Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حرب الفيمينست الأخيرة" رواية فانتازية عن وباء انقراض الذكور

منذر السليمان يخلط بين أزمنة وشخصيات متخيلة ووقائع الحرب السورية

لوحة للرسام بولديرو (صفحة الرسام على فيسبوك)

يرن هاتف منزل الطبيب البرازيلي رودريغو، في ريو دي جانيرو، يوم الجمعة فجر الرابع من يوليو (تموز) 2036، وبما أن الزمن يسير بالعكس، يشعر بخطر، فيخبره المتصل بضرورة القدوم إلى المستشفى، وأن الزملاء الأطباء من التخصصات كافة تم استدعاؤهم لأمر خاص. وإذ وصل المستشفى زاد شعوره بالخطر. وبالفعل كانت قد بدأت تصل حالات في وضع الخطر، وسرعان ما بدأت حالات الوفاة تتزايد، وبات أن المستشفى وعدداً من المستشفيات عاجزة عن فعل أي شيء للمصابين. ودخل الأطباء في حيز الإصابة والوفاة، ليتبين أن فيروساً غريباً يستهدف الرجال/ الذكور فقط، ويقضي على منطقة الحوض والأنسجة. وانتشر الفيروس في المدينة، ثم في مدن أخرى، في تصاعد درامي، بل تراجيدي، الأمر الذي يحيلنا إلى وباء كورونا ومتحوراته، وما مر عبر التاريخ من أوبئة فتاكة، لم يتمكن العلم والطب من مواجهتها.

يكتب منذر السليمان، في روايته الأولى هذه "حرب الفيمينست الأخيرة"، )دار فضاءات، عمان(، متنقلاً بين عالم الفيمينست، ونساء "حركة المرأة الأرض" الشهيرة في الرواية، وما تحمله من حروب "ذكورة/ أنوثة"، تجري في البرازيل وبأسماء شخصيات برازيلية، والحروب الجارية في بلده سوريا، من دون ذكر اسم سوريا على الإطلاق. فهي في الرواية بلد في الشرق الأوسط وحروب بين قوات حكومية ومعارضة تتصف أحياناً بأنها راديكالية. وهكذا فنحن حيال أشكال من حروب الفيمينست، وحروب الطوائف والمذاهب في الظاهر، لكنها حروب الأنظمة الفاشية على الشعوب في دول وبلدان تعاني أبشع أشكال الفساد والتوحش، وبلا أي رادع.

تبدأ قصة "آدم"، من لحظات معاناة والده مع الوباء، وإلقائه جنيناً في رحم زوجته (أليساندرا)، فتنجو به ويختفيان في "جزيرة الجد، حيث كل ما يحتاجه الإنسان المرفه"، إلى أن يجري اكتشافهما واختطافهما على يد مجموعة من الفيمينست، كارهات للرجال، بينما "آدم" يكون الرجل الوحيد في الكون، وعليه إنقاذ البشرية من الانقراض، بأثر الوباء الذي أودى بحياة كل الذكور. كيف تقاتل المرأة لإنقاذ البشرية، ولو باستغلال جسد، أي ذكورة الرجل/ الذكر الوحيد المتبقي على وجه الأرض؟ بينما ثمة من تلتفت إلى إنسانيته جنباً إلى جنب الحاجة إلى ذكورته؟ والتوهان والمراوحة بين الرؤيتين والسلوكين؟

حرب ذكورة/ أنوثة

قارئ رواية الكاتب السوري منذر السليمان المقيم في الأردن، هذه "حرب الفيمينست الأخيرة"، وبعد قطع عشرات الصفحات من التعريف بالوباء الذي أفنى نصف البشرية، أي جميع الرجال/ الذكور في هذا الكون، فلم يبقَ فيه سوى النساء/ الإناث، وقبل أن تقترب الرواية من المنتصف، يتكشف أمام القارئ مركز هذه الرواية، ومحورها الرئيس، وهو وجود رجل/ ذكر وحيد تبقى في ظل هذه "الأنثوية" التي تعاني الوحدة، في غياب نصفها الآخر (الذكر) الذي قضى الوباء على "جنسه". والذكر الوحيد المتبقي باسم آدم مطلوب منه إنقاذ البشرية من الانقراض، وليس الانقراض سوى بسبب مواد قامت النساء بتصنيعها في مختبرات متطورة. ويحاولن الآن الحصول منه، وبكل السبل الممكنة، على نطفة حيوان منوي، حتى عن طريق اغتصابه.

