تدور تساؤلات حول اختفاء مواطن أجنبي من أقرباء الداعية فتح الله غولن، أبرز معارضي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من مقر الشرطة في كينيا، لينتهي به الأمر في قبضة أنقرة على الرغم من قرار قضائي يمنع تسليمه، في حين تظاهر المئات في قرغيزستان الثلاثاء، 8 يونيو (حزيران)، احتجاجاً على اختفاء مدرس أسّس شبكة مدارس مستلهمة من أفكار الداعية فتح الله غولن.
وبعد أسبوع من الكشف عن اعتقال صلاح الدين غولن، ابن شقيق الداعية فتح الله غولن وإعادته قسراً إلى تركيا، لا تزال كينيا تلزم الصمت على الحادثة ودورها فيه.
ويرى مدافعون عن حقوق الإنسان في القضية دليلاً على مدى عدم التزام كينيا برئاسة أوهورو كينياتا، قرارات القضاء وتعاونها مع أجهزة استخبارات أجنبية.
ملاحقة أقرباء غولن
ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان عام 2016، التي اتهمت أنقرة فتح الله غولن المقيم في المنفى في الولايات المتحدة بتدبيرها، أوقفت تركيا عشرات آلاف الأشخاص للاشتباه في ارتباطهم به.
وتفيد وثائق قُدّمت إلى محكمة في كينيا، بأن ابن شقيقه صلاح الدين غولن المقيم في الولايات المتحدة والبالغ 30 سنة من العمر، أوقف لدى وصوله إلى مطار نيروبي في 17 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل الإفراج المؤقت عنه.
وتشير الوثائق إلى أن أنقرة أخطرت نيروبي مطالبة بتوقيفه بتهمة "التعدي جنسياً على أطفال" وبتسليمه، غير أن محاميه ردوا بأن هذه الأفعال المنسوبة إليه "جرت محاكمة بشأنها خلصت إلى البراءة... عام 2018". وأشاروا إلى أن الحكومة التركية تشن "منذ زمن طويل حملة لملاحقة واضطهاد مقدّم الشكوى وعائلته"، مؤكدين أن شقيق صلاح الدين وشقيقته و62 من أفراد عائلته مسجونون حالياً. وجاء في إحدى الوثائق أن "جريمتهم الوحيدة هي أنهم مرتبطون بفتح الله غولن".
ويعيش فتح الله غولن في الولايات المتحدة ويؤكد أنه يدير شبكة سلمية من المنظمات غير الحكومية والشركات، نافياً أي تورط في محاولة انقلاب عام 2016، فيما تتهمه تركيا بأنه على رأس منظمة "إرهابية".
انتهاك قرار قضائي
وكان القضاء الكيني حظر في مارس (آذار) تسليم صلاح الدين غولن، الذي يحظى بوضع طالب لجوء، إلى تركيا.
وبموجب شروط إطلاق سراحه المؤقت، كان ملزماً الحضور كل يوم اثنين إلى مركز الشرطة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشوهد للمرة الأخيرة في 3 مايو (أيار) في مقر الشرطة المركزي في نيروبي، وفق التماس عاجل قدّمه أحد محاميه، جوثام أروى، إلى المحكمة بعد يومين.
واتهم أروى السلطات الكينية بـ"القبض بشكل تعسفي وفاضح" على موكله و"احتجازه في ظروف من السرية" بهدف "الالتفاف على القانون" وترحيله إلى تركيا.
وأفادت وكالة الأناضول الرسمية للأنباء، في 31 مايو، بأن عناصر من الاستخبارات أعادت صلاح الدين إلى تركيا.
ولم تردّ الشرطة والمسؤولون في دائرة الهجرة الكينية على طلبات وكالة الصحافة الفرنسية للتعليق على الوقائع.
"خطف" أجانب
وأوضح المحلل في "هيومن رايتس ووتش" أوتسيينو ناموايا، أن الحكومة الكينية تكتفي بالقول إن عناصر أتراك خطفوه عند مدخل مقر الشرطة.
وسأل، "كيف يمكن لعناصر أجهزة أجنبية أن ينجحوا في القبض على أحد والمغادرة معه واقتياده إلى المطار الدولي وإخراجه من البلاد، من دون أن يطرح أي كان أسئلة؟".
