عندما ظهر قطار الشحن بدا مثل العديد من القطارات الأخرى في محور السكك الحديدية في العديد من الدول الأوروبية، لكن شيئاً واحداً جعل القطار غير عادي، إذ تبدأ رحلته على بعد أكثر من 9600 كيلومتر في غرب الصين متجهاً إلى أوروبا.
وكان القطار يحمل أكثر من 30 حاوية، كل منها مليء بالبضائع مثل بالونات الحفلات وقطع غيار السيارات، من شيان (الصين) إلى باريس. وقد سافرت عبر الصين وكازاخستان وروسيا وبيلاروس وبولندا وألمانيا وفرنسا، واستغرقت الرحلة خمسة أسابيع ونصف الأسبوع.
وكشف تقرير حديث عن أن شحنات القطارات الطويلة غير العادية بين الصين وأوروبا أصبحت في الوقت الحالي أكثر شيوعاً بسبب الوباء الذي يمر به العالم، وتبحث الشركات التي تحتاج إلى نقل البضائع بين الاقتصادات الضخمة عن بدائل للطرق الجوية والبحرية المعقدة والمكلفة.
حركة القطارات تقفز 82 في المئة
ورأى إكسافير واندر بيبن، مدير قطارات الشحن بين الصين وأوروبا في شركة السكك الحديدية الوطنية الفرنسية "أس أن سي أف"، أنه "قبل خمس سنوات، كانت هناك ثمانية قطارات يومياً بين الصين وأوروبا، والآن يوجد 1820 قطاراً يومياً".
وتحظى شحنات السكك الحديدية بشعبية خصوصاً لدى الشركات التي تحتاج إلى نقل البضائع القابلة للتلف أو الحساسة لعنصر الوقت، ولا تريد دفع ثمن الشحن الجوي الذي أصبح أكثر كلفة. ويمكن للحاويات أن تسافر بين أوروبا والصين عبر السكك الحديدية في أقل من 20 يوماً، في حين أن الرحلة عن طريق البحر يمكن أن تستغرق ما يصل إلى 70 يوماً مع الاضطرابات الناجمة عن الوباء، لكن السكك الحديدية لها حدودها، إذ لا يمكن للقطارات أن تحمل العديد من الحاويات مثل السفن، كما أنها ليست محصنة ضد المشاكل اللوجستية المتعلقة بالوباء.
وتتبعت شبكة "سي أن أن" حركة القطار المتجه من الصين إلى فرنسا، ووفق الشبكة، فقد تأخر وصوله إلى باريس بنحو أسبوعين بسبب مشاكل حركة المرور على القضبان، وعمليات التفتيش الجمركية المطولة على الحدود البولندية ونقص سائقي القطارات في ألمانيا بسبب الوباء.
لكن مزيداً من القطارات ما زالت آتية، وقد تم إطلاق خدمة السكك الحديدية بين الصين وأوروبا عام 2011 كجزء من برنامج طريق الحرير، وتوسعت خدمة السكك الحديدية بين الصين وأوروبا بسرعة، إذ تسبب الوباء في تخريب سوق الشحن العالمية، ما جعل إرسال المنتجات عبر البحر أكثر تكلفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق البيانات، فقد تم إجراء 15000 رحلة قطار شحن قياسية بين الصين وأوروبا عام 2021، بزيادة نسبتها 82 في المئة على إجمالي ما قبل الوباء في عام 2019، وفقاً لوسائل الإعلام الحكومية الصينية. وحملت القطارات نحو 1.46 مليون حاوية، وكان عدد القطارات قد تضاعف بين فرنسا والصين بين عامي 2019 و2021، على الرغم من وصول فرنسا إلى السوق في وقت متأخر عن الدول الأوروبية الأخرى.
وتتسبب الزيادة الحادة في حركة السكك الحديدية بالفعل في الاكتظاظ ما يضع البنية التحتية تحت الضغط، ما يعني أن القطارات بين أوروبا والصين لا تقدم سوى بديل محدود للسفن، أكبرها تحمل أكثر من 20000 حاوية طولها 20 قدماً.
ويجب تحويل الحاويات التي تنتقل بين أوروبا والصين إلى عربات سكك حديدية جديدة مرتين، مرة على الحدود بين الصين وكازاخستان، ومرة أخرى على الحدود بين بولندا وبيلاروس، إذ تستخدم دول الاتحاد السوفياتي السابق مقياساً للسكك الحديدية مختلفاً عن الصين وأوروبا.
من أزمة إلى فرصة
في الوقت نفسه، لا تزال الشبكة الواسعة من المواني وسفن الحاويات وشركات النقل بالشاحنات التي تنقل البضائع في مختلف أنحاء العالم متشابكة بشدة بعد عامين من انتشار كورونا، كما ارتفعت تكلفة الشحن بشكل كبير. ويقول فيليكس بابير، أستاذ إدارة سلسلة التوريد في كلية "إي أس أس أف سي" للأعمال في فرنسا، "لدينا ازدحام في المواني البحرية، ولدينا نقص في الحاويات بسبب ارتفاع أحجام النقل، ولدينا أيضاً نقص في العاملين في مجال الخدمات اللوجستية في قطاعات مختلفة حول العالم".
