بعد أقل من شهرين على سيطرة حركة "طالبان" على الحكم في أفغانستان وإتمام الانسحاب الأميركي، بدأت الولايات المتحدة عقد أولى مباحثاتها مع الحركة في العاصمة القطرية الدوحة اليوم السبت وحتى يوم غد الأحد. وستركز في الأساس على "الضغط على طالبان لاحترام حقوق جميع الأفغان، وتأليف حكومة شاملة، فضلاً عن السماح لهيئات الإغاثة الوصول بكل حرية إلى المناطق التي تحتاج مساعدات"، وفق إعلان المسؤولين الأميركيين.
وفيما تقول واشنطن إن "اجتماعات الدوحة لا تشير إلى أن الولايات المتحدة تعترف بحكم طالبان وأنها لا تزال متمسكة بأن أي شرعية يجب أن تستمدها الحركة من خلال أفعالها"، يتساءل مراقبون عما إذا كانت تلك المباحثات الأولى من نوعها بهذا المستوى العالي، منذ إتمام الانسحاب الأميركي من البلاد أواخر أغسطس (آب) الماضي، ستقود نحو "اعتراف تدريجي" بحكم "طالبان" في أفغانستان.
"فتح صفحة جديدة"
وفق ما ذكرته اليوم السبت الحكومة الأفغانية المؤقتة التي شكّلتها الحركة، "فإنها بحثت مع وفد الولايات المتحدة في العاصمة القطرية، فتح صفحة جديدة في العلاقات بينهما". وقال وزير الخارجية بالوكالة في حكومة "طالبان" أمير خان متقي، عقب أول اجتماع مباشر عالي المستوى مع الجانب الأميركي، إن "وفد حكومة طالبان الذي ترأسه ركّز على المساعدات الإنسانية وتطبيق الاتفاق المبرم في فبراير (شباط) 2020 في الدوحة بين الحركة وإدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب". وذكر أن "الوفد الأفغاني طالب كذلك الأميركيين باحترام سيادة أجواء أفغانستان وعدم التدخل في شؤونها، ورفع الحظر المفروض على أصول البنك المركزي الأفغاني المجمدة في الخارج".
وقبيل الاجتماعات، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن "الولايات المتحدة ستجري اعتباراً من السبت أول محادثات لها وجهاً لوجه مع حركة طالبان منذ انسحابها من أفغانستان". وقال متحدث باسم الوزارة إن "الوفد الأميركي (لم يحدد أعضاءه) سيضغط على طالبان لاحترام حقوق جميع الأفغان، ويشمل ذلك النساء والفتيات، ولتأليف حكومة شاملة تحظى بدعم واسع". وتابع، "بينما تواجه أفغانستان إمكان حصول انكماش اقتصادي حاد وأزمة إنسانية محتملة، سنضغط أيضاً على طالبان كي تسمح لهيئات الإغاثة بالوصول بكل حرية إلى المناطق التي تحتاج إلى مساعدات".
وفيما لم يحدد المتحدث باسم الخارجية عدد أعضاء وفد واشنطن أو مناصبهم، ذكرت تقارير صحافية أميركية أن الوفد رفيع المستوى، يضم مسؤولين من وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية ووكالات الاستخبارات".
ومنذ سيطرة "طالبان" على العاصمة كابول منتصف أغسطس الماضي، أبقت الولايات المتحدة على اتصالاتها مع الحركة، واعتبرت واشنطن أن الحركة تعاونت إلى حد كبير في السماح لمواطنيها بالمغادرة، لكن نحو 100 أميركي من أصل أفغاني، بحسب مسؤولين أميركيين، لا يزالون مترددين حيال مسألة الخروج من أفغانستان.
وتقرّ الولايات المتحدة بأنها لم تتمكن من إخراج جميع حلفائها الأفغان الذين أرادوا المغادرة خلال عملية الجسر الجوي التي نقلت آلاف الأشخاص من مطار كابول قبل الانسحاب إلى خارج البلاد.
هل تقود المباحثات إلى اعتراف دولي؟
بينما تمضي "طالبان" نحو ترسيخ حكمها في أفغانستان بعد إتمام الانسحاب الأميركي العسكري من البلاد الذي دام لعشرين عاماً، لا يزال المجتمع الدولي حائراً في ما يتعلق بالاعتراف بحكم الحركة، وسط ضغوط غربية لعدم الاعتراف قبل "التحقق من أفعال قادة طالبان لا أقوالهم".
ويتخوف المجتمع الدولي من انتهاج "طالبان" حكماً متشدداً كما حدث عندما وصلت إلى الحكم في الفترة بين عامي 1996 و2001، لذا تطالب غالبية الدول الغربية الفاعلة في المشهد الدولي بضرورة إبقاء الاعتراف "رهينة أفعال طالبان في السلطة"، والتأكيد على أن يكون "قراراً جماعياً وليس أحادياً"، ما انعكس بالنسبة إلى أقرب حلفاء الحركة الدوليين (باكستان وقطر والصين) المتمسكين بإبقاء الاتصالات مع حكام أفغانستان الجدد وعدم قطعها من دون التعجل في الوقت ذاته، بالاعتراف.
وتحاول "طالبان" الحصول على اعتراف دولي لحكمها، وللوصول إلى هذا الهدف الذي لطالما يبعث برسائل طمأنة للداخل والخارج بأنها لا تفعل شيئاً يسبب قلق المجتمع الدولي في قضايا كالسماح للمرأة الأفغانية بالدراسة والعمل، واحترام حقوق الإنسان وحرية التعبير والسفر والتنقل للمواطنين، فضلاً عن منع استخدام الأراضي الأفغانية لتكون مصدر تهديد للدول الأخرى.
ووسط هذه الحيرة الدولية وعدم الاتفاق بعد على "الشروط الواجب توافرها للاعتراف بحركة طالبان وشرعية حكمها لأفغانستان"، تثير الخلافات بين القوى الإقليمية والدولية بشأن مستقبل التعاطي مع أفغانستان قلقاً لدى الغرب، وعما إذا كانت الصين أو إيران وباكستان ستتمكّن من ملء الفراغ الأميركي في كابول بما يهدد المصالح الغربية، بحسب ما نقلت صحيفة "غارديان" البريطانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فوفق ما كتبه ديريك غروسمان من مؤسسة "راند" في واشنطن، فإنه حتى "لو لم تتمكّن بكين من الوثوق بطالبان، من غير المتوقع أن تنتظر الأولى وقتاً طويلاً للاعتراف بها رسمياً"، معتبراً أن هذا الأمر "من شأنه تعزيز فكرة أن بكين وليست واشنطن، هي التي ترسم النظام الإقليمي المستقبلي".
وتُعدّ مسألة الاعتراف الدولي حيوية بالنسبة إلى قادة أفغانستان الجدد، إذ ستنقلهم الخطوة من "حركة مسلحة" إلى "الممثلين الشرعيين لأفغانستان"، ما يعني نفض وسم "الإرهاب" من على عاتق الحركة، وتحوّلها إلى حكومة شرعية تتمتع بكافة الحقوق المتعارف عليها دولياً، ومنها العضوية في منظمة الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية، فضلاً عن حصولها على حق استخدام القوة في مواجهة خصومها في الداخل. كما أن هذا الاعتراف يضفي في نظر المجتمع الدولي الشرعية على القوانين والقرارات الصادرة عن الحكومة في الشؤون الداخلية لأنها تصدر عن حكومة معترف بها دولياً.
ومع تأكيد واشنطن على أن "اجتماعات الدوحة" لا تشير بأي حال من الأحوال إلى اعتراف الولايات المتحدة بحكم "طالبان" في كابول، يقول إبراهيم المنشاوي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، إن "الخطوة الأميركية تعكس أهمية إبقاء اتصالات واشنطن مع الحركة، لا سيما أن الغرب لم يعُد يملك إلا خيارات قليلة بعدما فقد مكانته في أفغانستان كقوة مهيمنة"، مضيفاً في حديث إلى "اندبندنت عربية"، "في هذه الحالة، لا يمكن إملاء الظروف السياسية".
وذكر المنشاوي، "يبدو أن الولايات المتحدة ترغب بالتعامل مع حكومة طالبان، ولكن من دون اعتراف رسمي، فعلى الرغم من توقيعها اتفاقية الدوحة مع الحركة التي تُعتبر نوعاً من الاعتراف بها، فإن أميركا تربط الاعتراف بسلوك حكومة طالبان بخصوص حقوق المرأة والتزامها عدم السماح بالمنظمات التي تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية".
وبحسب ما نقلت وكالة "رويترز" في وقت سابق عن مسؤول بارز في الإدارة الأميركية، طلب عدم نشر اسمه، أن "هذا الاجتماع هو استمرار للتواصل البراغماتي مع طالبان، وهو ما نقوم به بشأن أمور حيوية للأمن القومي"، مضيفاً أن "هذا الاجتماع لا يتعلق بمنح اعتراف أو إضفاء شرعية. ما زلنا واضحين في أن الشرعية يجب أن تُكتسب من خلال أفعال طالبان".