مع مطلع كل عام جديد، يزداد اهتمام محبي مطالعة الأبراج والتاروت بالتعرف إلى توقعات العام المقبل، ويتفاوت اهتمام الناس بهذا الأمر ويتراوح ما بين ثلاثة فرق، الأول تمثل له توقعات الأبراج أهمية مطلقة قد تؤثر في اتخاذه قرارات مصيرية بحياته، والثاني لا يمثل له الأمر أي قيمة، بل على العكس قد يرفضه قطعياً لأسباب متعددة، بينها دينية أو يعتبرها نوعاً من الدجل. وما بين الفريقين، يظهر ثالث تتحول مطالعة التوقعات الفلكية عنده إلى نوع من الهوس الذي قد يصل إلى المرض النفسي، فلا يقدِم على فعل شيء أو اتخاذ قرار أو حتى التعامل مع أشخاص إلا بعد أن يعرف إلى أي برج ينتمون وما مدى توافق ذلك معه.
جائحة كورونا
مع اشتداد الجائحة في 2020 وانتشارها في العالم كله، مصحوبة بحالة الإغلاق والحجر التي أبقت ملايين البشر في منازلهم لفترات طويلة ومع تعليق كثير من الأعمال، اتجه بعض الناس إلى خبراء علم الفلك والأبراج للتنبؤ بطالعهم في الفترة المقبلة. فبحسب موقع "غوغل ترندز"، بلغ البحث عن الكلمات المتعلقة بالفلك والتنجيم عبر المحرك ذروته في 2020 مقارنة بالأعوام الخمسة الأخيرة.
كما ذكر كثير من خبراء الفلك والتاروت في مناطق مختلفة من العالم عبر مواقعهم وصفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي أن خدماتهم شهدت ازدهاراً في ظل فترة الحجر الصحي، إضافة إلى ما تردد من أن فيروس كورونا ذاته كان أحد توقعات العرافة البلغارية التي عُرفت باسم "الجدة فانغا" وتوفيت عام 1996، إذ إنها تنبّأت بظهور مرض خطير سيجتاح العالم في 2020، اعتبره البعض "كوفيد-19".
كيف تتم قراءة التوقعات الفلكية؟
تقول المهندسة عبير فؤاد، المتخصصة في علم الأبراج لـ"اندبندنت عربية"، "بالأساس، تخصصي هندسة الاتصالات التي لها علاقة وارتباط بالأرقام والحسابات، وتوقعات الأبراج قائمة أساساً على علم الفلك، فهذا العلم إضافة إلى الأبراج هو قديم وضع أسسه المصريون القدماء، فالكهنة ورجال الدين قديماً كانوا من علماء الفلك، المجال الذي كان يتحكم في كل شيء بحياتهم تقريباً، مثل زراعة المحاصيل ومواعيد الفيضان، وفي مجال العمارة بخاصة المعابد التي اعتمدت على علم رصد ظواهر مثل تعامد الشمس على وجه تمثال الملك في يوم محدد من العام، ويحوي معبد دندرة بالمنيا صورة لدائرة الأبراج بالرموز المستخدمة ذاتها حالياً، تُعتبر من الأقدم في التاريخ".
تضيف، "كل نقطة على الأرض يحدث فيها مد وجزر نتيجة وضع الأرض بالنسبة إلى الشمس والقمر ونحن كبشر نتعرّض للأمر ذاته، لأن أجسامنا بغالبيتها مكونة من الماء، والكواكب كلها تصدر عنها موجات كهرومغناطيسية بأطوال مختلفة في لحظة معينة تؤثر في الشخص الذي يتصادف موعد ولادته في هذه اللحظة، إضافة إلى تأثيرها فينا".
مؤيد ومعارض
يتعرّض خبراء الأبراج والفلك إلى انتقادات من بعض الناس الذين يعتبرون الأمر نوعاً من الدجل أو الاطلاع على الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، بينما يذهب الآخر إلى أنه كيف ستنطبق عليه التوقعات الخاصة ببرجه للعام الجديد في حين أن هناك ملايين من البشر في العالم ينتمون إلى البرج ذاته ولا يعقل أن يتشابه ما سيحدث لهم.
تقول عبير فؤاد، "الأمر يحتاج إلى علم ودراسة، فهو مبني على حسابات دقيقة، ولكن للأسف هناك كثير من الدخلاء على المجال الذين يتعاملون معه باعتباره نوعاً من الدجل فيفقدوه المصداقية، ويُظهرون خبراء التوقعات الفلكية بشكل غير الحقيقة وهناك بالفعل أماكن لدراسة هذا العلم في مناطق متعددة من العالم، إلا إنها لا توجد في العالم العربي للأسف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تضيف، "توقعات الأبراج تتعلق أيضاً بعلم الأرقام وهذا يجعل فروقاً بين الناس لأن رقم يوم ميلاد كل شخص يختلف عن الآخر، بالتالي يكون هناك أشخاص لديهم قابلية أكثر للتأثر بمتغير معين، فعليه أن يضع هذا في الاعتبار ويأخذ حذره، ولكنه لا يعني ألا يُقدِم على الخروج من المنزل مثلاً لو الأمر في غير صالحه. الأمر أشبه بتوقعات الأرصاد لو أظهرت أن الطقس بارد، فسنأخذ حذرنا ولكننا لن نعتكف في المنازل. وفي النهاية، فإن المكتوب لنا هو ما سنراه لأن كل شيء بيد الله وعلم الفلك الذي تستند إليه توقعات الأبراج هو أحد آياته وعظيم خلقه".
هوس الأبراج
قد يطالع البعض توقعات الأبراج كنوع من الفضول أو العادة أو حتى على سبيل الفأل. ومع مطلع العام الجديد، يتضاعف الاهتمام بالتعرف إلى توقعات العام المقبل باعتبار أن خبراء علم الأبراج يزداد نشاطهم في رسم ملامحه العامة.
يقول الطبيب وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، "بالفعل قد تتحول مطالعة التوقعات الفلكية والأبراج من مجرد عادة إلى درجة من الهوس عند البعض، ربما تنعكس على حياتهم بالسلب وتؤثر في اتخاذ قرارات مصيرية في حياتهم، فمن ضمن العوامل النفسية التي تدفع الناس للتوجه إلى هذا الأمر أنه في حال تعرّضنا لمشكلة، فإننا قد نعتمد على وجهات نظر لأشخاص آخرين تعتمد على مجرد التنظير، بينما قد يعتقد البعض أنه في حال الاعتماد على رأي متخصصي الأبراج، فإنهم يعطون كلاماً محدداً بعبارات مختصرة بخصوص حالة الشخص، مما يجعله أكثر ميلاً إلى الاقتناع به، بخاصة أن الناس الآن تعتمد على كل ما هو سريع".
يضيف، "بشكل عام، النساء أكثر قابلية لمطالعة الأبراج طبقاً لدراسات عدة أُجريت في هذا الشأن، ويرجع ذلك إلى أن مركز التحكم والدعم واتخاذ القرار في المخ عند الرجال يعتمد على قناعات داخلية بالأساس ومن بعدها العوامل الخارجية، أما بالنسبة إلى النساء، فهن يعتمدن العوامل الداخلية والاستشارات الخارجية في الوقت ذاته، لذلك كثيراً ما يوضع باب الأبراج والتوقعات الفلكية في صفحات المرأة أو الصفحات التي قد تهتم بها النساء بصورة أكبر".
إشباعات نفسية
الاعتماد على التوقعات الفلكية ربما يلجأ إليها بعض الأفراد لأنها تحقق لهم شكلاً من أشكال الإشباع النفسي باعتبار أنها توحي لهم بمعرفة كثير من الأمور عن صفاتهم أو عن الآخرين وتمنحهم تصوراً عن معرفتهم بعض المعلومات عن الآتي في حياتهم.
يقول استشاري الصحة النفسية، "من يتجه للاطلاع على توقعات الأبراج بالشكل المبالغ فيه، يعتمد على فكرة أنها تبدد القلق وتعطي لمحة عن المجهول الذي دائماً ما يخاف منه الإنسان، فتبثّ شيئاً من الطمأنينة في نفسه، من وجهة نظره، كما أنه يعتقد بمساعدتها له في اتخاذ القرارات الكبرى، مثل العمل والزواج والطلاق وتعزز الثقة بالنفس، وتعطيه شعوراً وهمياً بالمعرفة، فعندما يتعامل مع شخص يسأله ما برجك؟، لاعتقاده بأنه على دراية وعلم بشخصيته وطباعه، بالتالي يعتمد على هذا في وضع أسس التعامل معه من عدمها".
يتابع، "تقدم التوقعات بالنسبة إلى الأشخاص المبالغين في مطالعتها تبريرات للفشل في حالة إخفاقه في قرار ما، كما تشبع النزعة النرجسية عند البعض في حال وجود أمر أو حظ إيجابي، فيتعامل على أنه مخصص له دون غيره، فهناك شخصيات يكون لديها قدر أكبر من قبول الإيحاء بشكل عام، فتقتنع بما يقال من دون اعتبار للفروق الفردية بين الأشخاص".