مع قرب انتهاء المهلة التي توافق عليها مجلس السيادة السوداني والمجلس الأعلى لنظارات "البجا" والعموديات المستقلة، لحل أزمة شرق السودان، والمقررة في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بدأت أصوات أعضاء مجلس نظارات "البجا" تعلو مهددةً بالعودة لإغلاق إقليم الشرق، كما حدث في وقت سابق إذا لم يُلغَ مسار الشرق في اتفاقية جوبا للسلام، التي وقّعتها الحكومة الانتقالية مع الحركات المسلحة في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 2020 قبل المهلة المتفق عليها بين الطرفين.
وبحسب بيان صادر في وقت سابق من المجلس الأعلى لنظارات "البجا" والعموديات المستقلة، فإن "العد التنازلي بدأ لإغلاق شرق البلاد، حسب الاتفاق الذي تم بين المجلس والحكومة السودانية، وأن الطريق الذي يربط بورتسودان والخرطوم، والموانئ البحرية ستكون مغلقة اعتباراً من الرابع من ديسمبر".
وحذر البيان شركات الملاحة واتحاد أصحاب العمل واتحاد غرف النقل السودانية والموردين وأصحاب الصادرات وشركات التعدين، من تبعات قرار الإغلاق، لافتاً إلى أن أعضاء المجلس ظلوا مرابطين في المركز (الخرطوم) لفترة تجاوزت 20 يوماً، حيث تواصلوا مع الجهات الرسمية في الدولة ممثلة في رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) ولفيف من القيادات السياسية والحزبية.
وبينما شدد مجلس نظارات "البجا" على تمسكه بالمهلة محل الاتفاق، رأى أن قضية شرق السودان عادلة ولا تراجع عنها، مؤكداً في الوقت نفسه رفضه المشاركة في ما أطلق عليها المحاصصات السياسية والمكاسب الآنية.
مخرج حقيقي
في السياق، أشار عضو المجلس الأعلى لنظارات "البجا" والعموديات المستقلة، محمد كرار، إلى أن قضية الشرق لم تبارح مكانها منذ المهلة التي طلبها مجلس السيادة، ووعد بمعالجتها، فلم تظهر حتى اللحظة أي بوادر انفراج أو اتفاق من شأنه أن يقود لإنهاء هذه الأزمة على الرغم من أن الحل معروف بإلغاء مسار السلام الذي يتمسك به مجلس النظارات بالنظر إلى كونه لم يكن منصفاً لمكونات الإقليم، ولفت كرار إلى أنه واضح أن ليس لدى الحكومة المركزية شيء جديد بخصوص قضية الشرق، فليس من المعقول أن تطلب الدولة مهلة شهر، وتقارب على الانتهاء، ولم تقدم على أي خطوة، وهي تجابه قراراً بإغلاق موانئ رئيسة وطريق قومي يشكلان عصب الحياة الاقتصادية للبلاد، منوهاً بأنه عقدت في الأيام الماضية اجتماعات عدة من دون التوصل لأي مخرج حقيقي، ونأمل أن يتوصل الطرفان لمعالجة حقيقية لهذه الأزمة حتى نتفادى أي تحرك مضر للوطن والشعب السوداني، وغير مرغوب فيه.
أجواء إيجابية
في المقابل، قال رئيس "الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة"، أحد مكونات شرق السودان التابعة للجبهة الثورية، الأمين داؤود، "في ما يختص بقضية شرق السودان، حتى الآن، لم يتم التشاور بين الحكومة السودانية والأطراف المعنية حول هذه القضية، سواء على مستوى مسار السلام أو الإدارات الأهلية التي توجد في الخرطوم منذ فترة لهذا الموضوع، لكن ليست هناك رؤية واضحة من قبل الحكومة لهذا الملف، الذي ما زال عالقاً من دون احراز أي تقدم يذكر، على الرغم من تشكيل لجنة لمعالجة قضية الشرق برئاسة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والتي يفترض أن يكون لها تصور واضح لهذه الأزمة وفق برنامج زمني محدد، وننتظر أن تتم دعوة المعنيين بهذا الأمر للتشاور حول ما هو مطروح من بنود للحل".
أضاف داؤود، "رؤيتنا لحل هذه الأزمة واضحة، وسبق أن قدمناها للجهات المختصة أكثر من مرة، ونرى أن على أطراف الصراع تفادي الجراحات السابقة والجلوس على طاولة واحدة، سواء جهات سياسية أو إدارات أهلية للتوصل إلى هدف ورؤية مشتركة، بخاصة أن الأجواء الحالية ايجابية وملائمة ما يساعد على الوصول بالسرعة المطلوبة لقواسم مشتركة، لانعدام خطاب الكراهية الذي كان في السابق يسيطر على الجو العام، لكن لا بد من توافر إرادة حقيقية من جميع الأطراف بما فيها الحكومة".