وأكد ناموايا أن "هيومن رايتس ووتش" تعتزم توجيه رسالة إلى الحكومة لطلب توضيحات. وأضاف أن "إدارة كينياتا عرفت بتعاونها مع وكالات أمن أجنبية وبخطف مواطنين أجانب موجودين في كينيا لأسباب أمنية".
قضايا مماثلة في كينيا
وذكّر المحلل بقضية مماثلة حين خُطف المعارضان من جنوب السودان دونغ سامويل لواك وأغري إيدري في نيروبي في يناير (كانون الثاني) 2017، على الرغم من قرار قضائي يحظر تسليمهما. واعتبرت الأمم المتحدة في عام 2019، أنه "من المرجح بشدة" أن تكون الاستخبارات أعدمت المعارضين بعد إعادتهما إلى جوبا.
وأشار المحلل إلى توقيف عدد من الروانديين والبورونديين والكونغوليين والإثيوبيين في كينيا وإرغامهم على العودة إلى بلادهم. وقال إن "عداء الحكومة الكينية لطالبي اللجوء أمر مذهل بكل بساطة"، مضيفاً "الحكومة الحالية لا تكنّ أي احترام للعدالة".
ونددت جمعية المحامين الكينيين الأسبوع الماضي بـ"هجوم السلطة التنفيذي المتواصل على العدالة"، بعد انتقادات جديدة وجّهها إليها كينياتا.
وترتبط كينيا وتركيا بعلاقات وثيقة، لكن نيروبي رفضت عام 2016 إغلاق مدارس على ارتباط بشبكة غولن. وفي 1999، اعتقلت الأجهزة التركية في كينيا زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، المسجون منذ ذلك الحين لديها.
اختفاء مدرس في قرغيزستان
وفي السياق ذاته، تظاهر المئات في قرغيزستان الثلاثاء، احتجاجاً على اختفاء مدرس أسّس شبكة مدارس مستلهمة من أفكار غولن. وذكرت وزارة الداخلية أن أكثر من ألف شرطي شاركوا في عمليات بحث عن أورهان إناندي، وهو قرغيزي مولود في تركيا يدير شبكة مدارس معروفة مستلهمة من تعاليم غولن.
وكانت الشرطة أعلنت في الأول من يونيو العثور على سيارة إناندي قرب منزله وأحد أبوابها مفتوح جزئياً.
ووردت أنباء اختفاء إناندي الشهر الماضي بعد أيام من إعلان أنقرة توقيف صلاح الدين غولن وإعادته.
ولم تعلّق تركيا على اختفاء إناندي، فيما لم يتسنَّ لوكالة الصحافة الفرنسية الوصول إلى السفارة التركية في بشكيك الثلاثاء.
التنازل عن الجواز القرغيزي
وكان عدد من المحتجين القرغيز الذين تجمعوا خارج المقر الرئيس للحكومة في العاصمة الثلاثاء، من خريجي شبكة مدارس سابات التي كانت تُسمّى سابقاً باسم سيبات.
وقالت إحدى المحتجات، زارينا صديق بيكوفا (39 سنة)، إنها تعتقد أن تركيا تخفي إناندي في سفارتها لإجباره على التخلي عن جواز سفره القرغيزي، مكررة مخاوف عبّرت عنها زوجة إناندي الأسبوع الماضي.
وتابعت صديق بيكوفا التي تشارك في اعتصام يضم نحو 300 شخص منذ أكثر من أسبوع أن "الشيء الأساسي (الذي نأمله) هو أن يكون لا يزال على قيد الحياة".
والمواجهة بين أردوغان وغولن تشكّل إحراجاً للدولة السوفياتية السابقة، إذ تبرز شبكة المدارس الخاصة في مجال التعليم مع اعتبار تركيا حليفاً مهماً منذ الاستقلال. وخلال زيارة للبلاد عام 2018، تعهّد الرئيس التركي "إنقاذ قرغيزستان" من منظمة فتح الله غولن.
ومن المقرر أن يبدأ رئيس قرغيزستان صدر جباروف، الأربعاء زيارة إلى تركيا، وفق ما أفاد مكتبه الاثنين.
وأوضح محامي عائلة إناندي أن موكله حصل على جنسية قرغيزستان، مشيراً إلى أنه وصل إلى البلاد في تسعينيات القرن الماضي للمساعدة في تأسيس المدارس.