"أدار العالم لنا ظهره وتركنا لنتعفن هنا. لماذا؟" غلّف الصمت غرفة الجلوس الرطبة. تحت ضوء النيون الأبيض، تتنحنح مريم محمود قبل أن تشاركنا قصتها.
منذ 71 عاماً، وصلت اللاجئة الفلسطينية إلى مخيم برج البراجنة في لبنان وهي لما تزل طفلة. تنتقي مريم من بين العبارات "الذلّ" لتصف حياة قضتها مسجونة في هذا الحي الفقير.
منذ اندلاع الصراع العربي - الإسرائيلي في العام 1948، والذي أفضى إلى طرد كثير من الفلسطينيين من أراضيهم، أحصت الأمم المتحدة 470 ألف لاجئ توزعوا على 12 مخيماً في لبنان.
وفي البدء، كان مخيم برج البراجنة في يوم من الأيام أشبه ببحر من خيام قماشية، وأضحى اليوم متاهة إسمنتية، تخفي داخلها أكثر من 20 ألف لاجئ فلسطيني ينبذهم المجتمع اللبناني، وتبعدهم عن الأنظار.
على امتداد أزقّة المخيم وعرضها تتدلّى شبكة متداخلة من أسلاك الكهرباء وأنابيب المياه، وهذا خليط مميت. فالشبكة هذه تسببت بوفاة 54 شخصاً معظمهم من الأطفال إثر تعرضهم لصعقة كهربائية.
منذ أوقف الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الدعم المالي الأساسي للشعب الفلسطيني والذي بلغ 350 مليون دولار أميركي، ترزح وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، "الأونروا"، تحت وطأة ضغط شديد. وخلّف هذا الشح المالي الضخم آثاراً كارثية على قرابة 5 ملايين شخص يعتمدون على الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية التي تقدمها الوكالة.
ونجحت المساندة التي قدّمها في خضمّ هذه الأزمة مشروع "علّم طفلاً" (Educate A Child)، وهو مشروع عالمي تنفذه مؤسسة "التعليم أوّلاً" (Education Above All Foundation) بالتضافر مع عمل وكالة الأونروا في تنفيذ مشاريع تسجّل إثرها في المدرسة أكثر من 66.900 ألف طفل فلسطيني لاجئ في المنطقة، وأتاحت المشاريع بذلك لمن كانوا خارج المدارس أن يتلقّوا تعليماً ابتدائياً نوعياً.
ولكن على الرغم من هذه الجهود ما زالت البيئة التعليمية فقيرة وخدمات الصرف الصحي متردّية والقدرة على توفير الغذاء محدودة والصفوف مكتظّة، وأدّت هذه العوامل إلى تسرّب مدرسيّ بلغ 18 في المئة ممّن هم في سنّ الدراسة.
وتضطر الاشتباكات العنيفة التي تندلع بين الفصائل الإسلامية داخل أزقة المخيمات المكتظة مثل مخيم عين الحلوة- وهو يقع على بعد 35 كيلومتراً جنوب بيروت- الأونروا إلى إغلاق المدارس 20 يوماّ كل عام على أقل تقدير. وهذا يمعن في تقويض الجهود الرامية إلى توفير تعليم نوعيّ للفلسطينيين.
وقالت العضو في البرلمان الإسكتلندي، بولين ماكنيل من جهتها، وهي زارت سكان مخيم برج البراجنة في وقت سابق من هذا العام، في حديث مع "الاندبندنت" "يجب أن يعلم مزيد من السياسيين بمشكلة اللاجئين في ذاك المكان. نحن نقف أمام مفترق طرق وعلينا التوصّل إلى حلّ منطقي تتوافر فيه مقومات النجاح. وأخشى أنه يجب مواجهة إسرائيل".
لكن "صفقة القرن" الأميركية المرتقبة، وهي اتفاق سلام من المتوقع الإعلان عنه خلال الأسابيع المقبلة يتولى صوغه جاريد كوشنر صهر دونالد ترمب، لن توفر فرصة لمواجهة كهذه. أما تعليق كوشنر الذي طالب من خلاله الفلسطينيين بأن يثبتوا أنهم "أهلٌ للاستثمار"، أي أن ثمة فائدة ترتجى من العمل معهم، مضيفاً بأنهم ما زالوا قاصرين عن حكم أنفسهم، غامزاً من قناة تطبيق حل الدولة الواحدة الآتي لا محالة على الرغم من عدم رضى كافة الأطراف عنه. وفيما يقف العالم موقف المتفرّج، مستقبل وبقاء الفلسطينيين مهدّد اليومَ أكثرَ من أيّ وقت مضى.
© The Independent