على مدى الأسبوع المنصرم، احتل تشغيل شبكة اتصالات الجيل الخامس في الولايات المتحدة صدارة النقاش، فوصلت تردداته إلى العالم كله، على وقع مخاوف وتحذيرات من "تأثير مدمّر" في سلامة الطيران، إذ إن أي تداخل محتمل لإشارات هذه التكنولوجيا قد يؤثر في قراءة الارتفاعات التي تلعب دوراً مهماً في هبوط بعض الطائرات أثناء الطقس السيّء، وأبرزها "بوينغ 777"، ثاني أكثر الطائرات ذات الجسم العريض استخداماً في الرحلات الجوية من وإلى المطارات الأميركية عام 2021.
ومع اقتراب موعد إطلاق الشبكة في 19 يناير (كانون الثاني)، سارعت شركات عدة من حول العالم إلى إلغاء رحلاتها إلى الولايات المتحدة، وأخرى أعادت جدولتها، فيما استبدلت بعضها طائراتها المتجهة إلى الأراضي الأميركية بطرز أخرى لا خطر عليها من الجيل الخامس.
وإثر الارتباك في قطاع الطيران الأميركي، تداركت شركتا الاتصالات "آي تي أند تي" و"فرايزون"، الأزمة وتجاوبتا مع مطالب القطاع، فوافقتا على تأجيل تشغيل بعض أبراج الاتصالات اللاسلكية قرب المطارات.
حل مؤقت لأزمة لن تنتهي إلا بحلول دائمة، تجنب قطاع الطيران العالمي الارتباك الذي شهده هذا الأسبوع.
ماذا حصل؟
في أوائل عام 2021، باعت الولايات المتحدة لشركات الهواتف المحمولة ترددات الجيل الخامس متوسطة المدى، التي تستخدم الموجات الدقيقة في نطاق 3.7 و3.98 جيغاهرتز، وذلك في مزاد جمع حوالى 80 مليار دولار.
تلقّفت إدارة الطيران الاتحادية الأميركية الخبر بالتحذير من أن النطاق المعتمد لإشارات الجيل الخامس قد يشكّل خطراً على سلامة الطيران. فأجهزة قياس الارتفاع في عدد من الطائرات تعمل وفق موجات دقيقة في نطاق 4.2 و4.4 جيغاهرتز، وهو نطاق قريب جداً من نطاق شبكة الجيل الخامس، ما يهدّد في أن تتداخل إشاراتها مع هذه الأجهزة التي تقيس مدى ارتفاع الطائرة عن الأرض، وتشكّل بالتالي خطراً على عمليات الهبوط، لا سيما في ظروف الطقس العاطلة وخلال العواصف، حين تكون الرؤية سيئة.
وفي ضوء الخطر الذي تشكّله، حدّثت إدارة الطيران الاتحادية إرشاداتها المتعلقة بالجيل الخامس، لتمنع استخدام أجهزة قياس الارتفاع في نحو 40 من أكبر مطارات الولايات المتحدة، وهو أمر حذرت شركات الطيران الأميركية من أنه سيربك ما يصل إلى 4 في المئة من الرحلات اليومية في البلاد، ويعرّض مئات الرحلات وآلاف الركاب للإلغاء أو التحويل أو التأخير.
الطائرات المتأثرة
إرشادات إدارة الطيران الاتحادية تسمح للطائرات المزودة بأجهزة قياس ارتفاع دقيقة وموثوقة بالتحليق والهبوط في مطارات توجد قربها أبراج لشبكة الجيل الخامس. لكن تلك التي تحتوي أجهزة قياس قديمة تعمل بالإشارات اللاسلكية، فلا يُسمح لها بالهبوط في ظل ظروف الرؤية المنخفضة، بالتالي لن تستطيع الوصول إلى عدد كبير من المطارات الأميركية.
ومن أبرز الطائرات المتأثرة بهذه الإرشادات، طائرتا "بوينغ" من طراز "777" و"747-8".
