نجح عدد من العلماء في حل لغز عمره عقود من الزمن حول كيفية إنتاج كوكب المشتري Jupiter "أشفاقاً قطبية" ("أورورا" وهي عبارة عن مزيج من الهالات الملونة الساحرة) منتظمة كدقات الساعة، تنبعث منها أضواء الأشعة السينية أو الأشعة "أكس".
الأشعة السينية القادمة من المشتري جزء من اندفاعات هائلة من الضوء المرئي وغير المرئي يطلقها الكوكب، تنشأ نتيجة اصطدام جسيمات مشحونة تسمى "أيونات" بغلافه الجوي.
معلوم أن ظاهرة مماثلة تطرأ على كوكب الأرض وتتسبب بظهور الشفق، المعروف كذلك باسم أضواء الشمال، الذي يُشاهد عادة خلال الأشهر الباردة في بلدان أقصى شمال الأرض.
لكن شفق المشتري أكثر سطوعاً بأشواط مقارنة مع نظيره الأرضي، ذلك أنه يطلق مئات الغيغاوات من الطاقة. وتتميز تلك الطاقة المتأتية من القطبين الشمالي والجنوبي للكوكب، بأنها شديدة إلى حد أنها كافية لتزويد البشر أجمعين بالكهرباء لفترة وجيزة.
أخيراً، اكتشف فريق بحثي، تشاركت في قيادته "كلية لندن الجامعية" (UCL) و"الأكاديمية الصينية للعلوم" في بكين، كيفية نشوء تلك الأشفاق القطبية بعد 40 عاماً من الغموض.
وجد العلماء أن الأشعة السينية نجمت من مجموعة من الاهتزازات المنتظمة في خطوط الحقل المغناطيسي للمشتري التي تحيط بالكوكب في حلقات عمودية تتصل من قطبه الشمالي إلى قطبه الجنوبي.
تصنع تلك الاهتزازات موجات من مواد في حالة "بلازما" أو "الهَيُولى" (غاز أيوني)، ترسل أيونات ثقيلة "تتحرك كأنها تركب الأمواج" على طول خطوط المجال المغناطيسي حتى تصطدم بالغلاف الجوي للكوكب، وتطلق كميات هائلة من الطاقة على شكل أشعة سينية.
في عمليات رصد درسها العلماء، كان المشتري ينتج دفقات من الأشعة السينية كل 27 دقيقة.
جسيمات الأيونات المشحونة، التي تصطدم بالغلاف الجوي للمشتري، تنشأ من الغاز البركاني المتدفق في الفضاء من براكين عملاقة تنتشر على سطح "أيو"، أحد أقمار المشتري المكتشفة حتى الآن، البالغ عددها 79 قمراً.
يتأين هذا الغاز، إذ تصبح الإلكترونات فيه حرة وغير مرتبطة بالذرة جراء الاصطدامات في البيئة المباشرة للمشتري، ويشكل سحابة من البلازما على شكل حلقة حول المشتري تُعرف باسم "نتوء (أو حيد) بلازما قمر أيو" Io Plasma Torus.
قال الدكتور ويليام دن، من "مختبر علوم الفضاء مولراد في كلية لندن الجامعية" لعلوم الفضاء: "طوال أربعة عقود من الزمن، شاهدنا المشتري فيما يطلق أشفاقاً قطبية من الأشعة السينية، لكننا لم نعرف كيف حدث ذلك. جل ما كنا نعرفه، أن ظهورها كان يتزامن مع اصطدام الأيونات بالغلاف الجوي للكوكب."
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما الآن فيعرف علماء الفلك، وفق الدكتور دن: "أن موجات من البلازما تنقل تلك الأيونات، في تفسير لم يسبق أن اقترحه أحد، على الرغم من أن عملية مماثلة تنتج الشفق القطبي الخاص بالأرض".
"من ثم، ربما تكون هذه ظاهرة شاملة، موجودة في بيئات مختلفة كثيرة في الفضاء،" كما قال الدكتور دن.
في الدراسة، جمع الباحثون بين عمليات رصد تقصت بيئة المشتري عن قرب بواسطة القمر الصناعي "جونو" Juno التابع لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، الذي يدور حول الكوكب الأكبر في نظامنا الشمسي منذ عام 2016، علاوة على توفير قياسات للأشعة السينية من المقراب الفضائي "أكس أم أم- نيوتن"MM-Newton التابع لـ"الوكالة الأوروبية لبحوث الفضاء" (إيسا)، والموجود في مدار الأرض.
استمرت عمليات الرصد التي نفذها القمر الفضائي والمسبار 26 ساعة متواصلة.
في تحليلاتهم، وجد العلماء علاقة واضحة تربط بين موجات البلازما التي اكتشفها "جونو" من جهة، والتوهجات الشفقية للأشعة السينية في القطب الشمالي للمشتري التي سجلها "أكس أم أم- نيوتن" من جهة أخرى. ثم استخدم الباحثون نماذج حاسوبية افتراضية للتأكد من أن الموجات ستدفع الأيونات الثقيلة نحو الغلاف الجوي للكوكب.
وقالت البروفيسورة غرازيلا براندواردي-رايمونت، إن "الأشعة السينية تنبعث عادة من ظواهر قوية وعنيفة جداً من قبيل الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية، لذا يبدو مستغرباً أن تطلقها أيضاً أجرام فضائية ليست سوى كواكب."
"محال أن نزور أي ثقوب سوداء، لأنها أبعد من إمكانات السفر إلى الفضاء، بيد أن المشتري قريب من الأرض نسبياً. ومع وصول القمر الصناعي "جونو" إلى مدار الكوكب، يحظى علماء الفلك الآن بفرصة رائعة كي يدرسوا عن قرب بيئة تنبعث منها أشعة سينية،" حسبما أوضحت البروفيسورة براندواردي.
ليس واضحاً السبب وراء الاهتزازات التي تشهدها بصورة منتظمة خطوط المجال المغناطيسي للمشتري، ولكن تفيد نظريات بأنها ربما تعزى إلى رياح شمسية أو بلازما عالية السرعة تتدفق داخل الغلاف المغناطيسي للمشتري، المنطقة التي يسيطر عيلها المجال المغناطيسي للكوكب. تذكيراً، الغلاف المغناطيسي للمشتري أكثر قوة بحوالى 20 ألف مرة من نظيره الخاص بالأرض.
الدكتور زونغهوا ياو قال، إن عمليات مماثلة تحدث على الأرجح حول الكواكب زحل، ويورانوس، ونبتون، و"ربما الكواكب خارج المجموعة الشمسية أيضاً".
نُشرت الدراسة الجديدة في مجلة "ساينس أدفانسيس"Science Advances.
© The Independent