تسببت واقعة استيلاء تشكيل عصابي على نحو 200 ألف جنيه (13 ألف دولار أميركي) من أموال أحد عملاء بنك مصر حالة من الخوف والشك بين العملاء والمودعين، في ظل خطوات الحكومة المصرية المتسارعة نحو استراتيجية التحول الرقمي من خلال توسيع نطاق التعامل المالي الإلكتروني والحد من المعاملات النقدية.
بدأت تفاصيل الواقعة عندما بثّت ربة منزل فيديو عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أعلنت خلاله سحب 200 ألف جنيه (13 ألف دولار أميركي) من رصيدها في فرع بنك مصر بمدينة سمالوط التابعة لمحافظة المنيا (جنوب البلاد)، من دون علمها بعدما تلقّت اتصالاً هاتفياً من مجهول ادعى فيه أنه من خدمة العملاء في البنك ويعمل على تحديث البيانات، مما جعلها تفصح عن الرقم السري، واكتشفت في ما بعد السرقة، وأفادت بأنها حررت محضراً لدى مباحث الأموال العامة في وزارة الداخلية المصرية.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي الواقعة على نطاق واسع، مما تسبّب في حالة من الخوف والهلع لدى المواطنين، ما دعا بنك مصر إلى إصدار بيان رسمي لتهدئة العملاء وتوضيح تفاصيل الواقعة، متضمناً حزمة من التحذيرات.
وأكد البنك أنه "يتبع القواعد والإجراءات الاحترازية كافة، التي من شأنها الحيلولة دون تعرّض أي من عملائه لعمليات احتيال حرصاً منه على الحفاظ على مصالح قاعدة العملاء"، مشيراً إلى أنه "حرص خلال الفترة الماضية على تحذير العملاء عبر إرسال رسائل نصية للتوعية من الرسائل والمكالمات الاحتيالية، التي من الممكن أن تَرِدهم من أشخاص يزعمون تبعيتهم لبنك مصر أو لأي من الجهات الحكومية، مع طلب تزويدهم بمعلومات عن أشخاصهم أو حساباتهم البنكية". وشدد على ضرورة إبلاغ مسؤوليه فوراً حال حدوث ذلك، فضلاً عن نشر فيديوهات لأفلام توضيحية على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بالبنك تحذّر العملاء من هذه المخاطر.
وأعلن البنك المملوك للدولة مسؤوليته الكاملة عن أموال مودعيه، وأن مصالح عملائه تقع على رأس أولوياته واهتماماته، معرباً عن إدانته الكاملة لواقعة الاحتيال التي تعرّضت لها العميلة وعدد قليل من العملاء، إثر مشاركتهم بياناتهم السرية مع آخرين على الرغم من التحذيرات.
البنك لا يطلب بيانات عملائه عبر الهاتف
وقال نائب رئيس مجلس إدارة بنك مصر عاكف المغربي إن "موظفي البنك في الأمور الطبيعة لا يطلبون من العملاء أو المودعين تحديث بيانتهم الشخصية عبر الهاتف"، مؤكداً لـ"اندبندنت عربية"، "لا تتم عمليات تحديث البيانات إلا من خلال الفروع في البنوك فقط، ونفى تعرّض المصارف المصرية لأي اختراق من هاكرز"، وشدد على أن "ما حدث خطأ من العميل الذي منح الرقم السري للتشكيلات العصابية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحذّر من إفشاء بيانات العملاء السرية مثل الرقم السري المتغير وكود تفعيل خدمات البنك الإلكترونية، خصوصاً رمز التحقق (3 أرقام مدونة على ظهر البطاقة البنكية) إلى جانب أرقام البطاقات البنكية الخاصة بالعملاء وتاريخ انتهائها مع أي شخص عبر الهاتف أو خدمات الكول سنتر، مشيراً إلى "أن البنك سيُفعّل خدمة جديدة وهي تلقّي شكاوى العملاء عبر بريد إلكتروني مخصص لهذا الغرض، وبحث المشكلة وإفادتهم بنتيجة التحقيقات لاحقا"ً.
