من بين القضايا البارزة التي أثارتها آلاف الإيميلات المسربة لمدير المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية، أنتوني فاوتشي، كانت قضية ارتداء الكمامات والجدل الذي أحاط بفاعليتها لمواجهة تفشي وباء كورونا في الأسابيع الأولى من انتشار الوباء.
وشهدت الولايات المتحدة، في الأشهر الأولى من العام الماضي، تبايناً في وجهات النظر في شأن ارتداء الكمامات، تجلى بشكل كبير في آراء المعسكرين الديمقراطي الذي أيد ارتداءها، والجمهوري وعلى رأسهم الرئيس السابق، دونالد ترمب، المشككين في جدواها، كما كان الحال بالنسبة لفاوتشي.
"الكمامات لا تقي من الوباء"
وبحسب ما جاء في الإيميلات المسربة، ووفق ما نقل موقع "نيوز وييك"، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي، قال فاوتشي في رسالة إلكترونية موجهة إلى سيلفيا بورويل، وزيرة سابقة للصحة الأميركية، إن "الكمامات تستخدم من قبل المصابين لمنعهم من نشر العدوى إلى الأشخاص غير المصابين، بدلاً من حماية الأشخاص غير المصابين من الإصابة"، وقلل الطبيب الثمانيني من فاعلية الكمامات قائلاً إن "الأقنعة التي يتم شراؤها من المتاجر ليست فعالة حقاً في إبعاد الفيروسات".
وبحسب محتوى الرسالة، التي أشارت له صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، فقد أخبر فاوتشي الوزيرة السابقة سيلفيا، أنها لم تكن بحاجة إلى ارتداء القناع أثناء رحلتها المقبلة، خصوصاً لأنها كانت ذاهبة إلى موقع منخفض الخطورة للغاية في يتعلق بتفشي الوباء. وتابع وفق رأيه حينها، أن "الكمامات لا تقي من كورونا"، الأمر الذي اعتبره أعضاء بارزون في مجلس الشيوخ الأميركي، "دليلاً على إخفاق فاوتشي في إدارة أزمة كورونا وتسببه في الزيادة المتسارعة في عدد الإصابات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولاحقاً، تغير الأمر فيما يتعلق بارتداء الكمامات وأهميتها، إذ أوصت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، عبر تحديث توصياتها في شأن ارتداء الكمامة، مشيرة إلى إهميتها البالغة في محاولة التقليل من تفشي كورونا.
تعديل لاحق لموقفه
وبتتبع تصريحات فاوتشي فيما يتعلق بأهمية ارتداء الكمامة في مواجهة تفشي وباء كورونا، تمسك كبير متخصصي الأمراض المعدية في الولايات المتحدة، في وقت لاحق لتلك الفترة، بضرورة أن يرتدي "الأميركيون الأقنعة الواقية (الكمامة)، أو إلزامهم بذلك".
وبحسب ما نقلت شبكة "سي أن أن" الأميركية، تمسك فاوتشي في سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول)، بأهمية ارتداء الكمامات، قائلاً في أحد التصريحات التي نقلتها عنه الشبكة حينها، "علينا تعزيز إجراءات ارتداء الأقنعة الطبية والتباعد الاجتماعي، خصوصاً مع اقتراب فصل الشتاء". وتابع، "إنها تبدو بسيطة للغاية (ارتداء الكمامة)، لكننا لا نفعل ذلك بشكل موحد، وهذا أحد الأسباب التي تجعلنا نشهد هذه الزيادات المفاجئة في عدد الإصابات".
وفيما عدل فاوتشي رأيه لاحقاً في شأن أهمية ارتداء الكمامة، كان الموقف مختلفاً بالنسبة للرئيس السابق دونالد ترمب، الذي ظل لفترة أطول مشككاً في مدى فاعليتها ومتمسكاً بألا يفرض ارتداءها على المواطنين، كما ظل يحضر تجمعاته الانتخابية من دون ارتدائها، حتى أصيب بالفيروس هو وزوجته ميلانيا في أكتوبر من العام الماضي.
العالم وقع كذلك في "جدل الكمامات"
لم تكن الولايات المتحدة الأميركية في الأشهر الأولى من عمر أزمة كورونا هي الدولة الوحيدة التي وقعت "أسيرة" الجدل المتصاعد في شأن أهمية ارتداء الكمامات من عدمه في محاولة لمواجهة تفشي وباء كورونا، وكانت من بينها منظمة الصحة العالمية نفسها.
فمنذ بدء انتشار الجائحة، دأبت منظمة الصحة العالمية والعديد من الحكومات على القول إن الأقنعة يجب أن يستخدمها فقط المعالجون الطبيون والمرضى والأشخاص المحيطون بهم مباشرة، قائلين إنهم يستندون في هذا الرأي إلى معطيات علمية، لكن بالنسبة إلى مؤيدي ارتداء القناع بشكل عام، فإن هذا الخطاب كان يهدف بشكل خاص لتجنب أن يسارع الناس للاستحواذ على الأقنعة المخصصة للطواقم الطبية والممرضين والممرضات، ما يؤدي إلى تفاقم النقص القائم أساساً.
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، قال رئيس المركز الصيني لضبط الأمراض ومراقبتها غاو فو في 27 مارس (آذار) في مجلة "ساينس" العلمية، إن "الخطأ الكبير في الولايات المتحدة وأوروبا، والذي قاد لتسارع تفشي الوباء، هو أن الناس لا يضعون الأقنعة الواقية"، موضحة أنه ومع بدايات شهر أبريل (نيسان) من عام 2020، بدأ الخطاب الرسمي يتغير في كل مكان في مواجهة سوء الفهم المتزايد لدى عموم الناس، وتكثفت مواقف الأطباء المؤيدين لارتداء الكمامات.