فيما تتضاءل فرص التوصل لاتفاق بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن أزمة سد النهضة عبر الحوار والتفاوض المباشر، بالنظر لضيق الوقت مع اقتراب موعد عملية ملء المرحلة الثانية للسد المقرر في يوليو (تموز) المقبل، اقترح السودان على لسان وزير الري ياسر عباس، إمكانية إيجاد اتفاق مرحلي مع أديس أبابا بشرط موافقتها على استمرار المفاوضات عقب انتهاء أعمال الملء الثاني. ما يطرح تساؤلات عدة عن سر تراجع الجانب السوداني عن موقفه المتشدد والمعارض للعملية وما حجم التنازلات التي قدمتها الخرطوم، وأثرها على المفاوضات المقبلة، وهل ستوافق إثيوبيا على هذا المقترح؟
أمر مؤسف
يوضح ممثل السودان السابق في مفاوضات سد النهضة الدكتور أحمد المفتي، أن قبول السودان باتفاق مرحلي مع الجانب الإثيوبي بشأن أزمة سد النهضة يعني أنه تنازل تنازلاً كبيراً بعد أن كان رافضاً قرار إثيوبيا بالملء الثاني للسد المحدد في يوليو المقبل، باعتباره قراراً أحادياً لا يراعي مصالح دولتي المصب، فضلاً عن آثاره السلبية على البلدين. واعتبر موقف السودان الجديد بأنه غير مفهوم، ما انعكس في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي انعقد، أمس الثلاثاء، في الدوحة لمطالبة إثيوبيا بالتعاون مع دولتي المصب وعدم بدء الملء الثاني إلا بعد التوقيع على اتفاق ملزم بين الأطراف الثلاثة.
وبيّن المفتي أن السودان وفقاً لهذا المقترح الجديد، يعتبر أنه غير موقفه المبدئي الذي كان متناسقاً مع الموقف المصري، وهو أمر مؤسف، حيث كان من المفترض أن يتمسك بموقفه المعلن خلال الفترات الماضية، وهو أن "الملء الثاني من دون توقيع اتفاق ملزم مع الجانبين السوداني والمصري، يهدد حياة نصف سكان البلاد الذين يعتمدون على مياه النيل في حياتهم المعيشية من زراعة وغيرها"، لكن بشكل عام فإن الجانب السوداني ضيع حقه منذ الملء الأول لبحيرة السد الذي تم في يوليو 2020. وأشار إلى أن الموافقة على عملية الملء الثاني تعد بمثابة القرار الفيصل، لأن ذلك يعني توصيل المياه لأكثر من سعة خزان الروصيرص السوداني.
ولفت إلى أنه على الرغم من الإشارة فإنه تم الاتفاق على 95 في المئة من القضايا الفنية المتعلقة بالسد خلال المفاوضات السابقة، إلا أن إثيوبيا لن توقع على اتفاق ملزم حتى لا تكون مقيدة في قراراتها بشأن أعمال الملء والتشغيل للسد.
حلول سلمية
في السياق، يعتقد أستاذ الاتصال والعلاقات العامة في الجامعات السودانية النور عبد الله جادين، أن "عامل الزمن الذي أصبح ضاغطاً جداً على السودان من ناحية خطورة السد الإثيوبي على السدود السودانية وبنيتها التحتية الهشة، والمهددة بالغرق والدمار أكثر من خطورته على مصر، دفع الجانب السوداني إلى أن يكون حريصاً على الوصول إلى حل سلمي ولو مؤقتاً قبل عملية الملء الثاني المقررة الشهر المقبل".
وأرجع جادين تشدد الجانب السوداني في مواقفه من أزمة السد خلال الفترات السابقة إلى أنه كان مجرد موقف تفاوضي وتقاربي مع مصر، مشيراً إلى أنه بإمكان مجلس الأمن والأمم المتحدة ممارسة الضغط على الأطراف المعنية بهذه الأزمة للوصول إلى تفاهمات تستبق موعد الملء الثاني، بخاصة أن الدول الرئيسة في مجلس الأمن لها مصالح في كل من السودان وإثيوبيا ومن مصلحتها التدخل لخلق تقارب بينهما، تجنباً لأي نوع من التصعيد والانجراف نحو حلول غير مرغوبة.
وأشار إلى أن إثيوبيا حريصة على أن يبتعد السودان من موقفه المتطابق مع الجانب المصري، مما قد يجعلها أكثر حرصاً على تقديم تنازلات مرضية له، وبالتالي تكون قللت من حدة معارضته للموقف الإثيوبي، لكنه يرى أن معالم المخرج النهائي لهذه الأزمة غير واضحة، بالنظر إلى تعقيدات الملف من ناحية التزام الجانب الإثيوبي مع الشركات الأجنبية التي تتولى أعمال التشييد والمسائل الفنية وغيرها، فضلاً عن ضغوط الشارع الإثيوبي الذي يعتبر سد النهضة حلمه للنهوض ببلاده اقتصادياً.
ضمان التفاوض
وكان وزير الري السوداني أبدى استعداد بلاده للتوصل إلى اتفاق مرحلي مع إثيوبيا بشأن أزمة سد النهضة بشرط أن يكون هناك ضمان لاستمرار التفاوض لاحقاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبين في مؤتمر صحافي عقده في الخرطوم، الإثنين 14 يونيو (حزيران) الحالي، أنه لم يحدث أي تطور في المفاوضات الأخيرة التي رعاها الاتحاد الأفريقي في كينشاسا عاصمة الكونغو مطلع أبريل (نيسان) الماضي بين الأطراف الثلاثة للوصول إلى اتفاق حول ملء وتشغيل السد، لكنه أشار إلى توصل ممثلي البلدان الثلاثة إلى توافق فعلي بشأن معظم الأمور الفنية، في حين فشلوا في التوصل إلى اتفاق ملزم.
وفيما استبعد عباس بشكل قاطع إقحام العمل العسكري كخيار في معالجة أزمة سد النهضة، أكد رفض بلاده ربط موضوع السد بطرح تقاسم المياه الذي تتبناه إثيوبيا، مشدداً على تمسك الخرطوم بما تبقى من خياراتها المفتوحة على كافة الجوانب القانونية والسياسية واللوجستية، لكنه رفض أن يكون التحرك العربي على مستوى الجامعة العربية بهدف حصول اصطفاف عربي - أفريقي بشأن هذه المسألة.
حماية الأمن
في غضون ذلك، التقى نهاية الأسبوع الماضي وزراء الخارجية والري في مصر والسودان في العاصمة الخرطوم، وبحسب بيان مشترك للجانبين، فإن المشاورات تركزت حول تطورات ملف سد النهضة، حيث اتفق الطرفان على المخاطر الجدية والآثار الوخيمة المترتبة على الملء الأحادي للسد.
وأكد الجانبان أهمية تنسيق الجهود على الأصعدة الإقليمية والقارية والدولية لدفع إثيوبيا للتفاوض بجدية وبحسن نية وبإرادة سياسية حقيقية من أجل التوصل لاتفاق شامل وعادل وملزم قانونياً حول ملء وتشغيل السد، بعد أن وصلت المفاوضات التي رعاها الاتحاد الأفريقي إلى طريق مسدود بسبب تعنت الجانب الإثيوبي.
ولفت البيان إلى توافق رؤى الطرفين حول ضرورة التنسيق للتحرك من أجل حماية الأمن والسلم والاستقرار في المنطقة، وفي القارة الأفريقية، وهو ما يتطلب تدخلاً نشطاً من قبل المجتمع الدولي لدرء المخاطر المتصلة باستمرار أديس أبابا في انتهاج سياستها القائمة على السعي لفرض الأمر الواقع على دولتي المصب، فضلاً عن الإرادة المنفردة التي تواصل إثيوبيا اتباعها، والتي تتجسد في إعلانها عن عزمها على ملء السد خلال موسم الفيضان المقبل من دون مراعاة لمصالح السودان ومصر.
وكانت إثيوبيا أنجزت في يوليو 2020 أعمال المرحلة الأولى من ملء الخزان البالغة سعته 4.9 مليار متر مكعب، والتي تسمح باختبار أول مضختين في السد.
وتهدف أديس أبابا من بناء سد النهضة، بكلفة تبلغ 4 مليارات دولار، إلى تأمين أكبر مصدر لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا بقدرة يتوقع أن تصل إلى 6500 ميغاوات.