تتصدر الأغنية السياسية فى موريتانيا أدوات الفعل السياسي. تحمل كلماتها النقد اللاذع للخصوم السياسيين، وتتغني بأمجاد الحكام تارة فيما تصدح بها حناجر الجماهير في الميادين.
عرف الموريتانيون الأغنية السياسية منذ بواكير الدولة الوطنية في الستينيات من القرن الماضي، وعرفت أوج ازدهارها فى السبعينيات مع انتشار الفكر اليساري وحركة الكادحين، فكانت أغاني هؤلاء "الثوار" أقوى وسيلة لمجابهة النظام آنذلك.
ويرى الناشط السياسي والإعلامي أحمد بداها أن "الأغنية السياسية نشأت في السبعينيات في كنف حركة الكادحين، ومن خلالها وصل اليساريون إلى الشعب الموريتاني بمختلف مكوناته، ومن خلال الأغنية السياسية كُسر احتكار الفن من جانب بعض الأسر التي تتوارثه، إذ راح مغنون من خارج تلك الأسر يؤدون أغاني سياسية".
ويعتقد بداها أن "الأغنية السياسية تؤثر فى متذوقي الفن، ولا شيء يجزم بأنها تؤثر في القرار السياسي".
تأثير طاغ
ويرى الباحث الاجتماعي أحمد سالم عابدين، أن "الأغنية السياسية إحدى آليات الحشد، وقد اثبتت جدارتها في تاريخ البشرية، لأن العقل السياسي هو عقل عاطفي يتأثر بالخطابة المزدانة بجماليات اللحن والصوت، أكثر مما يتأثر بأي وسيلة إقناع أخرى".
ويضيف عابدين أن "الفعل السياسي غير عقلاني، كما يرى علماء النفس الاجتماعي، لأنه لا يخاطب المراكز الإدراكية المعرفية لدى المتلقى بل يخاطب غريزة الحشد الموجودة لدى الأفراد".
فرقة موسيقية مطاردة
وقبل سنوات أثارت أغاني فرقة موسيقية تدعى "أولاد لبلاد"، حفيظة الحكومة الموريتانية. ويؤكد محبو هذه الفرقة أن الحكومة ضيقت عليها، بل يتهمونها علانية بتلفيق قضية اغتصاب ضد عضو الفرقة حمادة ولد سيدي الذي سُجن ثم خرج من السجن من دون إدانة.
بينما ينفى ناشطون سياسيون مقربون من النظام الموريتاني أن يكون لحادث اعتقال المغني حمادة أي دواع سياسية. ويجزمون بأن الاعتقال جاء على خلفية تهمة جنائية تتعلق بـ"الاغتصاب وحيازة المخدرات".
وأدت حادثة التوقيف إلى فرار بقية أعضاء الفرقة إلى السنغال؛ خوفاً من ملاحقة السلطات الأمنية في موريتانيا، قبل أن ينضم إليهم المغني حمادة؛ ويطلبوا اللجوء فى كندا.
وما زالت أغاني "أولاد لبلاد" تنتقد الأوضاع السياسية في موريتانيا، وتهاجم الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز بشكل مباشر. على الرغم من استقرارهم فى منفاهم بكندا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بروباغاندا
لا يتردد عابدين فى اعتبار الأغنية السياسية خطاباً تأثيرياً دعائياً، ويُبرر رأيه بقوله أن "الأغنية السياسية تسعى إلى التأثير في الجماهير من خلال ثلاث حالات، أولها العدول عن رأي سياسي في اتجاه آخر منافس. وثانيها البقاء على رأي سياسي وتوطيد قوة الاعتقاد في نجاعته من طرف الأفراد، وأخيراً التشويش ومحاولة عدم الاقتناع بأي من الخطابات المطروحة.
انتشار كبير
لكن ما الذي يُسهم أكثر فى انتشار الأغنية السياسية؟ هل هي الكلمات أم الموسيقى والصوت، أم أن الحدث السياسي الذي تتناوله الأغنية هو الذي يجعل انتشارها يطير بها فى الآفاق الثقافية للمجتمع الموريتاني؟
ويرى بداها أن انتشار الأغنية السياسية "تُسهم فيه الموسيقى بالدرجة الأولى، والكلمات بدرجة ثانية".
وقبل سنوات، ظهر تنافس مبطن بين الغالبية والمعارضة في موريتانيا، على استقطاب أسماء معروفة فى الساحة الفنية لاستمالتها للتغنى بخطابها السياسي.
وعلى الرغم من الإغراءات الكثيرة التى بحوزة السلطة، إلا أن فنانين كباراً غنوا للمعارضة، وانتقدوا بأغانيهم الظروف السياسية والاقتصادية في البلاد.