في سياق سباقه المتواصل مع هذه النسخة الفتاكة من فيروس كورونا، يبدو أن اللقاح يواكب المتحور "دلتا"، في الأقل، ولم يتخلف عنه. ومن دون الإلحاح على هذا التوصيف الذي يشبه حديثنا عن مباراة بين اللقاح والفيروس، يجب أن نتذكر أننا واجهنا خطراً متفاقماً من أن يؤدي انتشار هذا المتحور بسرعة إلى تغلغله عميقاً، ومن ثم تسببه بارتفاعات حادة في عدد الإصابات، وذلك قبل أن تفعل "مناعة القطيع" فعلها في حماية المجتمع بكامله.
والواقع أن الدليل على تطورات كتلك تجلى في الأوضاع السائدة في "بيدفورد" وشمال غربي إنجلترا ومناطق أخرى أيضاً. وقد أسهم برنامج التلقيح والتحسن في طرق المعالجة، في التقليل من إمكانية أن تؤدي الإصابة بالعدوى إلى دخول المستشفى لتلقي الرعاية المباشرة ومن ثم الوفاة. في المقابل، ظهرت توقعات قوية بحدوث موجة ثالثة في تفشي فيروس "كوفيد". ولهذا السبب، تقرر تأجيل إنهاء الإغلاق الذي كان مرجحاً في ما سمي بـ"يوم الحرية"، حتى 19 يوليو (تموز) المقبل.
صحيح أن إرجاء رفع القيود شكّل إجراءً مدروساً ولم ينطوِ على أي مغامرة غير محسوبة. ولكن الخطورة نبعت على الدوام من مسألة يلخصها التساؤل التالي: هل سيقبل الشباب طوعاً على تلقي اللقاح؟ ومنذ بدايات جائحة كورونا، بدا واضحاً أن الفيروس أشد فتكاً بالكبار في السن منه بالشباب. إذاً، لماذا يتكبد الصغار بالسن مشقة حجز موعد لأخذ لقاح لا يبدو أنهم في حاجة ماسة إليه؟
في ذلك الصدد، تشير الدلائل إلى أن الشباب قد أثبتوا أنهم على مستوى المسؤولية، وبرهنوا من جديد على أن بعض أبناء المجتمع الأكبر سناً قد أساؤوا تقدير مدى تمتع الشباب بفطرة سليمة وشعور عميق بالواجب تجاه عائلاتهم ومجتمعاتهم. ففي سحابة يوم واحد، حجز قرابة مليون شاب وشابة مواعيد لتلقي اللقاح، ما يمثل سلوكاً رائعاً بشكل مدهش حقاً. ويأتي ذلك في وقت تفيد فيه هيئة "الصحة العامة في إنجلترا" بأن عدد الإصابات بالمتحور "دلتا" قد ارتفعت في غضون أسبوع واحد بـ79 في المئة وعزت هذه القفزة الى الزيادة في الانتشار السريع لهذا المتحور في أوساط الشباب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في سياق متصل، يُلاحظ أن مراكز التلقيح التي لا تشترط إجراء موعد مسبق أو إجراءات بيروقراطية كثيرة بهدف الحصول على اللقاح، تقدم مساعدة كبيرة في تسهيل توزيعه. وكذلك يلفت بعض الخبراء إلى أن الهدف يتمثّل في رفع نسبة أولئك الذين يتمتعون بقدر من الحماية التي توفرها لها الأجسام المضادة، إلى 70 في المئة من مجموع السكان. ولدى الوصول إلى مستوى كهذا، ستشكل "مناعة القطيع" دفاعاً فاعلاً ضد موجة أخرى من تفشي الفيروس على نطاق واسع في المدى المتوسط.
ويبدو أن سكان البلاد جميعاً باتوا يشعرون بثقة أكبر حيال اللقاحات. وقد أخفقت جهود معارضي اللقاح الذين لا يتحلون بقدرٍ كاف من العقلانية، وتتحول جهودهم بصورة متزايدة إلى مادة تثير السخرية والشفقة معاً. يمكن للناس أن يعيشوا الواقع ويشاهدوه بأم أعينهم. ويتمتع الشباب بما يكفي من الذكاء لإدراك أن من المحتمل أن يظهر متحور جديد من شأنه أن يتسبب بقدر أكبر من الأضرار التي أدت إليها الأنواع المتحورة الأخرى حتى الآن.
والواقع أن هؤلاء الشباب والشابات قد أكدوا موقفهم هذا بالفعل لا بالقول وحده، حين تدفقوا على مراكز التلقيح. وتتمثّل المهمة التالية التي ينبغي النهوض بها، في ضمان عدم تحول المدارس إلى ما يشبه مراكز توزيع للفيروس ونشره بين الناس.
وعلى الرغم من ذلك، لا يزال من السابق لأوانه بأشواط بعيدة الإعلان عن أي نوع من أنواع الانتصارات. وفي الواقع، لقد شرعت فكرة "التعايش مع الفيروس" في التبلور ضمن الوعي العام. واستطراداً، بتنا ندرك تماماً أن زيادة عمليات توزيع الجرعات، والإغلاقات الدورية، والقيود، والكمامات، والتباعد الاجتماعي، قد تحتاج كلها إلى عملية ضبط مستمرة، بهدف رفع مستواها تارة وخفضه تارة أخرى، بحسب ما تتطلبه الظروف والبيانات.
وبأي شكل من الأشكال، لا يعني الحديث عن "التعايش مع الفيروس "تجاهل قدرته على الفتك. والأرجح أن حياتنا ستشهد على الدوام درجة من التعطل والاضطراب، بيد أن حجم هذه الفوضى سيكون أقل بكثير كلما اتسعت رقعة مناعة القطيع وارتفعت معدلات التلقيح. وعلى هذا الصعيد، يمكن للمرء أن يشعر ببعض الارتياح لأن الأمور تمضي في الاتجاه الصحيح.
© The Independent