يبدو أن الحرب في اليمن أخذت منحى آخر، ولم تعد بين أطراف حوثية موالية لإيران وبين الشرعية اليمنية المعترف بها دولياً، بعد مقتل 5 أشخاص على الأقل، وجرح العشرات بينهم مدنيون، في اشتباكات تحدث "للمرة الأولى" بين أطراف تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
وكانت أرض مديرية كريتر بمحافظة عدن (جنوب اليمن)، فجر السبت، ساحة للدماء والنار بين فصائل يمنية تندرج تحت مظلة المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا، وهما فصيلا "قوات العاصفة وقوات الشرطة" ضد فصيل ثالث تابع لقوات القائد العسكري في المجلس الانتقالي إمام النوبي.
هذه التطورات التي تنذر بمرحلة أكثر تعقيداً، تأتي عقب أيام من وصول رئيس الوزراء اليمني معين عبدالملك وعدد من الوزراء إلى المدينة الساحلية التي اتخذتها الحكومة الشرعية عاصمة مؤقتة للبلاد.
وفي أول رد فعل حكومي، أصدر رئيس الوزراء، معين عبدالملك، توجيهاته إلى محافظ عدن رئيس اللجنة الأمنية أحمد لملس ومدير أمن عدن اللواء مطهر الشعيبي، بالعمل على وضع حد سريع للأحداث المؤسفة التي تشهدها مديرية كريتر.
واظهرت مقاطع فيديو متداولة تبادل إطلاق النار واشتعال النيران بمختلف أنواع الأسلحة وسط أحياء "الطويلة وأروى والعيدروس وجولة الفل وسوق كريتر" المكتظة بالسكان، فيما أظهرت مقاطع أخرى نساء ورجال في أحياء المدينة يستغيثون بطلب النجدة ووقف المواجهات التي حاصرتهم داخل منازلهم وسط خوف وذعر شديدين.
ووفقاً لوسائل إعلام يمنية، فقد توقفت الحياة في مدينة كريتر منذ ساعات الصباح الأولى، وأظهرت صوراً متداولة شوارع المدينة خالية من أي حركة، كما أن عشرات الأسر لا تزال محاصرة وغير قادرة على الخروج من منازلها.
المطالبة بتحسين أزمة المعيشة
مصدر محلي في عدن أكد لـ"اندبندنت عربية"، أن "الاشتباكات اندلعت عقب قيام قوات الشرطة باعتقال عدد من الشباب إثر مشاركتهم في الاحتجاجات التي شهدتها عدن خلال الأيام الماضية للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية، والحد من تدهور العملة المحلية وارتفاع الأسعار"، موضحاً أن "فصيلاً مسلحاً يتبع القائد العسكري "إمام النوبي" قام باقتحام قسم الشرطة وإخراج الشباب واحتجاز ضابط أمني.
وذكر المصدر خلال حديثه، أن "وساطات للتهدئة تقوم بها بعض الأطراف العسكرية والمدنية لفض الاشتباكات التي تسببت في إحداث خوف وهلع شديدين في أوساط الأهالي الذين ناشدوا الطرفين النأي بأحيائهم عن الصراعات المسلحة من أي نوع، في ظل تضرر كبير لعدد من المنازل والمحال التجارية".
ومنذ صباح اليوم، باشرت قوات العاصفة والشرطة والأمن باقتحام عدد من الأحياء السكنية في مديرية كريتر التي يقع بها قصر معاشيق الرئاسي، بحثاً عمَّن تصفهم بالإرهابيين.
ولم يصدر عن الحكومة اليمنية أو مؤسساتها الأمنية أي تعليق على الأحداث الجارية في عدن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومنذ أغسطس (آب) 2019 يسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا على مفاصل العاصمة المؤقتة للبلاد وعدد من المحافظات الجنوبية بعد طرده الحكومة الشرعية بقوة السلاح.
بؤر إرهابية
في غضون ذلك، دعت اللجنة الأمنية في عدن (موالية للمجلس الانتقالي) سكان مديرية كريتر إلى التزام منازلهم خلال الساعات القليلة المقبلة لتقوم بما سمته "تطهير المدينة" من بعض البؤر الإرهابية.
وقالت اللجنة إنها لن تتهاون مع أي جهة تحاول المساس بأمن عدن ومواطنيها ورفع السلاح في وجه السلطة. وتعهدت بحماية الممتلكات الخاصة والعامة التي كانت عرضة للسلب والنهب خلال الأيام الماضية، حسب وصفها، في إشارة للاحتجاجات الشعبية التي شهدتها المدينة على مدى الأسابيع الماضية جراء تردي الأوضاع المعيشية وانعدام الخدمات، وفي مقدمتها انهيار العملة الوطنية والغلاء الفاحش وانعدام الوقود وانقطاع الكهرباء بالتزامن مع ارتفاع كبير في درجة الحرارة والرطوبة العالية.
احتجاجات غاضبة
وتشهد المدينة وعدد من المحافظات توتراً بين الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، والمجلس الانتقالي الجنوبي بشأن السيطرة على جنوب البلاد، ما تسبب في إحداث حالة من الشلل العام، الأمر الذي أدى إلى اندلاع احتجاجات غاضبة.
وكان "الانتقالي" الذي يتبنى علناً خيار فصل جنوب اليمن عن شماله، ويدعي تمثيله الحصري خيارات أبناء المحافظات الجنوبية، قد أعلن في أبريل (نيسان) من العام الماضي، ما سماه "الإدارة الذاتية للجنوب"، وشرع في تنفيذ خطوته بمصادرة الإيرادات المالية الحكومية في العاصمة المؤقتة، عدن، وأخيراً في محافظة سقطرى، وهو ما اعتبرته الحكومة الشرعية حينها "استمراراً في التمرد، وعرقلة لتنفيذ اتفاق الرياض"، وطالبت بالتراجع الفوري عنه، ووصفته بـ"الانقلاب الجديد".
وفي كل مرة تتوسط السعودية لفرض تهدئة وإبرام اتفاق يهدف إلى إنهاء الأزمة بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، بما يشمل تشكيل حكومة جديدة بمشاركة "الانتقالي"، وتسخير كافة الجهود لمواجهة الانقلاب الحوثي، لكن الكثير من بنوده لم تجد طريقها للتنفذ حتى الآن بسبب الخلاف القائم حول عملية إعادة نشر القوات المسلحة التابعة للطرفين.
السياسي يتبع الخدمي
وفيما يغلي الشارع في الجنوب، لا يتوقع مراقبون انفراجة وشيكة للأوضاع الصعبة التي تعزز حدتها عوامل الانقسام الداخلي مع استمرار التوتر والخلافات، رغم الجهود الدولية لرأب الصدع داخل صف الجبهة المناوئة للحوثي، وتوحيد الجهود السياسية والعسكرية لمواجهة الانقلاب وفقاً لاتفاق الرياض الموقع بينهما في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
حقن الدماء
وعلى الرغم من جهود الرياض الساعية لرأب صدوع الخلاف داخل صف الشرعية، فإنه منذ التوقيع على اتفاق الرياض الذي جرى في نوفمبر 2019 برعاية العاهل السعودي وحضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والرئيس عبدربه منصور هادي، وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، وقائد المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، ظل السجال السياسي والإعلامي هو السائد في علاقة الطرفين، مع شن كل طرف اتهاماته للآخر بعرقلة الاتفاق وبنوده السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية.