يستضيف غاليري وايتشابل white chapel في لندن معرضاً لأعمال الفنانة سيمون فتال تحت عنوان إيجاد طريق (Finding a Way)، وهو أول معرض فردي للفنانة اللبنانية في العاصمة البريطانية. سيمتد عرض أعمال فتال في لندن حتى منتصف مايو (أيار) المقبل، ويضم مجموعة كبيرة من أعمالها الجديدة. في هذا المعرض تأخذنا سيمون فتال في رحلة لتتبع تجربتها مع الفن والتشكيل بالخامات المختلفة، هذه التجربة التي لازمتها منذ شبابها الباكر وتشكلت معالمها مع الوقت، حتى استقرت على هذا النحو المُفعم بالحنين، والزاخر بالحكايات والأساطير.
في هذا المعرض تبدو قاعة العرض الكبيرة ذات الجدارن العارية كفرن عملاق مليء بنماذج من الأشكال الخزفية والنحتية المصنوعة من الطين والبرونز، والتشكيلات ذات الهيئة الهندسية. إلى جانب هذه الأعمال المُجسمة، يضم المعرض أيضاً عديداً من أعمال فتال المرسومة بالأبيض والأسود، إلى جانب أعمال أخرى منفذة بالألوان المائية والكولاج.
تستلهم سيمون فتال أعمالها من الأساطير والتاريخ والملاحم الشعبية، عطفاً على الطبيعة والشعر الصوفي، كما تدهشنا بهذه الصياغات والتراكيب التي شكلتها بأقل قدر من التفاصيل لموضوعات الطبيعة والجسم البشري. تشكل فتال أعمالها النحتية كما يشكل صانع الخزف آنيته الطينية، غير أنها تضفي على أشكالها وتراكيبها النحتية بعداً فطرياً وبدائياً، يحيلنا على الفور إلى هذه الآثار والأدوات والتشكيلات البدائية التي تركها سكان الكهوف خلفهم، كأن الفنانة تبحث عبر تلك الصياغات عن بداية ذلك الخيط الذي يربط فناني اليوم بأسلافهم، لذا فهي تختزل أشكالها إلى الحد الأقصى، كما تستلهم أفكارها من وحي تلك الحكايات والأساطير التي شكلت وعي هؤلاء البشر الغابرين.
ثقافات بشرية
في تجربة سيمون فتال يبرز اهتمامها جلياً بعلم الآثار، باحثة عن هذه الطبقات والتراكمات، ومنقبة عن هذه الروابط التي تجمع الثقافات البشرية، ويمتد بحثها ليشمل هذه المساحة الشاسعة المحيطة بحوض البحر الأبيض المتوسط وحضاراته القديمة، من العراق وسوريا ومصر إلى اليونان وإيطاليا.
وقد يلفت انتباهك هذا التشابه بين تكويناتها النحتية، والأجساد البشرية المتحجرة التي تم العثور عليها بين أطلال مدينة بومبي الإيطالية، هذه الأشكال التي تجمد زمنها وحركتها بفعل ثورة البركان، هي أشكال خالية من التفاصيل كأعمال فتال، لكنها تحمل في داخلها شيئاً من روح هؤلاء البشر وحياتهم المشحونة بالصراعات والأحلام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على غرار هذه التكوينات المتحجرة، تُشكل فتال أعمالها كمن يروي سيرة بشر مروا ذات يوم على هذه الأرض ثم رحلوا، وما هذه التكوينات التي تشكلها سوى ظلالهم أو أرواحهم المقيمة والباقية للأبد. تختزل سيمون فتال أشكالها إلى الحد الأقصى كما قلنا، ولكن دون أن تفقدها هيئتها البشرية، فهؤلاء الواقفون والمحاربون من دون أطراف أو حتى رؤوس في كثير من الأحيان يتمتعون بكامل القدرة على الحركة والتعبير والإيحاء والتأثير الذي يتمتع به رواد المكان وزائروه، كأنها ظلالهم وقد تجسدت.
ترتبط تجربة سيمون فتال ارتباطاً وثيقاً بالأدب، فقد انشغلت لسنوات بالعمل الثقافي منذ تأسيسها دار نشر "أبولو" في الولايات المتحدة الأميركية عام 1980، كما خاضت مجال الكتابة والترجمة. عرضت فتال أعمالها في أبرز دور العرض الدولية، ودعاها متحف الفن الحديث في نيويورك (موما) عام 2016 لتنظيم معرض شامل لأعمالها. وأقامت أخيراً معرضاً مهماً في مدينة البندقية.