Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

على الغرب أن يعمل مع الصين لـ"إنهاء استخدام الفحم" فالتهويل وحده لن يجدي نفعا

ممارسة دور قيادي بما يتعلق بالعمل في مجال المناخ تخدم مصالح الصين الخاصة على الوجه الأكمل

يتباهى خلفاء ثاتشر بأن اثنين في المئة فقط من الكهرباء يجري توليدها في محطات الطاقة التي تعمل بالفحم الحجري (رويترز)

 لم يمض وقت طويل على إغلاق مناجم الفحم في بريطانيا الذي أثار معارضة متحمسة رفع لواءها تقدميون. وصلت القسوة الباردة لسياسة تاتشر الاقتصادية واستخدام عنف الدولة ضد عمال المناجم المضربين ذروتها في تدمير قطاع [مناجم] الفحم وإبادة دوائر مجتمعية في نطاق الطبقة العاملة عن بكرة أبيها حيث كانت المناجم. وبات العديد منهم بعد سنوات المنسلخين، المنسيين، ممن صوتوا لصالح "بريكست".

 لا يزال آرثر سكارغيل، زعيم عمال المناجم الذي بلغ 83 سنة، يأسر جمهوره في الأوساط الاشتراكية الثورية بمهارته الخطابية التي تثير الحنين إلى الماضي. لكن على الرغم من جهوده، فإن عدوته اللدودة تاتشر هي التي تفيد حالياً من ذياع صيتها من جديد بعد وفاتها. وهي باتت تعتبر الآن قائدة وطنية رائدة لأنها استطاعت القضاء على صناعة الفحم منذ ذلك الوقت بوصفها فهمت، بالصدفة، أهمية تغير المناخ الذي يصنعه الإنسان بنفسه والحاجة إلى تعاون متعدد الأطراف لاحتوائه.

 ويتباهى حالياً من خلفوها بأن اثنين في المئة فقط من الكهرباء يجري توليدها في محطات الطاقة التي تعمل بالفحم الحجري، وهذا مؤهل أساسي لتأدية دور قيادي في مجال تغير المناخ في قمة "كوب 26". لربما قادت بريطانيا العالم في ميدان التصنيع الذي يعتمد على الفحم الحجري، بيد أننا الآن نقود عملية توجيه الاتهامات في الاتجاه المعاكس.

 ومن ثم، أدرك بوريس جونسون أن بريطانيا تقف على أرضية سياسية أقوى لإعلان الحرب على الفحم منها في تمويل التخفيف من أزمة المناخ والتأقلم معها في البلدان النامية. إنه يحب القول على صوت صليل السيوف إن الأشقياء الذين يتسببون في هذا الضرر موجودون في آسيا، وعلى وجه الخصوص في الصين، في الوقت الذي يلقى فيه استحساناً شعبياً من قبل بعض الناخبين لكونه قد خفض ميزانية المساعدات البريطانية. ولكن المساعدات البريطانية تحقق من النتائج على صعيد مساعدة الدول الأفقر على التعامل مع أزمة المناخ أكثر بكثير مما يستطيع خطاب أي رئيس وزراء أن يفعل على الإطلاق.

 إن إحراق الفحم لتوليد الطاقة أو لصناعة الفولاذ والأسمنت هو عنصر مساهم رئيس في انبعاث غازات الاحتباس الحراري. ويتكون جزيء الفحم من 100 في المئة تقريباً من الكربون؛ بينما تصل نسبة الكربون في البنزين أو الديزل إلى قرابة 80 في المئة؛ ويحتوي الغاز الطبيعي، وهو خليط من الميثان والإيثان، على نسبة 60 في المئة من الكربون تقريباً. ويجب أن تكون نسبة الكربون صفراً في مصادر الطاقة المتجددة، أي الطاقة المائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية والنووية.

 وأصبح الفحم بالنسبة إلى الاقتصادات المتقدمة، ما بعد الصناعية، حالياً مصدراً ثانوياً للطاقة. بيد أن البقايا الأخيرة لاستخراج الفحم الحجري واستهلاكه أثبتت أنها عنيدة بشكل لافت. هكذا ستواصل ألمانيا، حتى نهاية العقد الحالي، إحراق ما لديها من مخزونات الليغنايت التي تسبب قدراً كبيراً من التلوث. كما أن لدى اليابان مناجم فحم حجري صغيرة، عالية التكلفة. ويعتمد توليد 30 في المئة من الطاقة الكهربائية التي تستهلكها اليابان على الفحم المستورد في الغالب، الذي ازدادت أهميته بسبب المشكلات المتعلقة بصناعة الطاقة النووية في تلك البلاد. وفي غضون ذلك، تواصل اليابان تصدير تكنولوجيا حرق الفحم إلى أماكن أخرى.

