في أغلب الدول التي شهدت انهياراً اقتصادياً وتراجعاً حاداً في سعر صرف العملة المحلية، تحولت الأزمة إلى فرصة لإعادة التوازن في الاقتصاد من بوابة السياحة التي تدر للبلاد العملات الأجنبية. وهذا ما شهدته قبرص واليونان ومصر، وغيرها من الدول، حين تهافت السياح من مختلف دول العالم للاستفادة من ارتفاع القدرة الشرائية لدى السائح مقارنة مع دول أخرى. إلا أن انهيار الليرة اللبنانية بما يتجاوز عشرة أضعاف من قيمتها خلال أقل من عامين، لم يتحول إلى فرصة حقيقية، في ظل تزامن الانهيار المالي مع انهيار اجتماعي متفاقم، يكاد يصل إلى حد الانفجار والتفلت الأمني في أية لحظة.
وفي وقت راهن فيه القطاع السياحي على موسم الصيف الحالي لتعويض جزء من الخسائر الجسيمة التي مُني بها، بسبب الإغلاق العام الذي شهدته البلاد مع انتشار جائحة كورونا، إضافة إلى انعكاس الأزمة اللبنانية، يبدو أن أزمة الوقود وانقطاع الكهرباء وترنح القطاع الاستشفائي، كلها عوامل أجهضت فرص استقطاب السياح العرب والأجانب الذين وفق المعلومات، عدلوا خطط قدومهم إلى لبنان، واختاروا دولاً أخرى بعيداً عن المخاطر التي يخشونها في لبنان.
أرخص الوجهات السياحية
وفي السياق، يقول رئيس اتحاد النقابات السياحية نقيب أصحاب الفنادق، بيار الأشقر، إنه بسبب الأزمة الاقتصادية بات لبنان من أرخص البلدان وأقلها تكلفة للسياحة، مثلاً معدل تعرفة الغرفة في الفنادق الخمس نجوم إن كان في قبرص أو دبي أو تركيا يتراوح بين الـ250 والـ350 يورو، إلا أنها بحدود الـ100 دولار في لبنان. أما بخصوص المصاريف الأخرى من أكل وشرب فهي منخفضة بشكل كبير بالنسبة إلى السائح.
وأشار إلى أن نسبة كبيرة من السياح العرب والأجانب ألغت حجوزاتها في الفنادق اللبنانية بعد تفاقم الأزمات، ولا سيما أزمة الوقود وما نقلته الفضائيات العالمية من مشاهد لطوابير السيارات والإشكالات المستمرة أمام المحطات، إضافة إلى معضلة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة خلال النهار، معتبراً أنه وعلى الرغم من مأساوية المشهد، هناك توقعات بأن يكون هناك سياح من العراق والأردن ومصر وبعض الدول الأوروبية.
ولفت إلى أن معظم الحجوزات المتوقعة خلال هذا الموسم ستكون مرتكزة على السياحة الداخلية والمغتربين اللبنانيين، خصوصاً أن نحو 700 ألف لبناني ممن كانوا يصنفون طبقة وسطى كانوا يسافرون سنوياً خلال فصل الصيف ضمن رحلات تنظمها مكاتب سفر خاصة، لكن نتيجة شح الدولار وتراجع قدرتهم الشرائية فضلوا السياحة داخل لبنان، بالإضافة إلى أن نحو 450 ألف لبناني يعملون في دول الخليج و200 ألف في دول أفريقيا يزورون لبنان سنوياً.
تحديات أمنية
في المقابل، يعتبر نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي، طوني الرامي، أن الموسم السياحي يعتمد على ثلاثة مقومات هي: السياح الوافدون والمغتربون إضافة إلى السياحة الداخلية، متوقعاً غياب السياح العرب والأجانب هذا الموسم. وقال: "نعول على المغتربين اللبنانيين وما تبقى من السياحة الداخلية في هذا الموسم"، موضحاً أن السياحة الداخلية منتكسة بشكل كبير، لأن أقل من خمسة في المئة من اللبنانيين هم فقط قادرون على تنظيم سياحة داخلية في ظل الظروف الاقتصادية وانخفاض القدرة الشرائية.
وأضاف، "نأسف أن نتحدث عن السياحة وأكبر عشرة فنادق في بيروت لا تزال مقفلة، في وقت تشكل هذه الفنادق المقصد الأول والعامل الجاذب الأساسي للسياح العرب ورجال الأعمال والسياحة المثمرة والغنية". وربط نجاح الحد الأدنى من الموسم بالاستقرار الأمني والسياسي، قائلاً "للأسف، كل المؤشرات السياسية الحاصلة ترتد سلباً على السياحة، وطالما أن هذه المؤشرات سلبية سيبقى الانعكاس على القطاع السياحي سلبياً. وهذه السنة لن تكون جيدة على الصعيد السياحي، ونتوقع أن ينخفض الدخل السياحي إلى نحو عشرة في المئة عما كان عليه سابقاً".
