بقدر الاختلاف في قراءة خطابين أخيرين لرئيس أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح، إن كان تقدماً بالتصورات أو تراجعاً عن خيارات، إلا أن ترويج المؤسسة العسكرية لفكرة الحوار، قوبل بحالة ارتياح عامة، وأيضاً برفض من أحزاب في المعارضة التقليدية.
في ما يشبه "الفيتو" صوّت الجيش الجزائري ضد المرحلة الانتقالية بشكل قاطع في سياق عملية ترويج لفكرة "حوار وطني بناء"، ويتضح ذلك في التوصيف الذي اختاره الفريق أحمد قايد صالح، وهو ينعت جهات يعتقد أنها ترغب في مرحلة انتقالية خارج الدستور قائلاً "الأكيد أن من يسعى لتعطيل مثل هذه المساعي الوطنية الخيرة، هم أشخاص وأطراف يعملون بمنطق العصابة، وتسير في سياق أبواقها وأتباعها الهادفة نحو المزيد من التضليل".
لا إشارة لرئاسيات الرابع من يوليو
تحدث صالح عن الحوار، من دون أن يشير من بعيد ولا من قريب لرئاسيات الرابع من يوليو (تموز) المقبل، ما يرجح معطيات عن إلغائها رسمياً، وقال "الحوار ينبغي أن يعمل على إيجاد كل السبل للبقاء في نطاق الشرعية الدستورية" و"العودة بأسرع وقت ممكن إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد".
وتساءلت الطبقة السياسية في الجزائر عن آليات تنفيذ هذا الحوار، إذ إن الدعوة وردت من المؤسسة العسكرية، والأكيد أن يكون لديها تصور ما عن هوية الجهة التي ستدعو إليه، ومن هم أطرافه، أضف إلى ذلك، أن وجود أي دور لرئيس الدولة عبد القادر بن صالح، والوزير الأول نور الدين بدوي، سيقوض هذه الخطوة لا محالة.
تكليف شخصية تحظى بصدقية
ويقول الخبير والمحلل السياسي سعيد إيرزي لـ "اندبندنت عربية" عن تصوره لآليات الحوار، "الراجح أن يجري تكليف شخصية تاريخية تحظى بصدقية كبيرة لدى الجزائريين لإدارة هيئة الحوار"، وتابع مرجحاً أسماء "أحمد طالب الإبراهيمي أو يوسف الخطيب"، وذلك "بناء على معلومات وليس تحليلاً"، مع "احتمال تعيين أحمد بن بيتور وزيراً أول خلفاً لنور الدين بدوي".
ويضيف سعيد إيرزي "الشخصية التوافقية قد تتفاوض مباشرة مع الجيش". ومع ذلك، هناك من يميل لرأي آخر يقول برغبة المؤسسة العسكرية في تقديم الحراك الشعبي لممثلين عنه يتفاوضون ويتحاورون باسمه. ويقول النائب البرلماني السابق عدة فلاحي "الخطاب الأخير لقائد الأركان ألقى بالكرة في مرمى الحراك والطبقة السياسية التي ظهرت مرتبكة وعاجزة عن تقديم مبادرة تقنية".
"الأفافاس" و"الأرسيدي" في مقدم الرافضين
وقبل الكشف عن أي خطوات متصلة بفكرة الحوار، استبقت جبهة القوى الاشتراكية جميع الخطوات وأعلنت رفضها الحوار بهذه الصيغة، وجاء في بيان للحزب "يقترح قائد أركان الجيش فتح حوار للوصول بسرعة إلى الانتخابات الرئاسية من دون انتقال سياسي، إنه يحدد الهدف الرئيسي لهذا الحوار من دون انتقال". أضافت "هو وضع تشكيلة اللجنة التي ستكون مسؤولة عن تنظيم هذه الانتخابات، ويختار في الوقت نفسه أنصار هذا الحوار من شخصيات سياسية ونخب وطنية من ناحية، والممثلين الحاليين للنظام من ناحية أخرى".
الحوار وسيلة حضارية
من جهته، علّق رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس على خطاب قائد الأركان، وقال "إن الحوار وسيلة حضارية لطالما دعت إليه المعارضة وتمنت الوصول إليه، ويبقى أنه لا يحق لقايد صالح أن يحدد شروط الحوار، فالاستبعاد المسبق والجازم لأي فكرة انتقال تطوي صفحة الاستبداد يعتبر سطواً على التعبئة الشعبية وعلى سيادة الشعب الثائر".
