Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يعني اكتشاف "حجر رشيد" اليمين المتطرف في أميركا؟

اختراق هائل يفضح تفاصيل محرجة حول من يقف وراء هذه الجماعات ومواقعها على شبكة الإنترنت

تظاهرة في واشنطن لأنصار منفذي عملية اقتحام الكابيتول (أ ف ب)

 ظلت شركة "إيبيك" هي المزود الرئيس لخدمات نطاق الإنترنت لغالبية جماعات اليمين المتطرف مثل جماعة "براود بويز" و"كيو آنون" من أصحاب نظرية المؤامرة وغيرهم ممن حرضوا على اقتحام الكونغرس وبث رسائل الكراهية ضد الأقليات، وبخاصة المسلمون واليهود، من دون أن يتمكن أحد من التعرف على هويات المستخدمين، لكن هذا الستار أو الحجاب الذي يختبؤون خلفه، اختفى فجأة قبل أيام قليلة عندما اخترق متسللون شركة "إيبيك" وكشفوا 150 غيغا بايت من الأسرار والبيانات عن عملاء الشركة وهو ما اعتبره المتخصصون والباحثون بمثابة اكتشاف حجر رشيد اليمين المتطرف الذي سيساعد على فك شفرة هذه الجماعات، فما الذي يعنيه ذلك، وما تداعياته بالنسبة للصراع بين اليمين واليسار الأميركي وأنصار الرئيس السابق دونالد ترمب؟
 
التسريب الأكبر 

منذ ظهور أخبار الاختراق الأسبوع الماضي، انتشرت التسريبات الأولية بشكل واسع ومتسارع عبر "تويتر" بما في ذلك بعض التفاصيل المحرجة حول من يقف وراء جماعة "براود بويز" ومواقع اليمين المتطرف الأخرى على شبكة الإنترنت، لكن يبدو أن المتخصصين بدراسة هذه الجماعات يرون أنهم سيحتاجون إلى عدة شهور وربما سنوات للبحث في كل هذه المعلومات والبيانات الضخمة، مثلما استغرق الأمر عدة سنوات للكشف عن معنى الحروف الهيروغليفية المدونة على حجر رشيد في مصر قبل نحو قرنين من الزمان، واعتبرت ميغان سكوير أستاذة علوم الكمبيوتر في جامعة إيلون التي تدرس التطرف اليميني، أن هذا يعد أكبر تسريب تشهده في هذا المجال، وهو بالتأكيد الأكثر إثارة للاهتمام نظراً لما يسببه من إحراج. 

اكتسبت شركة "إيبيك"، التي تتخذ من إحدى ضواحي مدينة سياتل بولاية واشنطن المطلة على المحيط الهادي، سمعتها في عالم الإنترنت من خلال توفيرها خدمات ويب مهمة للمواقع التي تتعارض مضامينها المنشورة، مع سياسات الشركات الأخرى التي تحظر خطاب الكراهية والمعلومات المضللة والدعوة إلى العنف، حيث تشمل قائمة عملائها عدداً من المواقع التي تسمح بالمشاركات المتطرفة بعدما لفظتها الشركات الأخرى لفشلها في تعديل ما ينشره مستخدموها. 

بيانات التطرف 

وتشير البيانات المسجلة على الإنترنت إلى أن هذه المواقع والتطبيقات اشتملت موقع جماعة "8 تشين" الذي تم إزالته بعدما نشر بيان كراهية كتبه المسلح المتطرف الذي قتل 51 مسلماً في مسجدين بمدينة كرايست تشيرش النيوزيلندية عام 2019، كما تضمن موقع "جاب" الذي أزيل من الإنترنت بسبب العبارات المعادية للسامية التي نشرها المتشدد الذي قتل 11 في معبد يهودي بمدينة بيتسبيرغ الأميركية عام 2018، فضلاً عن موقع وتطبيق "بارلر" الذي تم حذفه بسبب تراخيه في التعامل مع المحتوى المتطرف حول هجوم أنصار الرئيس السابق دونالد ترمب على مبنى الكابيتول واقتحام الكونغرس يوم 6 يناير (كانون الثاني) عام 2021. 
  
كما تقدم "إيبيك" أيضاً خدمات لشبكة من المواقع المخصصة في نشر نظريات المؤامرة المتطرفة "كيو آنون" والتي استضافتها "إيبيك" لفترة وجيزة، فضلاً عن استضافة موقع "دايلي ستورمر" الذي يديره النازيون الجدد في عام 2019 قبل أن تسارع "إيبيك" بإغلاقه بعد ذلك، مثلما توقفت عن دعم جماعة "8 تشين" بعد فترة قصيرة من الزمن.

هدفاً للسخرية

وبعد الكشف عن عملية الاختراق والتسريب، أصبحت شركة "إيبيك" هدفاً للسخرية بين الباحثين، الذين اندهشوا من فشل الموقع الواضح في اتخاذ احتياطات الأمان الأساسية، مثل التشفير الروتيني الذي يحمي البيانات المتعلقة بعملائه من أن تصبح عامة ومكشوفة للجميع، بخاصة وأن مؤسس "إيبيك" وهو روبرت مونيستر كان مستعداً منذ سنوات لتقديم الملاذ الآمن عبر الإنترنت لليمين المتطرف، ما جعله هدفاً منتظماً لمناهضي التطرف، الذين انتقدوه لاستخدامه أدوات "إيبيك" في إعادة نشر بيان مرتكب جريمة كرايست تشيرش وإعادة بث الفيديو الذي التقطه القاتل خلال ارتكابه المذبحة ضد المسلمين في نيوزيلاندا.

ويدافع مونستر عن عمل شركته باعتباره أمراً حاسماً لإبقاء شبكة الإنترنت حرة وغير خاضعة للرقابة ليتخذ بذلك موقفاً مؤازراً مع المحافظين الذين يجادلون بأن شركات التكنولوجيا الرائدة مثل "فيسبوك" و"تويتر" و"أمازون" و"يوتيوب"، تمادت كثيراً في مراقبة المحتوى الذي يعتبرونه غير مناسب. 

كشف المستور 

تتضمن الملفات التي تم تسريبها، سنوات من سجلات شراء مواقع الويب ورسائل البريد الإلكتروني الداخلية للشركة، وبيانات اعتماد حساب العملاء التي تكشف من يدير أكبر مواقع الويب اليمينية المتطرفة، كما تتضمن البيانات أسماء العملاء وعناوين المنازل وعناوين البريد الإلكتروني وأرقام الهواتف وكلمات المرور، بل شمل الاختراق كشف السجلات الشخصية لخدمة خصوصية تقدمها "إيبيك" للعملاء الراغبين في إخفاء هويتهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأتاحت عمليات الاختراق لعامة الناس تنزيل البيانات والمعلومات التي قال المتسللون المجهولون، إنها سوف تساعد الباحثين على تتبع ملكية وإدارة أسوأ ما يمكن أن تقدمه الإنترنت على حد وصفهم، فيما تشير صحيفة "واشنطن بوست" إلى أن العديد من نطاقات الاستخدام  في التسريب ترتبط بمجموعة براود بويز اليمينية المتطرفة، والتي تشتهر بمشاجرات الشوارع العنيفة والمشاركة في هجوم 6 يناير على مبنى الكابيتول، وهي المجموعة التي حظرها "فيسبوك" عام  2018 باعتبارها مجموعة  تشجع على نشر الكراهية.

ومن بين ما نشره أحد الحسابات على "تويتر" من هذه التسريبات التي لم يتم التحقق منها، موضوع يزعم أنه يفضح مسؤولي المواقع الخاصة بجماعة "براود بويز" ومنهم ناشط سياسي محافظ لعب دوراً رئيساً في نشر مزاعم تزوير الانتخابات الرئاسية عام 2020، وبحسب موقع "ديلي دوت" المتخصص في أخبار التكنولوجيا، فإن هذا الناشط اتخذ خطوات بعد حادث اقتحام الكابيتول من أجل إخفاء ملكيته لأكثر من 100 نطاق مسجل في شركة "إيبيك" وأن نصفها استخدمت شعار ترمب الشهير "أوقفوا السرقة" في إشارة إلى تزوير الانتخابات.

"وثائق بنما" جديدة 

وبينما يحث الباحثون على التحقق بعناية من الحقائق لحماية المصداقية، فإن البيانات لا تزال محيرة ومربكة بسبب قدرتها على كشف المتطرفين الذين يعملون مستترين في الوظائف العامة.

وتقول إيما بيست، المؤسس المشارك لمجموعة غير ربحية للإبلاغ عن المخالفات، إن هذه التسريبات أشبه بفضيحة "وثائق بنما" التي تكشفت عام 2016 وسربت 11.5 مليون وثيقة سرية من شركة خدمات قانونية في بنما وشكلت ملاذاً للتهرب الضريبي من قبل شخصيات ومسؤولين سياسيين واقتصاديين ورجال أعمال في عشرات الدول المختلفة، لكن تسريبات من شركة "إيبيك" تتعلق بمجموعات نشر الكراهية على حد تعبيرها، ولهذا فإن البحث في الملفات يتطلب عمالة مكثفة، وإنفاق كثير من الأموال في عملية قد تستغرق شهوراً للتعرف على فحوى هذه البيانات والمعلومات. 

ويعتقد الباحثون في مجال التطرف أن النتائج الأكثر أهمية تتعلق بهويات الأشخاص الذين يستضيفون مواقع متطرفة مختلفة والدور الرئيس الذي لعبته شركة "إيبيك" في إبقاء المواد على الإنترنت لاستخدامها من قبل المستخدمين العاديين، حيث تشير ريتا كاتز، المديرة التنفيذية لمجموعة "سايت انتيليجينش غروب"، التي تدرس التطرف عبر الإنترنت، إلى أن "إيبيك" لعبت دوراً رئيساً في الحفاظ على بؤر الإرهابيين اليمينية المتطرفة على قيد الحياة ومن دون وجود "إيبيك"، كان العديد من هذه التجمعات المتطرفة من كيو آنون والقوميين البيض إلى النازيين الجدد، سيحظون بقدر أقل من الدعم والطاقة لنشر الخطر والضرر، سواء كان ذلك بسبب أعمال الشغب في 6 يناير داخل الكابيتول أو نشر المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة.  

تحقيق متوقع 

ونظراً لتفاخر شركة "إيبيك" بإجراءاتها الأمنية، ونطاق استضافة الويب الخاص بها، يرجح مسؤولون سابقون في لجنة التجارة الفيدرالية أنها ستكون هدفاً لتحقيقات اللجنة الفيدرالية، بخاصة إذا تم تحذير الشركة وثبت فشلها في اتخاذ إجراءات وقائية.

وأدت إخفاقات مماثلة من جانب شركات أخرى تم اختراقها إلى إجراء تحقيقات من لجنة التجارة الفيدرالية، التي قامت من قبل بالتحري والتدقيق في شركات فشلت في حماية بيانات عملائها من المتسللين، وأدت التحقيقات إلى تسويات تفرض عقوبات مالية ومعايير خصوصية أكثر صرامة.

تهديد مستمر 

وعلى الرغم من أن  التظاهرة الأخيرة التي جرت في واشنطن لدعم المتهمين بارتكاب الهجوم على الكابيتول في 6 يناير لم تشهد أكثر من 200 متظاهر إلا أن التهديد الذي يمثله اليمين المتطرف لم ينته بعد بحسب روبرت بايب أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو والذي أشرف على دراسة في يونيو (حزيران) الماضي كشفت أن 47 مليوناً من البالغين الأميركيين أي ما يقارب 1 من كل 5 أميركيين يتفقون على أن انتخابات 2020 سُرقت من دونالد ترمب وأن جو بايدن هو رئيس غير شرعي. 

والأخطر من ذلك أن 21 مليوناً من الأميركيين يرون أن استخدام القوة له ما يبرره لإعادة دونالد ترمب إلى الرئاسة، وهؤلاء لديهم مشاعر تمرد ولديهم القدرة على التعبئة واستخدام العنف، وأن ما لا يقل عن 7 ملايين منهم يمتلكون أسلحة، و3 ملايين منهم على الأقل خدموا في الجيش الأميركي وبالتالي لديهم مهارات قتالية خطيرة. 

وكشفت الدراسة أن من الراغبين في استخدام القوة، 6 ملايين قالوا في استطلاعات للرأي إنهم يدعمون الميليشيات اليمينية والجماعات المتطرفة، وعلى الرغم من أن نسبة صغيرة من الأشخاص الذين يتبنون آراء متطرفة يرتكبون أعمال عنف، لكن النتائج التي توصلت إليها الدراسة، تكشف عن أن عدد الأميركيين الذين لديهم وجهات نظر يمكن أن تحولهم إلى التمرد في ازدياد وهذا يعد أحد مؤشرات الخطر التي ينبغي على السلطات الأميركية الانتباه إليها. 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير