Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يستحق متحف السينما في لوس أنجليس الانتظار 92 سنة؟

صرح لأكاديمية السينمائية افتتح أخيرا بعد نحو قرن من العمل. كيفن إي جي بيري يجول في المتحف الجديد مستطلعا ما ترويه المجموعات الضخمة من القصص والمعروضات في سياق تاريخ السينما والأفلام

تعرض قطع أثرية من عالم السينما على غرار مجسم "إي تي" وأدوات من ستار وورز" في هذا المتحف (غيتي) 

بعد إطلاق جوائز الـ"أوسكار" سنة 1929، انتقل مؤسسو "أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية" Academy of Motion Picture Arts and Sciences للمهمة التالية في أجندتهم: إنشاء متحف للأفلام (للسينما) يبنى خصيصاً لهذا الغرض في مدينتهم لوس أنجليس. ذاك بدا بمثابة خطوة طبيعية. إذ فيما تقوم "جوائز الأكاديمية" بتكريم الإنجازات السينمائية المحققة في كل عام، فإن متحفاً دائماً ضمن هذا الإطار من شأنه حفظ تلك الإنجازات، والإشادة بها في السياق التاريخي.

لكن أي كاتب سيناريوهات منهك في هوليوود سيخبرك بأن الفكرة الجيدة وحدها لا تكفي للنهوض بالمشاريع وتحقيقها على أرض الواقع. إذ بعد عقود سنوات من المشاحنات الداخلية والتأجيل والانطلاقات الوهمية، قامت الأكاديمية في سنة 2012 بالإعلان عن العثور على موقع ملائم لبناء متحفها، وبأن المتحف سوف يفتتح مع حلول سنة 2017. بيد أن ذاك التاريخ حل وانقضى، وعادت التقارير عن الإرجاءات الإضافية والأكلاف المتصاعدة تظهر خلف عناوين صحافية عريضة لا تخفي مخاوفها، من قبيل ذاك العنوان الذي ورد في مجلة "فانيتي فير" سنة 2019، بصيغة سؤال مباشر: "هل سيأتي يوم ويشهد افتتاح متحف الأكاديمية للأفلام فعلاً؟".

على أن الأمر استلزمه سنتان إضافيتان، إذ إن الجائحة لم تساعد في هذا الإطار. لكن الآن، أجل، "متحف الأكاديمية" سيفتح أبوابه أخيراً. فبعد قرابة قرن من المقدمات، بات الضغط كبيراً على الأكاديمية لتحقيق مشروعها، القائم بذاته. وفي السياق لاحظ (النجم السينمائي) توم هانكس، الذي ساعد في قيادة حملات جمع التبرعات لمشروع المتحف، فقال "هناك مدن أخرى عندها متاحف سينمائية، لكن مع خالص احترامنا للجميع، فإن هذا المتحف الذي تؤسسه [الأكاديمية السينمائية] في لوس أنجليس ينبغي أن يكون بالفعل [بارثينون] جميع المتاحف (السينمائية) (أي فخرها وذروتها)".

توم هانكس محق طبعاً في كلامه، بيد أن المشكلة التي واجهها مؤسسو المتحف ترتبط بما ينبغي أن يكون عليه هذا الـ"بارثينون" [الصرح] بالتحديد، وأي نوع من السرديات والقصص ينبغي أن تروى فيه. إذ إن ملء المتحف بالمواد الأساسية والأشياء القيمة لا يمثل أي مشكلة هنا أبداً، بالنظر إلى أهمية وضخامة الأرشيف العالمي الذي تمتلكه الأكاديمية. إلا أن طموحاتهم بالنسبة للمشروع كما ظهر جلياً تتعدى بكثير مجرد فكرة بناء "بلانيت هوليوود" آخر، يكون الأغلى في العالم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذا الإطار، وخلال السنوات المنصرمة، كانت الأكاديمية راحت تأمل في أن يتمكن متحفها من المضي قدماً بالسجال حول مسألة الدمج [عدم الإقصاء] التي طرحتها حملات مثل "أنا أيضاً#" #MeToo و"حياة السود مهمة" Black Lives Matter والـ "#أوسكارات شديدة البياض" #OscarsSoWhite، هذه الأخيرة التي انطلقت سنة 2015 عندما لم يكن ثمة ممثل (أو ممثلة) من خلفية ملونة بين المرشحين العشرين لنيل جائزة أوسكار التمثيل. فتلك الأفكار المثالية الرفيعة وضعت مؤسسي المتحف أمام مهمة لا يحسدون عليها، تتمثل في بناء متحف من الصفر يحتفي بإرث جوائز الـ"أوسكار"، فيما يقوم تزامناً بالإقرار بمظاهر اللامساواة التي أسهمت هذه الجوائز بإدامتها، ويعالج هذا الأمر.

يواجه متحف الأكاديمية هذا التحدي مباشرة، وعلى نحو يثير الإعجاب. وهو يفعل ذلك بالدرجة الأساسية عبر تخلصه من فكرة أنه مقر للأفلام العظيمة، لصالح عرضه أصواتاً متعددة والإضاءة على سياق متكامل من الرؤى التي يأتلف منها التاريخ الحقيقي للسينما.

والمعرض الرئيس في هذا السياق، الذي تضمه طباقات ثلاث في المتحف، يحمل عنواناً لماحاً هو "حكايات السينما"، بصيغة الجمع (حكايات). والصالة التمهيدية التي تضم "الأفلام المتميزة والمخرجين الاستثنائيين" تبدأ، كما يمكن أن يتوقعه المرء، بلفتة إلى فيلم "المواطن كين" لـ أورسون ويليس [ويلز]، من سنة 1941، وهي تعرض في السياق مزلاج الـ"روزباد" الوحيد المتبقي (وهو مزلاج رخيص ماركة "روزباد" كان كين يلهو به يوم أخذوه من بيته وأمه). بيد أن الصالة المذكورة تمنح مساحة مماثلة للفيلم الدرامي المستقل من سنة 2002 "النساء الحقيقيات أجسامهن ممتلئة" Real Women Have Curves، للمخرجة باتريسيا كاردوسو، الذي يروي قصة عائلة مكسيكية- أميركية من شرق لوس أنجليس. وهذا فيلم تجاهلته تماماً جوائز أوسكار عندما ظهر.

واستكمالاً تمضي الصالة عينها في إبراز أعمال أربع شخصيات ذات مواهب وتجارب سينمائية شديدة الاختلاف والتمايز، كان لكل شخصية منها تأثير ضخم في صناعة الأفلام: أسطورة الفنون القتالية بروس لي، وفنانة المونتاج التي عملت مع سكورسيزي على مدى فترة طويلة ثيلما سكونماكر، والمصور السينمائي في فيلم "أولاد البشر [الرجال]" Children of Men إيمانويل لوبيزكي، ومخرج الأفلام الصامتة الأميركي من أصول أفريقية، أوسكار ميشو. والدرس الذي تعلمنا إياه الصالة المذكورة هنا يتكرر مرة تلو الأخرى في أرجاء المتحف، وهو درس يفيد بأن تاريخ السينما لم يمليه نفر من الأفراد والمؤلفين ذوي الأسماء البراقة، بل هو تاريخ نسجه فنانون كثر، أسهم كل منهم في مجالات ومهارات معينة، لكن مكملة لبعضها بعضاً.

أمام هذه المقاربة، بات من المهم أن تكون الصالات المخصصة لجوائز الأوسكار بذاتها متضمنة نقداً تجاه تلك الجوائز، مع الإقرار بسقطات الماضي. وهكذا، تقوم صالة عرض مستديرة مذهبة الجدران بتقديم 20 تمثالاً متميزاً من تماثيل أوسكار (أي عشرين جائزة) تعود للفترة بين عامي 1927 و2016، وتترك بينها مساحة فارغة لـ هاتي ماكدانييل، التي تلقت لوحة (لافتة تكريم أو شارة) سنة 1939 عندما فازت بالأوسكار (بدل التمثال) عن فيلم "ذهب مع الريح"، وهي لوحة مفقودة منذ ذلك الحين. وتشير اللافتة تحت الموضع الخالي ذاك إلى أنه بعد فوز ماكدانييل "ستمر خمسون سنة قبل أن تفوز ممثلة سوداء (أي من أصول أفريقية) بالجائزة مرة أخرى".

في الإطار عينه، وفيما تبدو المواد المعروضة حريصة عموماً على لفت الانتباه إلى أصوات تتخطى النقاط المرجعية المعروفة، إلا أن المتحف لا يهمل مهمة تقديم كثير من الأعمال التي حققت نجاحات كبيرة، ويعرض ما يرتبط بها من أغراض وأشياء. من أبرز وأقدم تلك الأشياء هما الخفان الياقوتيان اللذان ارتدتهما جودي غارلاند في دور دوروثي بفيلم "ساحر أوز" The Wizard of Oz، وهما قطعة أساسية من قلب الأجواء الساحرة لذاك الفيلم الكلاسيكي من سنة 1939. في المقابل، بدت صالة أخرى خصصت لفنون تصميم الأزياء مليئة بكنوز سينمائية متنوعة، تبدأ بالأثواب الحمراء التي ارتدتها مارلين مونرو وجاين راسل في فيلم "الجميع يفضلون الشقراوات" Gentlemen Prefer Blondes، إلى ثوب "ماي كوين" May Queen الضخم الذي ارتدته فلورنس بيو بفيلم "ميدسومار" Midsommar، وصولاً إلى رداء الحمام البالي الذي ارتداه جيف بريدجيز عندما ظهر لأول مرة على الشاشة الكبيرة بدور "ذا ديود" بفيلم "ذا بيغ ليبوسكي" The Big Lebowski. إلى ذلك، وفي الطبقات العليا من المتحف، ثمة صالة لأفلام الخيال العلمي تقدم مواد وشخصيات ومعروضات ترضي الجمهور، مثل "إي تي" ET، و"آر2 دي2" R2D2، و"سي3 بي أو" C3P، وإدوارد سيزورهاندز. أما في الخارج، فوق السلالم المتحركة، فيتدلى "بروس"، القرش الميكانيكي المصنوع من مادة الـ"فايبرغلاس" بحجم 25 قدماً، وهو الوحيد المتبقي من فيلم "جاوز" Jaws [الفك المفترس]. وهذا القرش يبقى جاهزاً باستمرار للصور المقربة.

وإن كان كل هذا لا يكفي كي تبرزوا المتحف الجديد في صفحاتكم على وسائط التواصل الاجتماعي، يبقى أمامكم القسم الذي يحمل عنوان "تجربة جوائز الأوسكار" Oscars Experience. فهناك، ومقابل 15 دولاراً (11 جنيهاً إسترلينياً) تضاف على الـ25 دولاراً (18 جنيهاً إسترلينياً) التي تمثل رسم الدخول– يمكنكم الوقوف على مسرح يحاكي المسرح الحقيقي، أمام جمهور افتراضي (من مادة مسجلة مسبقاً) لاستلام تمثال أوسكار حقيقي، وزنه ثمانية باوندات ونصف، رمز الجائزة الشهيرة. بعدها سوف يرسل لكم عبر البريد الإلكتروني فيديو من 14 ثانية يصور استلامكم الجائزة، مع دعوة تشجعكم على "مشاركة تلك اللحظات مع أصدقائكم وعائلتكم عبر وسائط التواصل الاجتماعي".

قد تكون "تجربة جوائز الأوسكار" هذه سخيفة بعض الشيء، لكن من المؤكد أنها ستزرع البسمة على وجوه أناس كثيرين (خصوصاً أنها ستتيح لهم انتزاع أقنعتهم قليلاً). كما يأتي إدراج هذه "التجربة" ضمن الأنشطة، بمثابة إقرار بأن على المتحف أن يكون محبباً للعائلات وجاذباً للسياح، بقدر ما هو مؤسسة تنويرية هدفها تطوير فهم المجتمع لفن صناعة الأفلام وعلومها. وما يثير الإعجاب هنا، بالنسبة لمتحف الأكاديمية الجديد، يتمثل بقدرته على لعب هذين الدورين. إذ يبدو واضحاً بالفعل أن المتحف يعني لكل شخص، حتى لمساهم قديم فيه مثل توم هانكس. إذ قام هذا الممثل بتحديد اهتمامه الشخصي سلفاً: صالة مخصصة لتاريخ ما قبل السينما تضم ألعاباً وأجهزة بصرية، تتراوح بإيحاءاتها بين ظلال الدمى البسيطة وعروض المسارح الصغيرة والـ"زويتروب" (المنظار المحيائي) والفوانيس السحرية، التي كانت فيما مضى تمنح مشاهديها ومضات غريبة من بلدان وخيالات قصية.

تلك الفوانيس، قال هانكس، ذكرته بمتحف الأكاديمية نفسه، الذي تبلغ مساحته 300 ألف قدم مربع، والذي صممه المعماري العالمي رينزو بيانو. وقد حصل هذا المبنى منذ الآن على لقبه "نجمة الموت"، وذلك بفضل فضائه الكروي الآسر، المكون من زجاج وخرسانة، الذي يضم مسرح المتحف، أو "مسرح غيفين" ومقاعده الألف. رينزو بيانو، الذي صمم أيضاً مبنى "شارد" في لندن"، ناشد الصحافيين، خلال الجولة التعريفية في المتحف بألا يطلقوا على الأخير هذا اللقب (نجمة الموت). وقد شدد المعماري على أن ما استلهمه في تصميم ذاك الفضاء المستدير والكروي هو فقاعة صابون. إلا أن هانكس لديه تأويله هنا، فيقول "أجل إنها فقاعة صابون، لكنها تبدو لي أنها أكبر فانوس سحري في العالم، وسينقلنا إلى أماكن مدهشة بمجرد لقائنا بآخرين، ودخولنا معاً الغرفة المظلمة". في هذا الكلام ثمة من يسعى لجائزة أوسكار جديدة.

"متحف الأكاديمية للسينما في لوس أنجليس" افتتح أبوابه في 30 سبتمبر.       

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من سينما