Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أعمال مجهولة للرسام الياباني هوكوساي في المتحف البريطاني

صاحب لوحة "الموجة العظيمة" أحدث تحولاً في الفن الغربي وفتح أفقاً بصرياً واسعاً

لوحة "جبل فوجي" للرسام الياباني الشهير هوكوساي (الخدمة الإعلامية للمعرض)

حين أنهى الرسام الياباني كاتسوشيكا هوكوساي مجموعته المعروفة "مئة مشهد لجبل فوجي" وكان حينها قد تجاوز السبعين من عمره، كتب مُعلقاً على هذه الرسوم: "منذ طفولتي وأنا مولع برسم الأشياء، وحين بلغت الخمسين وصلت إلى حد الإتقان في رسم الطبيعة. اليوم يمكنني القول إن كل ما رسمته قبل وصولي إلى سن السبعين لا يساوي شيئاً. في الثالثة والسبعين اقتربت من فهم بنية الطبيعة والكائنات، وحين أصل إلى سن السادسة والثمانين سأكون أكثر تمكناً بلا شك، وفي التسعين سأصبح قادراً على فهم أسرار الحياة، وحين أصل إلى المئة سأكون قد وصلت إلى مكانة لم يسبقني إليها أحد، وحين أبلغ المئة وعشرة أعوام سينبض بالحياة كل خط وكل نقطة أضعها على الورق... أنا هوكوساي.. العجوز الذي جُن بالرسم".

بين رسامي اليابان خلال القرن التاسع عشر يحتل كاتسوشيكا هوكوساي اليوم مكانة رفيعة في تاريخ الفن العالمي. ومن لا يعرف هوكوساي لا بد أنه صادف يوماً لوحته الأشهر "الموجة العظيمة" مطبوعة على الأكواب أو الملابس أو على منتجات أخرى، فهي تعد أحد الأعمال الأكثر تداولاً وانتشاراً في العالم. وقد أعيد صوغها مرات عدة في أعمال فنية معاصرة، عطفاً على رسوم الغرافيتي وغيرها من الوسائط الأخرى. رسم هوكوساي هذه اللوحة في ثلاثينيات القرن التاسع عشر خلال السنوات الأخيرة من حياته، هذه السنوات التي تعد الأكثر جرأة وغزارة في تجربته الفنية التي امتدت قرابة السبعة عقود.

آفاق فنية جديدة

هذه المكانة التي يتمتع بها الفنان الياباني لا تعود فقط لقدرته الفائقة في الرسم، أو أسلوبه المميز في تناول الموضوعات، بل أيضاً لتأثيره البالغ في مسار الممارسة الفنية ودوره في تطور الفن الحديث. رحل هوكوساي في أربعينيات القرن التاسع عشر تاركاً مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية بين لوحات ورسوم ومطبوعات، إضافة إلى آلاف الكتب المصورة.

في ستينيات القرن التاسع عشر وصلت رسوم هوكوساي إلى أوروبا، وكانت حقبة عامرة بالتحولات، حينذاك كان الفنانون الأوروبيون في غمرة انشغالهم بإعادة النظر في القواعد وأساليب الممارسة الفنية، فدعاهم هوكوساي للبحث عن أفاق جديدة خارج إطار الممارسة الغربية التقليدية.

استقبل الفنانون الأوروبيون وبخاصة فنانو مدرسة باريس أعمال هوكوساي بترحيب بالغ، وصل أحياناً إلى حد الولع، وكان كل من إدغار ديغا وغوغان وفان غوخ وكليمت على سبيل المثال من هؤلاء الشغوفين بالرسوم القادمة من آسيا. وامتلك بعضهم مجموعات كبيرة منها. وكان لهوكوساي النصيب الأكبر من هذا الولع، فقد وصفه إدغار ديغا ذات مرة بأنه ليس مجرد فنان، بل عالم كامل في نفسه. كان لرسوم هوكوساي تأثير بالغ في تطور الممارسة الفنية الغربية، وله بصمات واضحة وملموسة على المدرسة الانطباعية خاصة، بل تجاوز تأثيره حتى إلى مجال الموسيقى، فقد وضع الموسيقي الفرنسي كلود ديبوسي سيمفونيته الشهيرة "البحر" من وحي لوحة "الموجة العظيمة" لهوكوساي.

يرى المؤرخ الفني البريطاني أنغوس لوكير أن الغرب اختصر هوكوساي في لوحته الشهيرة تلك، كما اختصر دوره في تاريخ الفن كذلك في مجرد التأثير في الفن الغربي. ويقول: "إن الأمر يتجاوز ذلك بلا شك، فلن نكون مبالغين بالمرة إذا قلنا إن الفن الحديث بدأ بالفعل مع هوكوساي".

رسوم نادرة

تقديراً لهذه المكانة التي يتمتع بها الفنان الياباني ودوره في تطور الفن الحديث ينظم المتحف البريطاني معرضاً كبيراً يضم نماذج فريدة من أعماله. تتمثل فرادة هذه الأعمال في كونها تُعرض على الجمهور للمرة الأولى. تضم هذه الأعمال أكثر من مئة عمل من الرسوم النادرة التي أنتجها هوكوساي بين عشرينيات وأربعينيات القرن التاسع عشر كجزء من موسوعة مصورة كان يعمل عليها تحت عنوان "كتاب الصور العظيم لكل شيء". ولأسباب غير معروفة لم يتم نشر هذا الكتاب مُطلقاً، وظلت الرسوم التي وضعها هوكوساي من أجل هذا الكتاب تنتقل من جهة إلى أخرى حتى وصلت أخيراً إلى المتحف البريطاني. وكان آخر ظهور لهذه الرسوم في مزاد باريسي في أربعينيات القرن الماضي، ما يجعل من العرض فرصة استثنائية للتعرف إلى أحد جوانب فن هوكوساي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عاصر هوكوساي واحدة من الفترات الأكثر انغلاقاً في تاريخ اليابان والتي امتدت من منتصف القرن السابع عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر، حيث مُنع الناس من السفر إلى الخارج. كانت الاتصالات مع العالم الخارجي في تلك الحقبة محدودة ومنظمة بشكل صارم، حتى أن الانتقال داخل اليابان نفسها كان يتطلب تصريحاً رسمياً. وفي وسط هذا المناخ المنغلق تماماً قرر هوكوساي أن يتخيل العالم من حوله عبر هذه الرسوم الاستثنائية.

في مقدمته لهذه الرسوم يقول هوكوساي: "ربما لا تسمحون لي بالسفر، لكنكم لا تستطيعون إيقاف خيالي عن التحليق عبر القارات والتاريخ". وعلى الرغم من هذا الإغلاق الصارم الذي فُرض على اليابان تُظهر الرسوم مشاهد مُتخيلة من الهند والصين، تتضمن دراسات للحيوانات والطيور، الحقيقي منها والأسطوري، وآلهة الديانة البوذية، ومظاهر الحياة الاجتماعية، وغيرها من الموضوعات الأخرى المرتبطة بهاتين الثقافتين. يسلط هذا المعرض الضوء كذلك على الفترة الأخيرة من حياة هوكوساي المهنية، وهي الفترة التي أنجز خلالها رسومه هذه، ويكشف عن موهبة لا تهدأ، تألقت ببراعة حتى في سنواته الأخيرة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة