تفجّرت في المغرب قضيةُ إجهاضٍ كبرى اختلطت فيها قضايا فساد ومخدرات، ترويجاً واستهلاكاً، مع التغرير بقصّر وتزوير، فيما ما زالت محاكمة المتهمين في مدينة مراكش في بدايتها. ويقف في قفص الاتهام 3 أطباء ورُبّان طائرة وناشط سياسي وفتيات بينهن قاصر وعددٌ من العاملين في نواد ليلية. كلّهم متهمون بتكوين شبكة متخصصة في الإجهاض، قامت بما لا يقلّ عن 25 عملية.
شقة مفروشة وأدوية من إسبانيا
بدأت خيوط الملف تتكشّف بعد إبلاغِ فتاتين خضعتا لعمليتي إجهاض للتخلص من حملهما، بأن طبيباً يتابع دراسته في السنة الخامسة في كلية الطب أجرى لهما العمليتين في شقة مفروشة. وأرشدت الفتاتان عناصر الأمن إلى الشقة التي حوّلها إلى عيادة يجري فيها عمليات إجهاض ممنوعة قانوناً.
وعلى إثر هذا الاعتراف، قادت تحقيقات الشرطة القضائية إلى اعتقال رُبّان طائرة متهم بتهريب أدوية محظورة وتسليمها إلى طبيب متدرب يستعملها في الإجهاض السري. فيما يُتابع طبيبان داخليان بتهمة تحرير وصفات طبية تتضمن بيانات كاذبة، يستغلها الربّان لشراء الأدوية المذكورة من إسبانيا. ومن بين المتهمين فتاة قبلت بالخضوع لعملية إجهاض سرّي على يد الطبيب المتدرب، وقد أطلقت النيابة العامة سراحها بكفالة قدرها 5 آلاف درهم (500 دولار).
صداقة وتواطؤ
بحسب الرواية الأمنية، فإن الأطبّاء المتدرّبين وهم أصدقاء منذ أيّام الدراسة، اطلعوا خلال فترة التدريب على طريقة إجهاض المرأة الحامل، خصوصاً في الشهرين الأوّلين من الحمل، وذلك باستعمال أقراص مضادة للالتهاب، كانت تباع في المغرب، لكن جرى منعها بسبب استعمالها في الإجهاض.
ومن أجل الحصول على الدواء من أوروبا، ينسخ المتهمون وصفة طِبية من موقع إلكتروني خاص بالاتحاد الأوروبي، وتوضع تحت اسم أحد الطلبة الذي يتكلف بالسفر إلى الجزيرة الخضراء لاستقدام الدّواء من دون مشاكل.
وخلال تردد هؤلاء إلى الملاهي الليلية، تعرفوا إلى فتياتٍ يرغبن في التخلص من الحمل مقابل مبالغ تراوح بين 2500 و3500 درهم للعملية الواحدة (250 إلى 350 دولاراً).
أرقامٌ صادمة
قبل سنتين كشف موقع "فاكت سلايدس" الأميركي، أن المغرب هو البلد الأول عربياً في عمليات الإجهاض، على الرغم من أنها ممنوعة قانوناً، فيما احتل المرتبة الثامنة عالمياً.
وتتحدث أرقام الجمعية المغربية لتنظيم الأسرة عن سقفٍ أعلى يصل إلى 80 ألف حالة إجهاض في السنة. بينما تُفيد الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السرّي أنّ عدد الحالات يراوح بين 600 و800 حالة إجهاض يومياً.
ويوضح رئيس الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري الدكتور شفيق الشرايبي أن هذه الأرقام لم تشهد أي تغيير يُذكر. ويلاحظ أن الأطباء أصبح يتملكهم الخوف من هذه العمليات الآمنة من الناحية الطبية لكن غير القانونية، لأن النتيجة أنهم سيصبحون، بين عشية وضحاها، خلف القضبان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تقنين الإجهاض
قبل 3 سنوات، احتدم نقاشٌ وجدال بشأن الحق في الإجهاض، بين مؤيد ومتحفظ ورافض. وانتهى السجال بمصادقة الحكومة المغربية على مشروع قانون يستثني بعض حالات الإجهاض، لكن المشروع على الرغم من كونه معجّلاً ما زال قيد النقاش في البرلمان.
ويُوسع مشروع القانون الجديد الحالات التي يسمح فيها للأطباء بالإجهاض، إذ يحدد الفصل 453 من القانون 3 حالات يُسمح بها القيام بالإجهاض، وهي عندما يُشكّل الحمل خطراً على حياة الأم أو على صحتها، والحالة الثانية عندما يكون الحمل ناتجاً من اغتصاب أو زنا المحارم، والحالة الأخيرة هي في حال ثبوت إصابة الجنين بأمراض جينية حادة أو تشوهات خلقية خطيرة غير قابلة للعلاج وقت التشخيص.
10 في المئة
وتعتبر الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري، التي كانت أثارت هذا النقاش، أن الحالات التي حددتها الحكومة في مشروع المرسوم غير كافية للقضاء على ظاهرة الإجهاض السري. وتشير إلى أن الحالات التي جرى تقنينها لا تمثل سوى 10 في المئة من الحالات المتفشية في المجتمع.
وتلفت الجمعية إلى أن مشروع القانون المعروض على البرلمان لا يشمل حق القاصرات في الإجهاض، ولا الحمل غير المنتظر الذي قد يسبب الاكتئاب، إلى درجة انتحار الحامل، أو الفتاة المهددة بالقتل من طرف أهلها، أو المهددة بالطرد من البيت.
ويعاقب المدانون بممارسة الإجهاض بالسجن بين عام و5 أعوام، بينما تراوح عقوبة النساء بالسجن من 6أشهر إلى سنتين.