أعلنت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة "5+5"، إعادة فتح الطريق الساحلي الرابط بين مدينتي مصراتة وسرت، بعد إغلاق استمر لسنوات طويلة، في خطوة لها دلالة رمزية كبيرة، أولها وأهمها، توحيد الجغرافيا الليبية التي قسمتها أعوام من الحروب والخلافات إلى معسكرين شرقي وغربي، ودولتين داخل دولة واحدة.
ولقي الإعلان الذي تأخر تنفيذه على الرغم من التوافق عليه منذ توقيع الاتفاق السياسي لحل الأزمة، بداية العام الحالي، ترحيباً كبيراً في ليبيا وخارجها، واعتبرت خطوة مهمة لتنفيذ ما تبقى من بنود اتفاق وقف إطلاق النار، في مقدمها خروج القوات الأجنبية من ليبيا.
بعد انتظار طويل
وأعادت اللجنة العسكرية الليبية، الجمعة 30 يوليو (تموز)، فتح الطريق الساحلي الرابط بين شرق البلاد وغربها، بعد انتظار طويل بسبب بعض العوائق اللوجستية والخلافات على عدد من النقاط المتعلقة بحماية الطريق وتأمينه والجهة التي تتولى هذه المهام.
وقالت اللجنة العسكرية في بيان، إن "الطريق الساحلي سيخضع لسيطرة لجنة الترتيبات الأمنية لتأمين المارين منه، مع منع مرور الأرتال العسكرية من الطريق الممتد من بوقرين شرق مصراتة إلى بوابة الثلاثين غرب سرت".
وطمأنت اللجنة المواطنين كافة من مستخدمي الطريق الساحلي، وبأنه "سيخضع لسيطرة لجنة الترتيبات الأمنية التابعة للجنة العسكرية المشتركة، التي ستقوم بكافة الإجراءات الأمنية بحرفية وحيادية تامة لضمان سلامة وأمن المارة. وأهابت بكافة الهيئات والجهات الرسمية بضرورة التنسيق المسبق مع لجنة الترتيبات الأمنية في ما يخص حركة الشخصيات والوفود الرسمية على هذا الطريق".
وطالب البيان "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بسرعة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بوجود المراقبين الدوليين على الأرض، للإسهام في دعم آلية مراقبة وقف إطلاق النار".
ترحيب وإشادة
وفي السياق، قوبل إعلان فتح الطريق الساحلي بارتياح كبير على المستويين الرسمي والشعبي في ليبيا، وعلى الصعيد الدولي، واعتبرت كل هذه الجهات هذا الإعلان بمثابة قبلة الحياة للعملية السياسية في ليبيا، التي عرفت كثيراً من العثرات في الآونة الأخيرة.
ورحب رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، باستكمال فتح الطريق الساحلي، معتبراً أن هذا الإعلان "خطوة جديدة في البناء والتوحيد"، بينما وصفته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بـ"الخطوة المهمة والإنجاز التاريخي".
في المقابل، اعتبر وزير الداخلية في الحكومة الليبية، خالد مازن، فتح الطريق الساحلي "خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح نحو تنفيذ بنود الاتفاق السياسي، الذي على أساسه تشكلت حكومة الوحدة الوطنية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بينما أعلن القائد العام للجيش، المشير خليفة حفتر، دعمه لهذه الخطوة التي اعتبرها "مؤشراً إيجابياً في اتجاه جمع شمل الليبيين"، مشيراً إلى أنه "لا مجال للوصول إلى السلام الشامل ما لم تغادر جميع القوات الأجنبية والمرتزقة الأراضي الليبية من دون شرط".
وأضاف "على المجتمع الدولي أن يعي جيداً أننا نعني ما نُكرره مراراً، بأنه لا سلام مع المحتل ولا سلام مع المرتزقة ولا سلام إلا والسلاح في يد الدولة"، على حد قوله.
تحريك ملف القوات الأجنبية
وفي الأثناء، رأى كثير من المحللين في ليبيا إعلان إعادة فتح الطريق الرابط بين سرت ومصراتة، خطوة مهمة لتحريك ملف خروج القوات الأجنبية من ليبيا، والضغط على أطراف الاتفاق السياسي لسرعة تنفيذ الشق الخاص بهذا الملف، الذي ماطلت طويلاً في إتمامه، على الرغم من النداءات الدولية الواسعة بهذا الشأن، أبرزها التي صدرت أكثر من مرة عن مجلس الأمن، وما نص عليه اتفاق برلين الأول والثاني حول ليبيا، بحضور دولي واسع.
وأكدت سلسلة البيانات الصادرة، تعليقاً على فتح الطريق، ما ذهبت إليه هذه التحليلات، إذ لم يخل واحد منها من التعريج على الوجود العسكري الأجنبي في ليبيا والمطالبة بإنهائه في أسرع وقت.
وكانت اللجنة العسكرية المشتركة المسؤولة عن تنفيذ بنود وقف إطلاق النار، تطرقت في بيانها الخاص بإعلان عودة الحركة في الطريق الساحلي إلى هذه النقطة، معلنةً أنها بدأت في التحضير لتنفيذ البند الخاص بخروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، في أقرب وقت.
وأكد عضو اللجنة العسكرية عن المنطقة الغربية، مصطفى يحيى، أن "فتح الطريق الساحلي يعد باباً للدخول إلى القضايا الشائكة مثل خروج المرتزقة والقوات الأجنبية".
وناشدت اللجنة بعثة الأمم المتحدة لمساعدتها في حل هذه الإشكالية، من خلال إرسال بعثة المراقبة الدولية لوقف إطلاق النار، ومنع توريد السلاح والمقاتلين إلى ليبيا، كما طالبت حكومة الوحدة بسرعة تعيين وزير للدفاع، لمساعدتها في تنفيذ اتفاق خروج القوات الأجنبية والمرتزقة في ليبيا، الذي يعد واحداً من العقبات المهمة في طريق إنجاز الاتفاقات الليبية بشقيها السياسي والعسكري.
دعم دولي
وتلقت اللجنة العسكرية الليبية رداً سريعاً استجابةً لمناشدتها المجتمع الدولي بدعم أعمالها لإنهاء الوجود العسكري الأجنبي في ليبيا، إذ أصدرت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بياناً، الجمعة، قالت فيه إن "فريق الخبراء الخاص بالمرتزقة التابع للأمم المتحدة أكد على ضرورة مغادرة كل المرتزقة والمتعاقدين العسكريين الخاصين في ليبيا".
وأضافت أن "استمرار تجنيد المرتزقة وبقائهم، يعيقان تقدم عملية السلام ويشكلان عقبة أمام الانتخابات المقبلة"، مشيرةً إلى أن الفريق الدولي "حذر من خطر المرتزقة المدربين والمسلحين على أمن دول أخرى في المنطقة واستقرارها".
من جانبه، قال المبعوث الخاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا يان كوبيش، إن "افتتاح الطريق الساحلي خطوة أخرى في تعزيز السلام والأمن والاستقرار في البلاد وتوحيد مؤسساتها، وخطوة حيوية لمواصلة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وتسهيل حرية حركة التجارة وتقديم الدعم الإنساني للشعب الليبي".
لكنه شدد على أن "الإجراء الرئيس التالي في عملية تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، هو الشروع في سحب كل المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من ليبيا من دون تأخير، عبر البدء بسحب المجموعات الأولى من المرتزقة والمقاتلين الأجانب من كلا الجانبين".
عودة الاشتباكات في الغرب
ولم تكد تمر ساعات على تلقي الشارع الليبي الخبر المفرح المتعلق بفتح الطريق الساحلي، حتى تلقى خبراً آخر عكّر الفرحة وحالة التفاؤل التي عمت البلاد، بعد تجدد الخلافات والاشتباكات المسلحة بين الكتائب العسكرية في المنطقة الغربية.
الاشتباكات التي وصفتها مصادر متطابقة بـ"العنيفة"، اندلعت الجمعة، في منطقة الماية، غرب العاصمة طرابلس، بين قوات عسكرية يقودها القيادي، محمد البحرون، وهي تابعة لمدينة الزاوية، وأخرى يرأسها معمر الضاوي، تابعة لمدينة ورشفانة.
وبحسب مصادر محلية وصحافية، استخدمت في هذه الاشتباكات التي لا تزال مستمرة حتى الآن، كل أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة، ما أدى إلى إغلاق تام للطريق المؤدي إلى طرابلس من جهة الغرب.
وتداول نشطاء على مواقع التواصل صوراً ومقاطع فيديو تظهر سقوط قذائف هاون على الأحياء السكنية، وتصاعد أعمدة الدخان جراء سقوط هذه القذائف، دون أن تكشف مصادر رسمية وموثوقة عن عدد الضحايا والإصابات حتى الآن.