وعلى الرغم من غرائبية فكرة الصراع، واستحالة تحققها واقعياً، فهي الفانتازيا التي اشتغل على جوانب منها جوزيه ساراماغو في روايته "العمى" وروايته "انقطاعات الموت"، في الأقل لجهة سريالية الفكرة ومعالجتها، وإن اختلف منذر في اختيار زاوية المعالجة، بحيث يذهب ساراماغو في الفلسفة والشعر، بينما يغرق الكاتب السوري في وصف خطاب "النسويات" وسلوكهن في خطاب نسوي وشاذ تماماً. فقد انقسمت هؤلاء اللواتي يردن ما يعتقدن أنه حق لهن، وبالقوة والعنف، بينما تبرز في المجموعة واحدة تختار الحب للحصول على ما يرغبن فيه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في البداية شعر البطل "آدم" أنهن يتعاملن معه "كثور تلقيح"، وأن "فتاة عارية مستلقية فوقي"، وثمة "محاولة اغتصاب"، لكن ثمة "نشوة مع شعور بالمهانة، فثمة ست فتيات يتناوبن عليه ليقوم بتلقيحهن، فيجد أنه يقوم بـ"الفعل الآلي بأحاسيس باردة"، و"في موضع المستباح بحسب رغباتهن"، فيتمرد، ويتذكر قصة الطائرين العاشقين والتزاوج الذي تشرحه أمه، أستاذة الفلسفة، عن البشر وأولويات الحب والتفاهم، محاولة التمرد على اقتحامهن له، عبر حيلة الاستغراق في الذكريات والتفكير. فهو وحيد بين عشرات آلاف النساء، تحاول كل منهن الوصول معه إلى الهدف. لكن سؤال إنقاذ البشرية بطريقتهن، بالنسبة إليه وإلى أمه، ليس فعلاً أخلاقياً، كما يظل "آدم" يكرر!

قصص الرعب

العودة إلى حروب المنطقة، تتم من خلال بعثات طبية تسافر في مهمات إنسانية، وتتعرض للمعاناة المأساوية، فنقرأ وقائع وحوادث شديدة الواقعية، سواء في ما يخص ممارسات النظام أو سلوك بعض فصائل المعارضة. في هذا الإطار نقرأ، ونشاهد كما لو شريط فيديو، قصة الطبيبة أليسون كارليل (كوبيلي، التي ترمز إلى إلهة الطبيعة والخصوبة التي عبدت في آسيا الصغرى، وجسدت الفكر المتعلق بالحياة)، ولدت عام 1979 في اسكتلندا، درست في كلية الطب في أدنبرة وتخرجت عام 2006. وفي 2012 انتقلت إلى الشرق الأوسط (سوريا) لتسهم في معالجة مصابي الحروب. ونشاهدها مع الدكتور عبد الكريم، ونرى مشاهد لمقاتلين من فصائل المعارضة المسلحة، وجماعة مسلحة تختطف الفريق الطبي نحو المجهول، وسلاح الجو التابع للقوات الحكومية... عبد الكريم يناقش عرضه الزواج من كوبيلي وهو متزوج وزوجته وطفله في أوروبا، وأليسون تنظر في صدع بجدار قريب منهما، انعكاساً لرؤيتها إلى عبد الكريم خصوصاً، وإلى علاقة الرجل بالمرأة عموماً.

 أفكار وصور

في مدينة "الراديكاليين" صيف 2015، يتم نقل الدكتورة أليسون مع رجلين إلى مكان مجهول، ويبدو أن المشهد يحتوي على ملامح اغتصابات جنسية، مما يضطرها للعودة إلى بريطانيا. وتعود في "فلاش باك" إلى زوج أمها وتحرشاته القاسية بها، وتتناول الصراعات، فترى أنها ذات طبيعة عرقية عقدية في الظاهر، وأن قيم الحرية ومفاهيمها ومجمل الأخلاقيات هي ستار جميل متقن الصنع أبدعه الإنسان ليخفي وجهه القبيح/ الحقيقي. ما يجعلها تصرخ "الرجال يضعون قوانين الحروب والنساء أكبر الضحايا".

وقبل الختام، يلتفت القارئ إلى علاقة سيلفيا مع آدم، وسيلفيا هي إحدى النسويات اللاتي أنقذن الرؤية الإنسانية والأخلاقية لعلاقة الرجل مع المرأة. فهي منذ البداية تحاكم ذاتها ومجموعتها، وتفجر أسئلتها حول علاقتها به. وكانت أحياناً تنتهك خصوصيته وتراقبه بالكاميرات من مكتبها، وما تفعل الفتيات معه لتحقيق ذلك الهدف الأسمى، وسحب الحيوانات المنوية بالإبرة.

تنتهي الرواية بخروج آدم من القصر/ السجن الذي اعتقلته فيه هؤلاء النسوة، يخرج في أجواء احتفالية أسطورية، لما يمثله من فرادة ورغبة في الحياة، بعيداً من قيود المجتمعات الذكورية والأمومية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة