يبدو أن الرئيس الأميركي جو بايدن يوشك أن يعطي بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا، طوقاً ينتشله من استعداداته المتعثرة لقمة تغير المناخ المنتظر عقدها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في مدينة غلاسكو الاسكتلندية، وذلك مع إعلان مهم بشأن تقديم الولايات المتحدة الأميركية تمويلاً للبلاد النامية.
قال، جون كيري، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لشؤون المناخ، إن الولايات المتحدة مستعدة "للاضطلاع بدورها" في ما يتصل بحشد تبرعات بقيمة 100 مليار دولار أميركي (ما يساوي 73.2 مليار جنيه استرليني) للبلاد الفقيرة، مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي سيدلي بمزيد من التصريحات في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل ساعات من لقائه جونسون في البيت الأبيض.
رئيس الوزراء البريطاني كان توجه إلى قادة الاقتصادات الكبرى في العالم محذراً من أن التاريخ لن يكون رحيماً في حكمه عليهم في حال عدم وفائهم بالتزاماتهم بشأن تغير المناخ في قمة الأطراف البالغة الأهمية "كوب 26" Cop26.
وفي كلمة ألقاها أمام اجتماع رفيع المستوى على هامش الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة في نيويورك، أعرب جونسون عن شعوره "بالإحباط" لأن بعض أغنى اقتصادات العالم لم تستجب لمطالب خفض انبعاثات الكربون ولم تف بتعهداتها بتمويل حملة بقيمة 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة البلاد النامية على التعامل مع تغير المناخ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشفت أرقام أصدرتها "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" (OECD) أن الدول الغنية لم تحشد كمساعدات للدول الفقيرة على مواجهة تغير المناخ سوى 79.6 مليار دولار في عام 2019، في ارتفاع نسبته 2 في المئة عن العام السابق، ولكنها ما زالت بعيدة كثيراً من الهدف المحدد في عام 2009 (100 مليار دولار سنوياً) وكان مقرراً بلوغه العام الماضي.
لكن كيري يعتقد، كما قال، "إننا سننتهي من هذا الأمر (جمع التبرعات) قبل مؤتمر الأطراف 26، وستؤدي الولايات المتحدة دورها في هذا المجال. ترقبوا خطاب الرئيس، وسيتبين لنا أين وصلنا".
أما ألوك شارما، رئيس "كوب 26"، الذي تحدث إلى كيري في نيويورك، فبدا مسروراً بشكل واضح بتصريحات المبعوث الأميركي، إذ توجه إلى الصحافيين قائلاً، "إذا كان إعلاناً طموحاً، فمن البديهي أنه سيسهم في تحفيز قادة البلاد الأخرى أيضاً، ويساعدنا على المضي قدماً".
"إعلان جيد من الولايات المتحدة سيصنع فارقاً [سيخلف أثراً] كبيراً في ما يتصل بتحقيق هدفنا"، أضاف شارما.
بوريس جونسون، الذي حذر من تدني فرص تحقيق النجاح في غلاسكو حتى ستة من عشرة، قال إن الوقت قد حان بالنسبة إليه ونظرائه من قادة العالم الغني كي "ننضج ونتحمل مسؤولياتنا".
وأضاف موضحاً أنه "عند اختتام القمة، عندما يلتزم معظم العالم بإجراء حاسم يقلب مسار الأمور، سيكون جلياً أمام الجميع من منا افتقر إلى الشجاعة لاتخاذ خطوات إلى الأمام" في التصدي لأزمة المناخ.
وحذر رئيس الوزراء البريطاني من أن القادة الذين يسعون فحسب إلى "القيام بالحد الأدنى" في التصدي لتغير المناخ سيكونون "متواطئين" في المصير الذي ستؤول إليه الدول الفقيرة التي تقع فريسة للحوادث المناخية المتطرفة في ظل ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، ولن يفلتوا هم أنفسهم من المشكلات عينها.
صحيح أن رئيس الوزراء البريطاني لم يأتِ على ذكر أي دول محددة في خطابه، ولكن بدا واضحاً أن كلماته كانت تستهدف بلداناً من قبيل اليابان وروسيا اللتين امتنعتا عن التوقيع على التزامات محسنة بشأن خفض انبعاثات غازات الدفيئة، كذلك البرازيل، ذلك أن الحرائق الواسعة النطاق في غابات الأمازون المطيرة قد أسهمت في تعزيز آثار الاحترار العالمي.