أضاف بلعباس "من جانبنا، فنحن نريد حواراً حقيقياً ونزيهاً ومثمراً، نعم، نريد حواراً مفتوحاً ومثمراً حول المشكلات الأساسية التي أعاقت مسيرة بلدنا وحول سبل الخروج من الأزمات الدورية التي يمر بها بلدنا منذ 1962". وختم بلعباس "لكننا لا نريد الخروج من مرحلة حساسة ومعقدة، بقدر ما نريد أن نجعل من هذه المرحلة الثورية بوابة دخول إلى جزائر الحرية والتقدم، وهنا تكمن الاختلافات بيننا في الرؤى وفي الطرح"؟
بن فليس... و"دعوة الجيش قاعدة واقعية لتخطي الأزمة"
وعلى النقيض، رحب حزب "طلائع الحريات" لقائده علي بن فليس بمشروع المؤسسة العسكرية سواء تعلق الأمر بلهجته أو بمضمونه، وقال "إن الخطاب الذي ألقاه قائد أركان الجيش يضع معالم واضحة جداً ومهمة على طريق البحث عن حل الأزمة السياسية والمؤسساتية والدستورية الخطيرة التي يعيشها بلدنا". وأكثر من ذلك، اعتبر المعارض علي بن فليس أن طرح الحوار من قبل الجيش "هو قاعدة واقعية وصلبة يمكن الانطلاق منها سعياً لتجاوز الانسداد القائم، وبالفعل، فإن هذا الخطاب يقترح اللجوء إلى الحوار الوطني كمقاربة ومنهج وسبيل لا بديل له لإخراج البلد من هذا الانسداد".
موالاة الأمس تدعم الحوار وتجلب النقد للجيش
في السياق نفسه، احتار الجزائريون أين يصنفون بيانات ثلاثة أحزاب من الموالاة على الأقل، استدعي قادتها لتحقيق قضائي موسع في تهم فساد. فقد رحب التجمع الوطني الديمقراطي، تجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية الجزائرية، بطرح فكرة الحوار مع الجيش، والثلاثة يتابع قادتهم أمام المحكمة العليا، ويهتف الشعب ضدهم أسبوعياً في مسيرات الجمعة.
وقال التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يقوده الوزير الأول السابق أحمد أويحيى، إنه ينوه بالنداء الموجه من نائب وزير الدفاع رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي "للقوى والشخصيات الوطنية لحوار جاد، بغية الخروج من الأزمة وتنظيم الانتخابات الرئاسية التي ستكون المنفذ نحو تكريس إرادة الشعب وتجسيد الإصلاحات المنشودة". أضاف البيان أن حزب التجمع يؤكد "أن موقفه نابع من خطه الثابت منذ بداية الأزمة، من منطلق قناعته بأن الجزائر في حاجة إلى الحفاظ على استقرارها ووحدتها بمساهمة جميع المواطنين الغيورين على بلادنا".
أما الحركة الشعبية الجزائرية، التي يقودها الوزير السابق عمارة بن يونس، فعبرت عن انخراطها "الكامل في نداء الحوار بين مختلف الشركاء السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين، الذي يعتبر السبيل الوحيد المؤدي إلى حلول توافقية بهدف حل المشاكل الوطنية بطريقة سياسية وسلمية، وكل هذا شرط وضع الجزائر فوق كل الاعتبارات". أما تجمع أمل الجزائر، الذي سحبت الحصانة البرلمانية عن قائده عمار غول بسبب متابعته في ملف فساد، فقال "هذه فرصة ثمينة ومهمة للخروج بالجزائر إلى بر الأمان في أسرع وقت ممكن".
آنت... ساعة الحوار
ودعا الحزب "كل الطبقة السياسية والمجتمع المدني والشخصيات والنخبة وممثلي الحراك المؤسسات المعنية إلى "المشاركة الفعالة" في هذا الحوار، الذي "يستوجب أن يكون جامعاً ومسؤولاً وصادقاً وبنّاء، تكون من خلاله مصلحة الوطن والمواطن الهدف الأسمى". من جهتها، أكدت حركة مجتمع السلم أن ساعة الحوار "قد آنت وأن الحوار الجاد والمسؤول والعقلاني حتمي أكثر من أي وقت مضى بعد سقوط مشروع انتخابات الرابع من يوليو".
أضاف البيان "تؤكد الحركة أنها مستعدة لأي حل آخر في إطار الحوار يضمن هدفين أساسيين هما: التناغم مع الإرادة الشعبية بتغيير الباءات، وضمان الانتقال الديمقراطي السلس الذي ينهي التزوير الانتخابي الذي هو أساس الفساد وكل الانحرافات الأخرى".