وإثر هذه الإرشادات، علقت شركات طيران رحلات عدة إلى الولايات المتحدة أو غيّرت طراز طائراتها المستخدمة، ومن بينها "طيران الإمارات"، أكبر مشغل لطائرة "بوينغ 777" في العالم.
ماذا تقول شركات الاتصالات؟
على وقع الإرباك الذي تسبّبت به هذه المخاوف، وافقت شركتا "آي تي أند تي" و"فرايزون" على إرجاء تشغيل بعض أبراج الاتصالات اللاسلكية قرب مطارات كبيرة، شملت جون كينيدي ولاغوارديا في نيويورك ولوس أنجليس وأوهير وميدواي في شيكاغو وسان فرانسيسكو وسياتل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"آي تي أند تي" و"فرايزون" تؤكدان من جهتهما أن شبكة الجيل الخامس شُغلت في نحو 40 دولة أخرى من دون أن تؤثر في حركة الطيران. لكن سعياً لإتاحة المجال للتوصل إلى حل دائم، وافقتا على إنشاء مناطق عازلة حول 50 مطاراً في الولايات المتحدة، على غرار ما حصل في فرنسا، وذلك لمدة ستة أشهر.
وهنا السؤال البديهي: لماذا إذاً لم تشكل شبكة الجيل الخامس مشكلة في الدول الأخرى؟
الجواب متعلق بنطاق الموجات الدقيقة. فالاتحاد الأوروبي مثلاً، وضع عام 2019 معايير لترددات الجيل الخامس متوسطة المدى في نطاق 3.4 و3.8 جيغاهرتز، وهو تردد أقل من المقرر طرحه في الولايات المتحدة (3.7 و3.98 جيغاهرتز). ولم تشكل الشبكة حتى الآن أي مشكلة في دول الاتحاد الـ27.
في كوريا الجنوبية كذلك، حُدّد تردد اتصالات الهواتف المحمولة للجيل الخامس بنطاق 3.42 و3.7 جيغاهرتز، ولم يتم الإبلاغ عن تداخل الإشارات مع موجات الراديو منذ طرح الشبكة في أبريل (نيسان) 2019.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنه كل ما ارتفع نطاق الموجات الدقيقة، كلما زادت سرعة الإنترنت التي تتيحها شبكة الاتصالات.
ما الحل؟
على المدى القصير، أتاح اتفاق "آي تي أند تي" و"فرايزون" مع إدارة الطيران الاتحادية، تحديد لائحة تضم ما لا يزيد على 50 مطاراً يُعتقد أن الجيل الخامس قد يؤثر في الملاحة فيها، لتعتمد في جوارها "مناطق عازلة" لا تحتوي أبراجاً للشبكة الجديدة، وذلك حتى الخامس من يوليو (تموز)، علماً أن هذه المهلة غير ملزمة لشركتي الاتصالات، إذ لهما الحق وفق الاتفاق بالتراجع عنها.
لكن على المدى الطويل، ممكن لإدارة الطيران الاتحادية أن تسمح للرحلات التجارية بالهبوط منخفض الرؤية في المطارات المعنية بشبكات الجيل الخامس من دون قيود.
وهذا ما يبدو أن الأمور ستتجه إليه. ففي اليوم الأول لإطلاق الشبكة في 19 يناير، قالت شركات طيران أميركية إن نشر خدمات الجيل الخامس أسفر عن تأثير بسيط فقط في السفر الجوي، إذ أصدرت إدارة الطيران الاتحادية موافقات جديدة للسماح بعمليات هبوط مرتبطة بالطقس السيّء وعدم وضوح الرؤية.
وأوضحت الإدارة أن زيادة الموافقات الممنوحة لطائرات "بوينغ" و"إيرباص" تعني إمكانية هبوط 62 في المئة من الطائرات التجارية الأميركية بسبب الطقس السيّء في بعض المطارات، ارتفاعاً من 45 في المئة في وقت سابق.