حوار شفاف
وحول مطالب المجلس الأعلى لنظارات "البجا"، وقرب انتهاء المهلة التي حددتها للحكومة لتنفيذ مطالبه، قال الأمين داؤود، "في تقديري أن المناخ مهيأ لإدارة حوار شفاف أكثر من السابق، فلا خيار ولا حل إلا بالحوار المفتوح بين كل مكونات الشرق، لأن اللجوء إلى التصعيد غير مفيد، وحتى عملية إلغاء مسار السلام مجرد مطلب، لكن إلغاءه يحتاج أن يجلس الجميع للنقاش حوله، لأن ليس هناك جهة محددة مناط بها إلغاؤه، بخاصة أنه أصبح جزءاً من اتفاقية السلام الموقعة في جوبا مطلع أكتوبر، والتي لا يملك أي طرف أو جهة، أياً كان، اتخاذ قرار من هذا القبيل، سواء الحكومة أو الجبهة الثورية كطرفين موقعين على هذه الاتفاقية، أو حكومة جنوب السودان والمجتمع الدولي كضامنين للاتفاقية".
ونوه رئيس "الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة" بأن أي حديث عن ترشيحات للمجلس السيادي أو مجلس الوزراء وبقية أجهزة الحكم كاستحقاق للإقليم الشرق، هو سابق لأوانه، لأن مشروعنا الأول والاستراتيجي يتمثل في التوافق السياسي والاجتماعي بين مكونات الإقليم السياسية والمجتمعية، فلا يمكن أن نقفز إلى مطالب تأتي بعد الاتفاق، ومن جانبنا كجبهة شعبية، لم نتقدم بأي ترشيحات لمناصب في السلطة، لأن مبدأنا التوصل لتوافق حقيقي من أجل بناء الشرق، ثم بعدها وضع الشخص المناسب في الموقع الذي يناسب مؤهلاته وقدراته.
إغلاق الميناء
وسبق أن قام محتجون في مدينة بورتسودان نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، بإغلاق خطي تصدير واستيراد النفط في البلاد، ما تسبب في خسائر باهظة للاقتصاد السوداني، باعتباره الميناء الرئيس للسودان، وشمل الإغلاق أنبوبي النفط اللذين ينقلان صادرات دولة جنوب السودان إلى ميناء بورتسودان والواردات من الميناء إلى داخل البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويمتد الأنبوب الناقل نفط دولة جنوب السودان من العاصمة جوبا وحتى ميناء بورتسودان بغرض التصدير، وفي المقابل، يستفيد السودان من تحصيل رسوم عبور على هذا النفط، كما تزامنت مع هذه الخطوة، مع قيام عشرات المحتجين بإغلاق مدخل مطار مدينة بورتسودان وجسراً يربط ولاية كسلا في الشرق بسائر الولايات السودانية، احتجاجاً على اتفاق جوبا للسلام.
مؤتمر "سنكات"
يذكر أن مجلس نظارات "البجا" يتمسك بمقررات مؤتمر السلام والتنمية والعدالة، الذي عقد في منطقة "سنكات"، إحدى مدن إقليم شرق السودان مطلع أكتوبر 2020 تحت شعار (من أجل تثبيت الحقوق التاريخية والثقافية)، وطالب بتخصيص نسبة 70 في المئة، من موارد إقليم شرق السودان لمواطنيه، وأكد أن أزمة الإقليم ليست صراعاً قبلياً، بل قضية أمن قومي وتدخلات خارجية.
وقرر المؤتمر تفويض المجلس الأعلى لنظارات "البجا"، والعموديات المستقلة للتعبير عن قضايا الإقليم في كل المحافل، ورفض مسار الشرق بمنبر جوبا والتجاوزات التي تمت في اختيار والي ولاية كسلا.
واعتمد البيان الختامي للمؤتمر الذي نظمه المجلس الأعلى لنظارات "البجا" والعموديات المستقلة، تحالف كيانات (كسلا، والقضارف، والبحر الأحمر)، وتكوين هيئة تنسيقية عليا مشتركة بين المكونات كافة، ورفض كل التدخلات الخارجية ومحاولات التغول على السيادة الوطنية، كما طالب البيان بتنفيذ كل مخرجات الورش والمؤتمرات التي عقدت من أجل قضايا الإقليم في (1958، 1964، و1968)، فضلاً عن استكمال تنفيذ بند الترتيبات الأمنية وبند الثروة في اتفاقية سلام شرق السودان (أسمرة)، إضافة إلى إنهاء سياسات "الوصائية الإقصائية" لجماهير الإقليم لتحديد خيراته، وإدانة المتهم والمتسبب الرئيس في الأحداث المؤسفة التي شهدتها بورتسودان في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، علاوة على إيقاف نشاط الحركات المعادية للجارة إريتريا، ونزع السلاح ومصادرة الأموال وطرد العناصر المسلحة من الإقليم، وإغلاق معسكرات اللاجئين ومراجعة قوانين الوجود الأجنبي التي تؤسس لمخططات التغيير الديموغرافي في المنطقة.
وأعلن المؤتمر تمسكه بحق أبناء الإقليم في حكم إقليمهم والمشاركة في حكم الدولة علي كل المستويات، وإقرار الإقليم الواحد بحدوده التاريخية المعروفة، والتمسك بالحقوق التاريخية والثقافية لـ"البجا" في المنطقة، مطالباً أيضاً بالإيقاف الفوري لجميع المخططات السكنية والزراعية وتصديقات الأراضي، وإيقاف عمليات التعدين والشركات والمشروعات المركزية بمناطق "البجا" لحين وضع الأسـس التي تقنن عملها بما يحقق مصلحة إنسان المنطقة كأولوية.