في المقابل، أحجم جونسون عن توجيه انتقادات إلى الصين، علماً أنها تشكل المصدر الأكبر للانبعاثات (الناتجة من أنشطة الإنسان) في العالم- وقد ارجأت التزامها بلوغ صافي انبعاثات صفر [تصفير الانبعاثات] حتى عام 2060، وما زالت تنكب حالياً على بناء محطات طاقة جديدة تعمل بالفحم- واكتفى رئيس الوزراء البريطاني بالقول إن بكين "تبدي علامات حقيقية على إحراز تقدم". تذكيراً، لم يؤكد الرئيس الصيني شي جينبينغ بعد ما إذا كان سينضم إلى عشرات من قادة العالم في غلاسكو، على الرغم من أن شارما، رئيس "كوب 26"، أوضح أن الدعوة ستبقى مفتوحة أمام الصين حتى اللحظة الأخيرة.
في حديثه إلى "نيويورك توداي"، وجه جونسون رسالة صريحة إلى القادة الذين اكتفوا بتقديم تعهدات "سهلة التنفيذ" بشأن المناخ، عوض أن يحذوا حذو المملكة المتحدة في الاستغناء عن استخدام الفحم، ومضاعفة مساهماتهم في التبرعات التي تستهدف جمع 100 مليار دولار للدول الفقيرة بغية التعامل مع تغير المناخ، وتقديم المواعيد النهائية لوقف تصنيع المركبات العاملة بالبنزين، وتحقيق صافي انبعاثات صفر.
كذلك ذكر جونسون أنه عند مناقشة حال الطوارئ المناخية في المنتديات الدولية، "يومئ الجميع برؤوسهم، ونتفق جميعاً على أنه لا بد من القيام بأمر ما. لكن شعوراً متزايداً بالإحباط يعتريني لأن "الأمر" الذي التزم به كثير منكم ليس بكافٍ."
ويرى رئيس الوزراء البريطاني أن الهوة بين الوعود به وما أنجز منها ما زالت "شاسعة"، وثمة اقتصادات كبرى كثيرة "متخلفة أشواطاً عن اللحاق بركب [الوفاء بالتزاماتها]".
وإذ أشاد جونسون بالالتزامات الجديدة التي قدمتها الدنمارك والسويد، أضاف أن "الاكتفاء بإحداث تغييرات ترقيعية، أي مجرد الالتزام بالتدابير السهلة التنفيذ، لن يفضي ببساطة إلى تحقيق التغيير الذي يحتاج إليه الكوكب".
جدير بالذكر أن الاجتماع، الذي عقد على هامش الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة في نيويورك، استمع إلى شهادة مؤثرة من عدد من قادة البلاد الجزرية المنخفضة مثل باربادوس وأنتيغوا وبربودا، تطرقت إلى الدمار الذي سبق أن عاث دماراً في أوطانهم.
وحذر جونسون من أن الدول التي تمتنع عن مساعدة تلك البلاد الفقيرة ستحصد العواقب في المستقبل، قائلاً في هذا الصدد، "في السنوات المقبلة، ستكون القوى العظمى الوحيدة هي القوى الخضراء" التي تراعي البيئة والمناخ.
وأضاف رئيس الوزراء البريطاني متسائلاً، "إذا تنصلت من المسؤولية اليوم، فهل تعتقد أن من يدفعون ثمن هذا القرار سيحتشدون في صفك غداً؟ هذه الدول (الفقيرة) بحاجة إلى حلفاء. تلزمها المساعدة الآن... أن تكون مجرد متفرج يعني أن تكون متواطئاً في تركها لمصيرها- ولكن هذا تحديداً ما ستكون عليه إذا أحجمت عن اتخاذ إجراءات [في هذا الصدد] هذا العام".
وبالنسبة إلى البلاد النامية، لا ينبغي أن يعني صافي انبعاثات صفر الاستغناء عن منافع الطاقة المتولدة باستخدام الوقود الأحفوري، بل "التخلي عن الأساليب القديمة التي عفا عليها الزمن الماضي" للانتقال مباشرة إلى "التكنولوجيا الحديثة الأقل تكلفة والأنظف التي ستعمل على توفير الطاقة للقرن الحادي والعشرين"، من قبيل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بحسب ما قال جونسون.
© The Independent