بعد مشوار دراسي طويل دام 18 سنة، تخرج زكرياء طالبي في الجامعة حاملاً شهادة الماستر في تخصص "جغرافيا وتهيئة الإقليم". وقال، "وجدت نفسي أواجه شبح البطالة منذ تخرجي قبل سنتين. بحثت عن فرص عمل، لكن كل الأبواب موصدة، خصوصاً في مجال تخصصي، بحكم أنه من التخصصات المستحدثة في الجزائر أخيراً".
وصارت البطالة بالنسبة إلى زكرياء وأمثاله من الشباب، شبحاً حقيقياً في ظل غياب راتب شهري يسد احتياجاتهم، ووجد في "منحة البطالة فرصة ولو على بساطتها قد تمكن البعض على بدأ مشروع صغير قد يكبر مع مرور الوقت". وقال إن "المنحة أتت في وقتها، لأننا نعيش الآن مرحلة تداعيات أزمة كورونا، فمعظم القطاعات الاقتصادية تعاني، ولا يمكنها توظيف عمال كما كانت في السابق، بالتالي فإن إقرارها في هذا الوقت كان مناسباً جداً".
منحة الـ100 دولار
ويرتقب أن تصرف الجزائر منحة للعاطلين عن العمل بدءاً من شهر مارس (آذار) المقبل، بقيمة 13 ألف دينار جزائري (نحو 100 دولار)، للفرد إضافة إلى التغطية الصحية. وقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في لقاء صحافي، بثه التلفزيون الحكومي مساء الثلاثاء 14 فبراير (شباط) الحالي، "كنا أول دولة بعد أوروبا تؤسس هذه العلاوة، لكي يتحصل الشباب على شبه مرتب لصون كرامتهم"، بحيث خصص قانون الموازنة العامة لعام 2022، نحو 142 مليار دينار (نحو مليار دولار) لتغطية نفقات منحة العاطلين عن العمل.
وأوضح أن منحة العاطلين يستفيد منها حاملو الشهادات المتخرجون في الجامعات ومراكز التدريب، المسجلين لدى وكالة التشغيل (حكومية)، البالغ عددهم 620 ألفاً، وستشمل موظفي العقود المؤقتة، التي يصطلح عليها بـ"عقود الإدماج" لدى الهيئات والإدارات الحكومية، والذين وصل عددهم إلى نحو 180 ألفاً.
ضبابية حول شروط الاستفادة
ولا يزال الغموض يلف شروط الاستفادة من المنحة، ظهر ذلك عقب صدور مرسوم تنفيذي في الجريدة الرسمية يتضمن شروط الاستفادة منها، قبل أن يتم حذفه، ما يعني أنه لم يتم الفصل في الملف نهائياً.
وجاء في المرسوم المحذوف أنه يشترط على البطال للاستفادة حمله الجنسية الجزائرية، والإقامة في الجزائر، وأن يتراوح عمره ما بين 19 و40 عاماً، كما يستفيد أيضاً من منحة البطالة المحبوسون الذين استوفوا مدة عقوبتهم ولا يتوفرون على دخل.
وفي حال أي تصريح كاذب أو تزوير من قبل طالب منحة البطالة وهذا للاستفادة منها، فإنه يترتب على ذلك وقف دفع المنحة واسترداد المبالغ المـحصلة دون وجه حق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على الجهة المقابلة، قال وزير التشغيل الجزائري، يوسف شرفة، في تصريح للتلفزيون الحكومي، الجمعة 18 فبراير، إن "الاستفادة من منحة البطالة تخص كل الشباب دون تمييز سواء حاملي الشهادات أو غيرهم العاطلين عن العمل والمسجلين في وكالات التشغيل المحلية (حكومية)، وتتم العملية عن طريق نظام رقمي للتواصل مع المسجلين ولمراقبة عمليات التحايل المحتملة".
خوف من الاتكالية
ومنذ الإعلان عنها، تثير منحة البطالة نقاشات عدة، لم تمنع بروز مخاوف من تحولها إلى "ورقة سياسية" بهدف امتصاص غضب الشباب البطال بدلاً من معالجة مشكلة التشغيل بشكل جدي.
في السياق، يذكر الناشط السياسي، هشام مطروح، أن "الشباب في حاجة إلى فرص عمل حقيقة، لا يمكن توفيرها إلا بجلب استثمارات كافية لامتصاص البطالة، وكان حرياً بالحكومة أن تعمل على تحسين مناخ الأعمال ورفع الحواجز البيروقراطية وتخفيف الضرائب وإصلاح العدالة وتطوير النظام البنكي وخفض التوتر السياسي الذي تعيشه البلاد".
وبرأيه فإن "هذه المنحة قد تفضي إلى مزيد من الاتكالية التي يعانيها الشباب الذين يرفضون العمل في الفلاحة وقطاع البناء وفي كثير من الحرف التي يتم اللجوء فيها إلى العمالة الأجنبية".
ولفت إلى أن "الظاهر أن سياسية اشتراء السلم الاجتماعي والموروثة من العهد السابق (فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة) ما زالت مستمرة، في ظل تخوف من عودة الاحتجاجات إلى الشارع الجزائري بعد تراجع ضراوة فيروس كورونا واستفحال الوضع الاقتصادي بسبب التضخم والركود والبطالة".
هل تنهي المنحة الاحتجاجات؟
وقال الصحافي محسن صخر، إن "المبلغ المقدم للعاطلين سيغطي نفقاتهم اليومية التي كانت تشكل عبئاً بالنسبة إليهم، بينما الحقيقة أنه لا بد من تشجيع الشباب على العمل، ليس بالضرورة في المؤسسات النفطية كما يطالب البعض، لكن في المصانع والمؤسسات الخاصة". وأضاف أن "قرارات الحكومة توحي أحياناً أنها غير مدروسة ومتسرعة، إذ إن منحة البطالة قد تشجع الشباب على عدم الرغبة في العمل، وقد تشجعهم كذلك على التصريح الكاذب، بخاصة للذين يعملون في المهن الحرة".
من جهة أخرى، ربطت المنظمات الحقوقية والمدافعة عن حقوق العاطلين عن العمل، الخطوة باعتبارات سياسية، لها علاقة بالاحتقان الاجتماعي، في محاولة للتقليل من حدة الاحتجاجات التي تشهدها بعض المناطق من فترة إلى أخرى للمطالبة بمناصب عمل، وتحسين المستوى المعيشي والحق في التنمية، وهو ما تعرفه ولاية ورقلة عاصمة النفط جنوبي الجزائر باستمرار، من خلال تنظيم الشباب البطال لاحتجاجات تطالب بأحقية أبناء المنطقة بالتوظيف في الشركات النفطية، إلا أن لدى الحكومة نظرة مغايرة، إذ تقول إن هذا القرار حل لامتصاص البطالة في البلاد، التي وصل معدلها إلى 12 في المئة، لا سيما في ظل بطء وتيرة الاستثمارات الخلاقة لمناصب العمل والركود الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا. وذكر الوزير الأول الجزائري (رئيس الحكومة) أيمن بن عبد الرحمن في تصريحات إعلامية سابقة، أن "هذه المنحة جاءت بسبب الوضعية الهشة لبعض الشباب الذين يبحثون عن الشغل"، كما أوضح أن "الدولة وجب عليها أن توفر لهم أساسات الحياة الكريمة حتى يجدوا منصب عمل".