المشاهد تفوق الوصف. يصوّر فيديو يُتناقل عبر شبكة الإنترنت عناصر شرطة إسرائيليين يلقون ما يبدو أنها قنابل صوتية داخل غرفة مكتظّة بالمصلّين داخل المسجد الأقصى في القدس، وهو من أهم الأماكن الدينية المقدّسة في الإسلام وأهم الرموز في العالم العربي.
وعلى خلفية أصوات الانفجارات المتقطعة، يتصاعد صراخ الفلسطينيين الذين كانوا يشاركون في صلاة الجمعة خلال شهر رمضان المقدّس. ويسارع الجمع من أجل الخروج من المكان.
أما في الخارج، فيُظهر فيديو آخر الفلسطينيين الذين يردّون بإلقاء الحجارة والقناني على الشرطة التي تطلق على الحشود الأعيرة المطاطية والقنابل الصوتية.
أصيب عدة مئات من الأشخاص، معظمهم من الفلسطينيين، ومنهم أيضاً بعض عناصر الشرطة الإسرائيليين، خلال الأيام القليلة الماضية، فيما اجتاحت موجة العنف المدينة المقدّسة.
ولكن لماذا؟
كانت حدة التوتر في تصاعد طيلة شهر رمضان المبارك الذي يأتي بعد سنة طويلة وصعبة. وهذه حال إلى حد كبير القدس الشرقية المحتلة، التي استولت عليها إسرائيل، وضمتها إليها بعد حرب 1967 في الشرق الأوسط. وقد عانت الأحياء الفلسطينية بشكل خاص جرّاء الكساد الاقتصادي الذي ساد خلال العام الماضي إضافة إلى (وفقاً للأمم المتحدة) الزيادة المنتظمة في إقدام السلطات الإسرائيلية على هدم أو مصادرة أملاكهم الخاصة. كما ألغت القيادة أول انتخابات فلسطينية منذ 15 عاماً، مما أغرق الكثيرين في مزيد من الإحباط.
لكن يُعتقد أن آخر جولة عنف قد أجّجها القرار الذي اتخذته السلطات الإسرائيلية، خلال شهر رمضان، بتطويق بوابة دمشق التاريخية ( باب العامود)، وهي إحدى مداخل المدينة القديمة حيث اعتادت العائلات الفلسطينية أن تجتمع على الإفطار.
وقد طفح الكيل بالنسبة للعديد من الشباب الفلسطينيين.
بعد أيام من الاشتباكات التي حاول خلالها الفلسطينيون الدخول إلى المنطقة (في ما اعتبره الإسرائيليون أعمال شغب عنيفة) بينما كانت مجموعات يهودية متطرفة تجوب شوارع القدس وهي تنشد "الموت للعرب"، أزالت الشرطة الإسرائيلية في النهاية الحواجز. لكن الغضب عاد ليتأجّج مرة جديدة مع احتمال الإخلاء القسري لأربع عائلات فلسطينية من حي الشيخ جرّاح في القدس الشرقية، من أراضيها التي يطالب بها المستوطنون اليهود.
وقد يرقى القرار الخلافي جداً، الذي قد تبت فيه المحكمة العليا الإسرائيلية غداً، إلى مستوى جريمة الحرب وفقاً للأمم المتحدة، لكن وزارة الخارجية الإسرائيلية قللت من أهميته باعتباره "خلافاً عقارياً".
وقد أثار [القرار] قلق شخصيات سياسية رائدة في العالم منها أعضاء في الكونغرس ووزارة الخارجية الأميركية. كما أعرب ما يُسمى برباعي الوساطة في الشرق الأوسط لعملية السلام، الذي يتضمن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، عن قلقه.
وفي هذه الأثناء، حثّ الأردن، الوصي على المواقع المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، إسرائيل على التوقف عن شن ما سمّاه بالهجمات "الهمجية" على المؤمنين في الأقصى وقال إنه سيزيد من الضغط الدولي.
حتى الإمارات والبحرين، اللتين وقّعتا أخيراً اتفاقات تطبيع مع إسرائيل، اعتبرتا أن تصرفات إسرائيل تشكل "استفزازاً".
وعلى هذه الخلفية، تقول إسرائيل إنه بهدف قمع المزيد من الاضطرابات، هي تحتاج لتعزيز وجود الشرطة في المدينة القديمة، لا سيما في الحرم الشريف أو جبل الهيكل، الذي يُعتبر أكثر الأماكن اليهودية قداسةً، وثالث أقدس الأماكن في الإسلام، وشكّل النواة الملتهبة للصراع المستمر منذ عقود.
شدد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ورئيس الشرطة الإسرائيلية كوبي شابتاي، على القانون والنظام في تصريحاتهما، فقالا إن "الإخلال بالنظام العام سيُواجَه بالقوة وعدم التسامح إطلاقاً".
يوم السبت، مُنعت عدة حافلات تحمل مواطنين عرباً من إسرائيل من التوجّه إلى القدس، بعد توافدهم من مدن من كل أنحاء البلاد، لإحياء ليلة القدر وهي أقدس ليلة في الإسلام. صُوّر المئات منهم وهم يسيرون باتجاه المدينة.
يلوم الإسرائيليون الفلسطينيين لإثارتهم الشغب والعنف، ويقولون إن دور قواتهم الأمنية ضروري [المبادرة لوقف التحركات]. فيما ينقسم الخبراء الفلسطينيون والإسرائيليون حول السبب الحقيقي لكل هذا.
ويشير البعض إلى فشل نتنياهو في الالتزام بالموعد النهائي الذي كان محدداً لتشكيل ائتلاف حاكم بعد رابع انتخابات غير حاسمة في إسرائيل، خلال أقل من سنتين.
وقد أُعطيت الفرصة الآن لمنافسه، يائير لابيد، وهو وسطي، ربما ينجح فعلياً في تشكيل الحكومة المقبلة، فيخرج نتنياهو من منصبه فيما رئيس الوزراء المُحارب يواجه ثلاث محاكمات بتهمة الفساد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقولون إن الفوضى في القدس والصراع مع الفلسطينيين قد يصعّبان على لابيد مهمة تشكيل تحالف، لا سيما إن كان بحاجة للاعتماد على تحالف مع الأحزاب العربية في البرلمان.
لكن البعض الآخر يرى أن نتنياهو، الذي يتجنّب المخاطرة عادةً في المسائل الأمنية الفعلية، منشغل جداً بسبب انهياره السياسي الوشيك وهو غائب [لا يؤدي أي دور] بالتالي، وهذا ما جعل القدس تنفجر. وكتب الصحافي الإسرائيلي والخبير في شؤون نتنياهو أنشيل بفيفر على "تويتر" أن الأشخاص الذين أوكلت إليهم المسؤولية، أي "كبار الضباط والمفوّض وقائد شرطة منطقة القدس ووزير الأمن العام كلهم متنمّرون عديمي الخبرة ويتخبطون".
مهما كان السبب، سوف تستمر المدينة بالغليان. فأمس الاثنين كان "يوم القدس العالمي" وقد سمحت السلطات الإسرائيلية بإقامة الفعاليات التي سيجري خلالها التعبير بفخر عن المطالبات الإسرائيلية بكامل المدينة المتنازع عليها، ولن يؤدي ذلك سوى إلى تأجيج الغضب أكثر فأكثر.
وبعد حكم المحكمة العليا المنتظر بشأن عمليات الطرد القسري في الشيخ جرّاح (الذي قد يتأجّل إلى ما بعد الاثنين)، تصادف الأسبوع المقبل ذكرى النكبة- وهي إحياء لذكرى تهجير الفلسطينيين عند تأسيس دولة إسرائيل في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
الضوء في نهاية النفق شحيح جداً.
© The Independent