13 عملية احتيال على 170 ألف دولار
وأضاف أن "واقعة سيدة سمالوط لم تكُن الوحيدة، وأن البنك تلقّى خلال اليومين الماضيين شكاوى مماثلة من عملاء زعموا سحب أموال من حساباتهم من دون علمهم"، مستدركاً، "عددهم تخطى الـ13 عميلاً وتم الاستيلاء على 2.7 مليون جنيه (170 ألف دولار)، لافتاً إلى أن البنك تواصل معهم عبر البريد الإلكتروني المخصص لاستقبال الشكاوى.
وتابع أن مجلس إدارة البنك أوقف مؤقتاً خدمة التحويلات الإلكترونية من الحسابات إلى كارت ميزة (المدفوع مقدماً) من دون إيقاف بقية خدمات الكارت بعد وجود تشكيل عصابي للسطو على أرصدة بعض العملاء بسبب مشاركة بياناتهم مع آخرين، لافتاً إلى أن هذا الإيقاف يأتي لصعوبة تتبّع الأموال المحولة إلكترونياً إليه من الحسابات بعد استغلاله من المحتالين.
وعقب إعلان بنك مصر رسمياً صحة واقعة الاستيلاء، تسابقت البنوك الأخرى وعلى رأسها الوطنية منها مثل البنك الأهلي المصري وبنك القاهرة لتحذير العملاء، بل وطالت سلسلة التحذيرات هيئة البريد المصري التي نبّهت هي الأخرى إلى الاستيلاء على حسابات وأرصدة العملاء ممن يكشفون عن أرقام حساباتهم للغير.
الفرع لم يمر على افتتاحه 3 أشهر
وكشف مصدر مسؤول في بنك مصر، رفض ذكر اسمه، عن أن "السيدة التي تم الاستيلاء على أموالها أحد عملاء البنك في فرع سمالوط، الذي لم يمرّ على افتتاحه أكثر من 3 أشهر، إذ افتتح في بداية يوليو (تموز) الماضي"، وأضاف، "ربما يكون المحتالون استغلوا حداثة البنك واختاروا هذا الفرع لتنفيذ مهمتهم"، مشيراً إلى أن "الواقعة تخضع حالياً لمباحث الأموال العامة التابعة لوزارة الداخلية التي تتعقب في الوقت الحالي حركة الأموال التي سحبها المحتالون، متوقعاً "القبض على التشكيل خلال أيام بجهود الأجهزة الأمنية".
من جانبه، قال مدير مشاريع التحول الرقمي في وزارة المالية المصرية حمدي حسني، إنه "من المؤكد أن واقعة الاستيلاء على مودعي البنوك إلكترونياً سلبية للغاية، خصوصاً أن الدولة تُسرّع من خطواتها نحو هذا القطاع، وتتوسع في المعاملات الإلكترونية". وأضاف أن "هذا لن يُثني الدولة عن المضي في طريق التحول الرقمي، خصوصاً أن عمليات الاستيلاء على الأموال عبر الإنترنت لم تحدث في مصر فقط، بل هي حوادث عارضة وتحصل في أي منطقة بالعالم، ومن المؤكد أن تتوسع الدولة في حملات التوعية والتحذير المستمر للعملاء حتى لا يقعوا في فخاخ المحتالين".
استراتيجية النيابة العامة للتحول الرقمي
في سياق موازٍ، أصدر النائب العام المصري حمادة الصاوي، أمس السبت، قراراً بتشكيل لجنة عليا لوضع استراتيجية النيابة العامة في التحول الرقمي، اتباعاً للمنهج العلمي في هذا المجال، وضماناً للتقدم لمواكبة توجّه الدولة المصرية ومؤسساتها التي تسعى إلى التيسير على المواطنين وتحقيقاً للعدالة الناجزة"، وفقاً لبيان رسمي للنيابة العامة المصرية. وأشار البيان إلى "أن اللجنة التي شُكّلت تختص بوضع الاستراتيجية وسياساتها والإشراف على تنفيذها ومتابعتها وتحديثها تماشياً مع التطورات في مجال التحول الرقمي".