القطاع الذهبي
ولطالما كان القطاع السياحي من بين القطاعات الاقتصادية الرائدة في لبنان، كونه يشكل مصدراً رئيساً للدخل والتوظيف. وقد أشار تقرير للمجلس العالمي للسفر والسياحة عام 2018 إلى أن لبنان يحتل المرتبة الـ36 من حيث مساهمة السفر والسياحة الإجمالية في الناتج المحلي الإجمالي. وبلغت نسبة هذه المساهمة حدود الـ20 في المئة، أي نحو عشرة مليارات دولار في السنوات التي سبقت الأزمة، حين تخطى لبنان إلى حد بعيد المتوسط العالمي الذي سجل معدل 10.2 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفرت السياحة في لبنان قبل الأزمة نحو 125 ألف وظيفة مباشرة، وقد استحوذ السياح الإماراتيون على 14 في المئة من إجمالي إنفاق السياح، يليهم السعوديون 13 في المئة، والمصريون ستة في المئة. إلا أن المعلومات تشير إلى أن أعداد السياح الخليجيين في الموسم المقبل ستتراجع بنسبة كبيرة جداً، وسيتصدر العراقيون المرتبة الأولى في السياح العرب، حيث يزور لبنان سنوياً أكثر من 700 ألف عراقي يليهم الأردنيون ثم المصريون.
تراجع كورونا
من ناحيتها، تشير أمينة سر نقابة المطاعم مايا بخعازي، إلى أن التعافي التدريجي للبنان من جائحة كورونا بحسب تصنيف منظمة الصحة العالمية، فرض إيقاعه على حركة المطاعم والملاهي الليلية والفنادق والمنتجعات التي تشهد زحمة كبيرة، على الرغم من أسعارها الخيالية لمن دخله بالليرة اللبنانية، حيث من النادر إيجاد طاولة قبل تأكيد الحجز عليها، معتبرة أن الحركة الحالية لا تنعش القطاع بشكل كبير، إذ إن سبب الازدحام في بعض المطاعم يعود إلى أن أكثر من 500 مؤسسة أقفلت أبوابها بين عامي 2019 و2020، وأخرى في طريقها للإقفال.
وأوضحت أن "عدداً من المطاعم، وليس أكثريتها، يشهد إقبالاً فقط في نهاية الأسبوع في حين أنها تعاني قلة الزبائن خلال أيام الأسبوع العادية، كما أن فاتورة اللبناني تراجعت كثيراً بسبب تدني قدرته الشرائية لتقتصر غالباً على طلب النارجيلة مع كأس عصير بعد أن كان يطلب أطباقاً ومشروبات عديدة"، لافتة إلى أن أسعار المواد التشغيلية للمطاعم ارتفعت بشكل كبير. وأضافت، "نحاول قدر المستطاع عدم ربط أسعارنا بسعر صرف الدولار في السوق السوداء من أجل المحافظة على استمرارية هذه القطاع الحيوي".
الدولار الفندقي
وفي وقت سابق، أصدر وزير السياحة، رمزي مشرفية، قراراً يقضي بالسماح للفنادق بتقاضي تعرفة الغرف بالدولار النقدي من السياح الآتين من الخارج، وإبقاء التسعيرة بالليرة اللبنانية للبنانيين والأجانب المقيمين في لبنان. وقد علل الوزير هذا القرار بأنه يأتي "تفعيلاً للاقتصاد الوطني من خلال رفده بالعملات الأجنبية، وتحصيناً لمقومات السياحة المحلية للمواطنين".
إلا أن بعض الأوساط السياحية تخوفت من أن يساهم هذا القرار بفرار السياح الراغبين بالاستفادة من رخص الأسعار، معتبرة أن إجبار السياح على دفع تعريفة إقامتهم في الفنادق اللبنانية بالدولار، يعني رفع تكلفة السياحة في لبنان على الأجانب، في حين أنه في أمسّ الحاجة لجذب السياح إليه، موضحة أنه مع تردي الوضعين الأمني والاقتصادي، بدأت الخدمات والجودة تنحدر شيئاً فشيئاً نحو الرداءة. ورفع تكلفة هذه الخدمات الرديئة، ربما يؤدي إلى عزوف السائح عن المجيء إلى لبنان والبحث عن خيارات أخرى.
غير أن نقيب أصحاب الفنادق، بيار الأشقر، يؤيد القرار. ويوضح أن نسبة كبيرة من السياح الأجانب يلجأون إلى حجز الغرف عبر التطبيقات الإلكترونية، "وهي تتقاضى بالدولار، ولكن على سعر 1515، بالتالي صار السائح يحجز الغرفة، ثم يصرف أمواله في السوق السوداء ويدفع بالليرة اللبنانية، أي إنه يدفع المئة دولار، 150 ألفاً بالتالي الفندق سيكون الخاسر الأكبر من هذا الأمر، كونه سيدفع حصة الشركة الوسيطة على سعر السوق السوداء".
ويضيف أن معظم المؤسسات الفندقية أوقفت خدمة الحجوزات عبر التطبيقات، الأمر الذي أدى إلى خروج لبنان من هذه التطبيقات تماماً، وهو الأمر الذي ينعكس سلباً على القطاع السياحي، "بالتالي القرار المتخذ يساهم في عودتنا لنكون منطقة جذب للسياح، كذلك يساعد في تأمين مستلزماتنا كون الفنادق تدفع الكثير من الخدمات بالدولار، بالتالي إدخال العملة الصعبة يساعد في استمرار هذه المؤسسات وتقديم خدمات جيدة وتنافس دول المنطقة".