بعد ساعات من قرار رفع أسعار الفائدة وخفض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، أعلنت الحكومة المصرية أنها ستطرح حزمة حوافز جديدة تتضمن إعفاءات ضريبية بقيمة 130 مليار جنيه (7.162 مليار دولار)، وتسريع وتيرة الجدول الزمني لبرامج الحماية الاجتماعية المخطط لها بالفعل، وذلك في أعقاب قرار البنك المركزي برفع أسعار الفائدة والسماح للجنيه بالهبوط مقابل الدولار.
وتضمنت حزمة التحفيز التي أعلنها مجلس الوزراء المصري تخفيض ضريبة الأرباح الرأسمالية المحققة على الطروحات الأولية في البورصة المصرية بنسبة 50 في المئة لمدة عامين، ما قلص معدل الضريبة فعلياً إلى خمسة في المئة من 10 في المئة سابقاً، وسيرتفع المعدل لاحقاً إلى 7.5 في المئة بمجرد انتهاء فترة العامين.
وبالفعل، هناك إجراءات مطبقة لإعفاء زيادات رأس المال من ضريبة الأرباح الرأسمالية، في حين أن معاملات مبادلة الأسهم بين الشركات المدرجة وغير المدرجة لن تخضع للضريبة. واستثني أيضاً من ضريبة الأرباح الرأسمالية، الاستثمارات المؤسسية في الدين المحلي والأسهم، كما ستدخل الحكومة تعديلات على قانون ضريبة الدخل تهدف إلى تنشيط التداول في البورصة المصرية، بما في ذلك وضع آلية لم يكشف عنها بعد، والتي من شأنها تخفيض الضريبة على توزيعات الأسهم.
زيادات في الرواتب وإعفاءات ضريبية
حزمة التحفيز تضمنت أيضاً، الإعفاء من الضريبة العقارية، وستحصل الشركات الصناعية على إعفاء من الضريبة العقارية لمدة ثلاث سنوات، والذي من المتوقع أن يكلف الحكومة نحو 3.75 مليار جنيه (0.206 مليار دولار)، ولضبط أسعار السلع المستوردة، أعادت الحكومة آلية تسعير الدولار الجمركي الشهري، حيث حددته عند 16 جنيهاً للدولار لواردات السلع الأساسية والمواد المستخدمة في التصنيع، ويستمر السعر الحالي حتى نهاية أبريل (نيسان)، وكانت الحكومة المصرية قد ألغت النظام الشهري لتسعير الدولار الجمركي عام 2019، بعد تقديمه في البداية في عام 2017 بعد تعويم الجنيه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 باعتباره "إجراء استثنائياً" لتثبيت معدل الجمارك.
ووفق نشرة "إنتربرايز"، فإن هذه الحزمة تشبه في كثير من النواحي إجراءات التحفيز التي أعلن عنها في مارس (آذار) 2020 لمجابهة تداعيات جائحة كورونا، لكنها تتفوق عليها في الحجم. فحزمة 2020 كانت تساوي ما مجموعه 100 مليار جنيه (5.509 مليار دولار)، وكذلك أعلن مجلس الوزراء، العام الماضي، عن مجموعة من الإجراءات المصممة لجعل التداول في البورصة المصرية أكثر جاذبية، بما في ذلك تعديل كيفية حساب ضريبة أرباح رأس المال.
أيضاً، أعلنت الحكومة توفير 190.5 مليار جنيه (10.495 مليار دولار) لتقديم موعد زيادات الرواتب السنوية، وسيحصل العاملون بالدولة من المخاطبين بقانون الخدمة المدنية على علاوة دورية قدرها ثمانبة في المئة من الأجر الوظيفي، بحد أدنى 100 جنيه (5.5 دولار) شهرياً، من دون حد أقصى اعتباراً من بداية أبريل بدلاً من يوليو (تموز)، في حين سيحصل العاملون بالدولة من غير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية على علاوة بخاصة قدرها 15 في المئة من الأجر الأساسي بحد أدنى 100 جنيه (5.5 دولار) شهرياً اعتباراً من الأول من أبريل أيضاً، وكذلك تفعيل الزيادة السنوية البالغة 13 في المئة لأصحاب المعاشات اعتباراً من بداية الشهر المقبل، وكان من المفترض أن يدخل هذا حيز التنفيذ في يوليو، ولكن جرى التعجيل به.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما قررت الحكومة زيادة الحافز الإضافي الشهري للموظفين المخاطبين وغير المخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية بفئات مالية مقطوعة، بحد أدنى 175 جنيهاً (9.6 دولار) وبحد أقصى 400 جنيه (22 دولاراً)، وفقاً للدرجة الوظيفية، ولن يستفيد من ذلك سوى الموظفين الذين سيعينون بعد الإعلان عن الحزمة. وأوضح البيان أن الزيادات الجديدة في الرواتب والحوافز ستكلف الخزانة العامة 36 مليار جنيه (1.98 مليار دولار)، وفي غضون ذلك، سترتفع المعاشات بما لا يقل عن 120 جنيهاً (6.6 دولار). وكان من المخطط تنفيذ كلا الإجراءين في يوليو مع بداية العام المالي الجديد.
أيضاً، قررت الحكومة المصرية رفع الحد الأدنى للإعفاء من الضريبة على الدخل بنسبة 25 في المئة ليصل إلى 30 ألف جنيه (1652 دولاراً) سنوياً بدلاً من 24 ألف جنيه (1322 دولاراً) في السابق، كما أعلنت ضم 450 ألف أسرة لبرنامجي تكافل وكرامة للرعاية الاجتماعية في أبريل بتكلفة 2.7 مليار جنيه (0.148 مليار دولار).
سعر الفائدة يتحول إلى "إيجابي" في مصر
وجاءت التفاصيل الخاصة بحزمة التحفيز بعد الإعلان المفاجئ من البنك المركزي رفع أسعار الفائدة والسماح للجنيه بالتراجع أمام الدولار، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يرفع فيها المركزي سعر الفائدة منذ خمس سنوات، حيث رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس بما يعادل نحو واحد في المئة في اجتماع مفاجئ للجنة السياسة النقدية في محاولة لمواجهة تداعيات ارتفاع أسعار السلع العالمية على التضخم المحلي، والذي ارتفع إلى أعلى مستوى له في 31 شهراً خلال شهر فبراير (شباط)، وهذه هي المرة الأولى التي يرفع فيها البنك المركزي أسعار الفائدة منذ نهاية دورة التشديد النقدي التي تلت تعويم الجنيه في منتصف عام 2017.
ووفق الزيادة الجديدة، يبلغ سعر الفائدة على الإيداع لليلة واحدة الآن 9.25 في المئة، وسعر الإقراض 10.25 في المئة، في حين بلغ سعر العملية الرئيسة وسعر الخصم 9.75 في المئة، وبذلك أصبح سعر الفائدة الحقيقي في مصر الآن إيجابياً، وكانت مصر حتى وقت قريب تتميز بأن لديها أحد أعلى أسعار الفائدة المعدلة بحسب التضخم على مستوى العالم، ما ساعدها على جذب مليارات الدولارات من تدفقات المحافظ الاستثمارية إلى سوق السندات المحلية، إلا أن هذه الميزة تآكلت على مدار الأسابيع الأخيرة بعد أن دفع ارتفاع التضخم سعر الفائدة الحقيقي إلى المنطقة السلبية، وبعد قرار المركزي الأخير، أصبح سعر الفائدة الحقيقي الآن 0.45 في المئة.
وسمح البنك المركزي المصري للجنيه بالتراجع بنسبة 16 في المئة أمام الدولار، في محاولة للحفاظ على السيولة بالعملات الأجنبية، واستقر سعر صرف الجنيه عند مستوى 18.27 جنيه للدولار في تعاملات اليوم، بعد أن انخفض من نحو 15.7 جنيه للدولار، وتم تداوله منذ بداية عام 2021.
تحفيز التدفقات المالية الجديدة
وخلال مؤتمر صحافي، قال محافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر، إن مصر سيطرت على مستويات التضخم في السنوات السبع الماضية، ولم يتم رفع أسعار الفائدة في مصر منذ عام 2017، موضحاً أن التضخم في مصر أصبح مستورداً من الخارج والمنتجات في الخارج أسعارها ارتفعت، مشيراً إلى أن هناك ما يقرب من 30 مليون مواطن لديه شهادة ادخار. وأكد أن مصر أصبحت جزءاً من السوق الدولية، وأصبح لا بد من اتخاذ إجراءات في السياسة النقدية للحفاظ على موارد مصر من النقد الأجنبي من المصريين المقيمين بالخارج، موضحاً أن الاستقرار النقدي مهم للغاية، وأن سياسة الحكومة في التعامل مع أزمة كورونا كانت محل إشادة دولية.
وأوضح محافظ البنك المركزي المصري أن الإصلاحات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة في 2016 حمت الاقتصاد المصري لمدة خمس سنوات ووفرت موارد ضخمة لمصر من استثمار أجنبي وأسواق رأس مال دولية وتحويلات المصريين في الخارج التي تضاعفت بسبب الثقة، ووصلت إلى 31 مليار دولار.
ووفق "غولدمان ساكس"، من شأن تحركات البنك المركزي المصري أن تعمل على تحفيز التدفقات المالية الجديدة داخل السوق المصرية مع إدراك المستثمرين انخفاض مخاطر إجراء المزيد من التخفيض في قيمة العملة المحلية، بل وإمكانية حدوث بعض الارتفاع في قيمتها في الأشهر المقبلة.
وخلال الفترة الماضية، كان هناك حديث حول احتمال حصول مصر على تمويل جديد من صندوق النقد الدولي لتخفيف الضغط على المالية العامة للدولة، والتي تفاقمت بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا. وعلى الرغم من أن المسؤولين من الحكومة المصرية ومن صندوق النقد نفوا إجراء محادثات في الوقت الحالي، قالت مصادر لوكالة "بلومبيرغ"، الأسبوع الماضي، إن الحكومة تبحث الدعم المالي وغير المالي، بما في ذلك خط ائتمان احترازي والسيولة مع صندوق النقد الدولي.
ويرى محللون أن قرارات البنك المركزي ستسهل على مصر التوصل إلى اتفاق على برنامج تمويل جديد مع صندوق النقد الدولي، والذي طالب في السابق بمزيد من المرونة في سعر الصرف قبل منح تمويل جديد. وقال دانيال ريتشاردز، الخبير الاقتصادي لدى بنك الإمارات دبي الوطني، وفق مذكرة بحثية، "لن يوفر البرنامج الجديد دعماً نقدياً مهماً على المدى القريب وحسب، بل سيوفر دعماً مهماً للسياسة في ما يخص الإصلاحات الحالية، كما يساعد في جذب المزيد من تدفقات المحافظ والاستثمارات الثابتة".