 إن تعهد الرئيس بايدن بقيادة العالم خلال مرحلة ما بعد ترمب في هجوم خاطف على غازات الدفيئة، قد تعرض إلى الخطر بشكل شديد جراء معارضة زميله السيناتور الديمقراطي مانشين للتشريع المتعلق بكبح قطاع الفحم. وقد حمى مانشين مناجم فحم مفتوحة على درجة عالية من المكننة، في منطقة آبالاشين بولاية ويست فيرجينا، مع أن عدد العاملين فيها هو 14 ألف شخص فقط وذلك بعدما كان 100 ألف شخص يشتغلون فيها قبل عقود قليلة.

 وأستراليا هي بطل آخر في مجال الفحم الحجري. ولديها قدر ضخم من المكامن التي يجري تصدير معظم مخزوناتها (70 في المئة) إلى آسيا، فيما يشكل الفحم المتبقي لديها ثلاثة أرباع الوقود المستخدم في محطات الطاقة في البلاد. وقد أظهر السياسيون المحافظون شكوكاً حيال قضايا المناخ. واحتاج الأمر إلى استعمال أسلوب لي الذراع لكي يحضر سكوت موريسون رئيس الوزراء الأسترالي قمة غلاسكو ومن المقرر أن يكون داعية سلام حازماً في إطار "الحرب على الفحم".

 غير أن الرافضين [للتخلي عن الفحم] في أستراليا وآبالاشين قد منعوا العالم الغربي من تحويل الحرب على الفحم الحجري إلى حرب على الصين. والصين في صميم اقتصاد الفحم العالمي. فهي أنتجت في عام 2020 ما يقارب 3.4 مليار طن من الفحم، أي ما يعادل نصف كميته الإجمالية في العالم (وتلتها إندونيسيا بإنتاج تسعة في المئة؛ والهند ثمانية في المئة؛ ثم أستراليا بإنتاج ثمانية في المئة فقط؛ والولايات المتحدة سبعة في المئة). وبسبب الفحم، تعتبر الصين أكبر مصدر لانبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون في العالم، إذ تبلغ حصتها من هذه الانبعاثات نحو 28 في المئة ما يساوي ضعف حصة الولايات المتحدة منها تقريباً. وتفسر هيمنتها وجود هذه الجوقة الجديدة البغيضة من المشككين البريطانيين في المناخ ]التي تتساءل[ لماذا يجب أن نتكبد العناء بسبب واحد في المئة من الانبعاثات بينما لدى الصين 28 في المئة منها وهي [نسبة] تتزايد؟

 كما أنها تفسر أيضاً السخرية العفوية الكامنة في صميم دعوة جونسون بصوت جهوري إلى "جعل الفحم شيئاً من الماضي". إنه يعلم (لا بل يجب أن يعلم) أن هذا شيء قوله أسهل بكثير من فعله في الاقتصادات النامية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 دأبت الصين حتى وقت قريب على طرح الحجة الشائعة بين أعضاء مجموعة الـ77 دولة نامية، ومفادها أنها كبلاد فقيرة لا تتحمل مسؤولية التخلص من الفوضى المتراكمة التي أوجدها العالم الصناعي. غير أن الصين باتت حالياً تأخذ تغير المناخ ومساهمة الفحم [في ذلك] على محمل الجد فعلاً. ولا يعود هذا إلى تأثر قيادتها بالمناقشات الأخلاقية للبابا وغريتا ثونبرغ، بل إلى أنها ترى أن ممارسة دور قيادي بما يتعلق بالمناخ تخدم مصالح الصين الخاصة على الوجه الأكمل.

 والصين هي ضحية محتملة لتغير المناخ الذي يمكنه أن يؤدي إلى تفاقم الشح المزمن في المياه العذبة. ويتمخض إحراق الفحم عن أضرار بيئية وصحية جسيمة في الصين نفسها. ويقدر عدد الصينيين الذين يموتون قبل الأوان بسبب نوعية الهواء المروعة في المدن الصينية بـ750 ألف شخص. وتشعر قيادة الحزب [الحاكم] بالقلق من أن يفجر تلوث الهواء الغضب والاضطرابات العامة.

 وقد أشاد السير ديفيد كينغ، وهو كبير المستشارين العلميين للحكومة البريطانية سابقاً، بالسلطات الصينية لاتباعها سياسات أدت إلى خفض حصة الوقود الأحفوري في عمليات توليد الطاقة من 75 في المئة قبل 15 عاماً إلى 56 في المئة في الوقت الحالي. ويقول "لا يمكن للولايات المتحدة أن تدعي القيام بأي شيء يشبه الجهود التي بذلتها الصين". ولقد فرضت الصين سقفاً أعلى ونظاماً تجارياً لتسعير الكربون تجده الولايات المتحدة صعباً للغاية من الناحية السياسية. وإذ تملك الصين حالياً أكبر قطاع طاقة متجددة في العالم، فهي متقدمة أيضاً على صعيد تحويل الآليات إلى العمل بواسطة الكهرباء. وقد تم في عام 2017 إلغاء عدد من تراخيص بناء محطات ]صينية[ لتوليد الطاقة تعمل على الفحم في دول أجنبية وذلك من أجل تعزيز وتيرة إزالة الكربون. ولن تبيع الصين بعد اليوم محطات لتوليد الطاقة تشتغل على الفحم الحجري لدول أجنبية.