وتشير بيانات المعهد الوطني للدراسات الإحصائية والاقتصادية إلى تراجع إنتاج الشركات الفرنسية بنسبة 45 في المئة بسبب أزمات وصعوبات التوريد، وهذا هو أعلى مستوى منذ أن بدأ المعهد في إصدار مثل هذه البيانات في عام 1991، واعتباراً من السادس من يناير (كانون الثاني) الحالي، أصبح نقل البضائع عن طريق البحر أكثر تكلفة بكثير، فقد كان متوسط تكلفة نقل حاوية شحن قياسية يبلغ طولها 40 قدماً على ثمانية طرق رئيسة نحو 9408 دولارات، أي خمسة أضعاف ما كان عليه قبل اندلاع الوباء في أوائل عام 2020، وفقاً لشركة "دريوري شيببينغ"، ومقرها لندن.
وللمقارنة، فإن نقل حاوية واحدة من الصين إلى باريس عبر السكك الحديدية يكلف نحو 8000 دولار، في الاتجاه الآخر، انخفض هذا المبلغ إلى ما يقرب من 2000 دولار بفضل الدعم الحكومي الصيني الذي يهدف إلى تشجيع الشركات الأوروبية على استخدام القطار للتصدير إلى الصين، وهذا جعل القطارات أكثر جاذبية.
هل يمكن تطبيق التجربة مع أميركا؟
لكن شركة "لاين روزيت" الفرنسية لصناعة الأثاث الفاخر هي إحدى الشركات التي تقف وراء زيادة الطلب، ومنذ بداية الوباء، واجه نيكولاس مازوير، رئيس قسم النقل بالشركة، ارتفاع الأسعار ومحدودية مساحة الشحن لتقديم الأرائك والكراسي للعملاء في مختلف أنحاء العالم، وقال وفق بيان، "إنها المرة الأولى التي أواجه فيها مثل هذا الوضع".
وعند التسليم للعملاء في الصين، وهي سوق تمثل ما يقرب من 20 في المئة من الأعمال التجارية العالمية للشركة الفرنسية، كانت السكك الحديدية المنقذ للشركة، التي بدأت في استخدامها عام 2020، وأضاف، "يتوقع جميع عملائنا الصينيين أن نقدم لهم الخدمات بسرعة، وتقدم حلول السكك الحديدية ميزة حقيقية، حتى لو كان هناك عدد أقل بكثير من القطارات، إنها ميزة حقيقية من حيث الوقت".
ومن مصنع الشركة الفرنسية خارج مدينة ليون، يمكن إرسال منتجات على قطار شحن إلى الصين، التي عادة تستغرق من أربعة إلى خمسة أسابيع فقط للوصول إلى وجهتها. لكن إذا تم الشحن عن طريق البحر، فسيتعين على الشركة أولاً نقل الحاويات على بعد أكثر من 300 كيلومتر تقريباً جنوب ساحل البحر الأبيض المتوسط، ومن الممكن حدوث تأخيرات تصل إلى شهر واحد إذا تخطت سفن الشحن الميناء بالقرب من مارسيليا، وهو حدث شائع بشكل متزايد خلال الوباء، وأضاف مازوير، "أتمنى أن يكون هناك حل مماثل للسوق الأميركية".
القطارات عادت بقوة
ومع دخول الوباء عامه الثالث وارتفاع الحالات بسرعة بسبب المتحورة الجديدة لفيروس كورونا "أوميكرون"، يقول الخبراء إن إجهاد سلسلة التوريد سيستمر بعض الوقت، ولا يزال قطاع النقل بحاجة إلى إعادة بناء شبكاته، بما في ذلك إعادة عمال المواني وسائقي الشاحنات، وكثيرون منهم غيروا وظائفهم أثناء الإغلاق. وقال بابير، "أعتقد أنه في ما يتعلق بمستويات الازدحام الكلي، من جهة تكاليف النقل، ستبقى دائماً عند مستوى أعلى مما كانت عليه قبل الأزمة"، وقد يعني ذلك دوراً أكبر للقطارات.
وفق البيانات المتاحة، تمثل السكك الحديدية نحو خمسة في المئة فقط من إجمالي سوق النقل بين أوروبا والصين، لكن هذا يمكن أن يتضاعف بحلول عام 2030، لكن بشكل عام، كان المدير التنفيذي للسكك الحديدية متفائلاً، وهو يراقب البضائع من شيان وهي تُفرغ لتسليمها إلى الشركات الفرنسية، وقال، "الآن يعرف العميل هذا الحل وسوف نحتفظ بهذا الحل، حتى لو عادت حالة المشاكل مع الخدمات اللوجستية للوباء في العالم إلى وضعها الطبيعي، لكن القطارات عادت ولن تخرج من سوق الشحن العالمية".