الخارجية الهنغاري عن تعاطفه مع مخاوف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تربطه علاقة ودية بالسيد أوربان.

وقلل مسؤولون حكوميون آخرون في بودابست من أهمية الحرب على الحدود الشرقية لهنغاريا باعتبارها معركة بين الولايات المتحدة وروسيا على أرض أوكرانية، وهذه نقطة مفضلة لدى أبواق الحكومة الروسية.

كما وصف آخرون الحرب على أنها مواجهة بين الولايات المتحدة والصين.

عارضت بودابست بالفعل العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على قطاع الطاقة الروسي، وحذر السيد أوربان من أن هذه القيود ستلحق ضرراً "أشبه بالقنبلة النووية" بالاقتصاد الهنغاري.

وفي هذا السياق، قال مدير الموقع الإلكتروني الهنغاري 444.hu المعني برصد المعلومات الكاذبة، بيتر إيرديلي "تأتي هذه التصريحات على لسان أشخاص يتمتعون بسلطة حقيقية. نرى بالفعل تصعيداً للوضع. فبعض التعليقات التي يقولها الإعلام الرئيس الموالي للكرملين باتت الآن تصريحات تدلي بها الشخصيات السياسية الحكومية الرئيسة".

"يتهم السيد ميلانوفيتش في كرواتيا، الذي يشغل منصب قائد القوات المسلحة من موقعه كرئيس للجمهورية، منذ فترة بعيدة بإقامة علاقات قوية مع الكرملين عبر التعاملات المتعلقة بالطاقة. وهو يقوم منذ أشهر بالتقليل من أهمية [يستخف بها] جرائم الحرب التي ترتكبها روسيا في أوكرانيا، أو نكرانها كلياً، ومنها قصف مستشفيات التوليد والهجمات على المدنيين".

وعندما لم يعد بإمكانه اتخاذ هذا الموقف بسبب تزايد الدلائل بشأن الفظائع المرتكبة، عدل موقفه ليقول بأن روسيا خطيرة جداً فلا يمكن استفزازها، وإنه على الناتو ممارسة "ضبط النفس" في مسألة ضم أعضاء جدد.

وقد نقل عنه قوله "أدرك بأن الأخلاقيين [أصحاب المبادئ وأنصار المثل] والأشخاص الذين يساورهم القلق بشأن مصير كل شبر من العالم لن يفهموا ذلك، ولكنني انتخبت لأكون رئيساً لكرواتيا، وليس لأكون أخلاقياً عالمياً".

وفي تحدٍّ لمعارضة رئيس وزراء بلاده وحكومتها، أصبح يقول بأن فنلندا والسويد لا يمكن أن تنضما للناتو قبل إصلاح القوانين الانتخابية في البوسنة والهرسك المجاورة، وهي ليست عضواً في الناتو، بحيث تصبح ودودة أكثر مع القومية الكرواتية.

لفتت دراسة أجراها مشروع برو فاكت (Pro-Fact) المناهض لنشر المعلومات الكاذبة الذي أطلقه صحافيون وباحثون في زغرب ودوبروفنيك إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي في كرواتيا تمتلئ بالرسائل المناصرة لروسيا.

أما في السويد نفسها، فالتحول باتجاه الناتو يؤلم كثيرين في البلاد، وما زال من الممكن أن يواجه عوائق سياسية، إذ تعتبر ستوكهولم نفسها حصناً للحياد والسلام منذ زمن بعيد.

وقال السيد لفين في هذا الصدد "عندما قام (الديمقراطيون الاشتراكيون) بهذا الانعطاف الكبير في شأن مسألة الناتو، جاءت هذه الخطوة في معارضة لمسائل هوية متجذرة تتعلق بدور السويد في العالم باعتبارها قوة عدم انحياز".

استقطبت السويد على مر عقود من الزمن موجات من المهاجرين الأتراك والأكراد اليساريين إجمالاً الذين أسسوا حياة لهم في السويد وغيروا المشهد السياسي فيها. ومن بينهم أعضاء في حزب "العمال الكردستاني" أو الجماعات الرديفة له.

يقلق البعض في السويد من أن انضمام البلاد إلى عضوية الناتو قد يعني الموافقة على تطبيق قوانين لمناهضة الإرهاب أقرب إلى النمط التركي، تجعل مجرد الانتماء إلى مجموعة محظورة -وليس ارتكاب عمل إرهابي أو المشاركة فيه- جريمة.

وقال السيد لفين إن "القوانين السويدية في مجال مكافحة الإرهاب أقل استفاضة بكثير من القوانين التركية".

وأضاف السيد لفين بأن هذه البنى السياسية قد تخلق تربة خصبة للحملات الروسية لنشر المعلومات الكاذبة خلال الأسابيع المقبلة. وفي روسيا، أطلقت السلطات حملة ملصقات تصف فيها أستريد ليندغرين، مؤلفة شخصية كتب الأطفال بيبي لونغ ستوكينغ، والمخرج السينمائي إنغمار بيرغمن، وغيرهما من الشخصيات السويدية البارزة، على أنهم "نازيون" بعد إعلان ستوكهولم نيتها الانضمام إلى الناتو.

أما في تركيا، فلطالما نظرت الفصائل السياسية على اليسار واليمين بارتياب إلى الناتو والولايات المتحدة، واعتبرت أن روسيا تحقق نوعاً من التوازن مقابل القوة الأميركية. ولكن وسائل الإعلام التي يدعمها الكرملين تستهدف تركيا منذ وقت بعيد، غالباً عن طريق النسخة التركية المحبوبة [التي تحظى بإقبال] لـ"سبوتنيك"، أحد المواقع الإخبارية الرئيسة التابعة للكرملين.

وتستغل التغطية الإعلامية للموقع الشكوك بشأن الناتو في أوساط الأتراك اليساريين الذين يشعرون بأنهم ضحايا الدعم الأميركي للحكومات اليمينية في أنقرة كما الأتراك القوميين ذوي الميول اليمينية الذين يشعرون بأن الغرب يظلم بلادهم.

وترى ميرفي طاهر أوغلو، مراقبة الشأن التركي في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط في واشنطن أن وكالة "سبوتنيك [الروسية] اتخذت موقعاً ممتازاً. عندما تنتقد الناتو والولايات المتحدة، ترسل رسائل تستهدف وتستغل قلة الثقة بين مختلف الفئات".

غالباً، لا تحتاج "سبوتنيك" إلى أن تفعل الكثير. فإحدى أقوى أدواتها بنظر السيدة طاهر أوغلو هي ببساطة مقاطع الفيديو المزودة بترجمة تركية للسيد بوتين وهو يهاجم الناتو والغرب، التي تنتشر كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي.

نشرت اندبندنت هذا المقال في 19 مايو 2022

© The Independent

المزيد من تحلیل