لكن على الرغم من التقدم في هذه المجالات، فإن التعافي الاقتصادي السريع في مرحلة ما بعد "كوفيد" قد كشفت عن ضعف الصين في مجال الطاقة في حال التخلي عن الفحم الحجري. وأدى النقص في كميات الفحم المتوفرة، الذي تفاقم بسبب استنزاف المخزون واختناقات النقل، إلى انقطاعات خطيرة في التيار الكهربائي أثرت في الصناعة وفي العائلات أيضاً. وكانت هناك زيادة كبيرة في واردات الغاز الطبيعي السائل لتحل محل الفحم (وأسهم هذا الطلب المتزايد بشكل غير مباشر في ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا). لكن، وبغرض ملء الفجوة الحالية في الطاقة، تمت الموافقة في الأشهر الستة الماضية على إنشاء 43 محطة جديدة لتوليد الطاقة تعمل على الفحم، كما أن المناجم الموجودة تشتغل حالياً بأقصى طاقتها.

 وسيستمر معدل استخدام الفحم في الهبوط (بشكل نسبي إن لم يكن بصورة مطلقة) على المدى الطويل، وسيجري استبدال مصادر طاقة متجددة أرخص به. وفي هذه الأثناء، يجب أن تتدبر السلطات ديون "الأصول العالقة" في صناعة الفحم وحماية مستقبل 2.6 مليون من عمال مناجم الفحم وعائلاتهم. ولا يستطيع حتى الرئيس القوي شي جينبينغ أن يتجاهلهم. قد يشتكي الغرب من "الافتقار إلى الطموح" في الهدف الذي اتخذته الصين والمتمثل في تصفير انبعاثات الكربون مع حلول عام 2060 وبلوغ ذروة الانبعاثات في عام 2030، لكن في غياب حصول اختراق في مجال احتجاز الكربون أو "الفحم النظيف"، فإن هذين الهدفين يمثلان اثنين من التحديات الهائلة حتى بالنسبة إلى نظام استبدادي.

 ليست الصين وحيدة، فالهند ودول آسيوية أخرى سريعة النمو مثل إندونيسيا وفيتنام، تواجه أيضاً تحديات خطيرة. وتنتج الهند حالياً 720 مليون طن من الفحم، كما تستورد نحو 220 مليون طن، في الأقل لإمداد صناعة الفولاذ. ويوفر الفحم نحو 70 في المئة من احتياجات البلاد من الكهرباء. وكما هي الحال في الصين، فإن الهند واجهت نقصاً حاداً في الطاقة وحالات القصور في الفحم خلال مرحلة ما بعد "كوفيد". وكما هي الحال أيضاً في الصين، لا بد من وجود احتمال استبدال مصادر طاقة متجددة أرخص بالفحم إذا استطاع قطاع الطاقة لديهم المعروف بعدم كفاءته أن يربط هذه المصادر الجديدة بالشبكة. وبشكل عام، تعتبر الهند أقل استعداداً من الصين لإزالة الكربون.

 تجعل هذه الأرقام الهائلة إضرابات عمال المناجم البريطانيين أكثر وضوحاً، وهي الإضرابات التي ألبت حكومة تاتشر على العمال في صناعة كانت توظف في ذلك الوقت 200 ألف شخص فقط. واستغرق الأمر 30 سنة أخرى لوصول صناعة استخراج الفحم إلى خواتيمها. لدى الهند ستة أضعاف هذا العدد من عمال المناجم الذين كانوا يعملون عندنا، وفي الصين 13 ضعفاً للعدد ذاته، وهم جميعاً عمال تحتاجهم البلاد للتنمية وللحفاظ على الإضاءة وعلى الصناعة مستمرة في عملها.

 من المفارقات الغريبة أن تهاجم الدول الغربية الصين لفشلها في التحول إلى ديمقراطية ليبرالية، لكنها تطالبها بالقضاء على العمالة بطريقة لم تستطع أي ديمقراطية على الإطلاق أن تتبعها. وإذا كانت قمة "كوب 26" سترسم مساراً حقيقياً نحو "إنهاء الفحم"، فإنها ستحتاج إلى الاعتراف بهذه الحقائق. ومجرد الصراخ بعبارة "توقف" أمر مثير للسخرية ولن يؤدي إلا إلى توحيد آسيا النامية (بما في ذلك الصين) بشكل أكبر ضد الغرب.

السير فينس كايبل هو زعيم سابق للديمقراطيين الأحرار، وشغل منصب وزير الأعمال والابتكار والمهارات من عام 2010 إلى عام 2015

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء