Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما أبعاد تجميد السودان القاعدة الروسية؟

الخرطوم استفادت من هذه الاتفاقية بتزويدها ببعض الأسلحة والأجهزة التقنية وخسرت السيادة الوطنية 

سفينة تابعة للبحرية الروسية في ميناء مدينة بورتسودان السودانية  (أ ف ب)

طرح قرار تجميد الحكومة السودانية اتفاق إنشاء القاعدة البحرية الروسية على البحر الأحمر، الذي أبرم في عهد الرئيس السوداني السابق عمر البشير، تساؤلات عدة حول دوافع وأبعاد هذا القرار، ومدى تأثيره في العلاقات بين البلدين، وهل كان نتيجة ضغوط دولية، خصوصاً من أميركا؟

يقول الباحث السوداني في الشؤون العسكرية ركن أمين إسماعيل مجذوب، إن، "ملف المركز اللوجستي الروسي الواقع قرب ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، يعد من الملفات المعقدة، لأن اتفاق إنشائه أبرم مع النظام السابق، وجاء نتيجة ضغوط دولية حادة، نظراً لما يواجهه السودان آنذاك من عقوبات وحصار دوليين، واتهامات برعاية الإرهاب، ما جعله يبحث عن تعاون مع دول أخرى غير أميركا، ويرتضي بأي شروط توضع ومن ضمنها هذه الاتفاقية".

وأضاف مجذوب، أن "السودان استفاد من هذه الاتفاقية بتزويده ببعض الأسلحة والأجهزة التقنية والمشاركات في التدريب البحري وخلافه، لكنه خسر السيادة الوطنية، حيث إن هناك بنوداً في هذه الاتفاقية تتعلق بالسيادة مثل عدم وجود ولاية قضائية للبلاد في هذه المنطقة، وعدم السماح بإنشاء أي قاعدة أخرى لأي دولة خلال فترة الـ25 عاماً، وهي فترة طويلة جداً لمثل هذه القواعد، فضلاً عن إتاحة الفرصة لدخول سفن ذات قدرات نووية وأجهزة استخبارات وتنصت وحرب إلكترونية، وكله دليل على أن القاعدة ستستخدم لأغراض هجومية وعسكرية، وليس فقط للإمداد والتموين كما ورد في ديباجة الاتفاقية".

واستبعد أن يؤثر تجميد هذه الاتفاقية في العلاقات السودانية - الروسية، لأن العلاقات الأخرى الاقتصادية والثقافية والزراعية والسياسية تسير بشكل يحفظ مصالح الدولتين، لكن هذه الاتفاقية تحديداً فيها إشكاليات وسلبيات على الجانب السوداني، ما جعلها موضع نقد، ورفض من الرأي العام الداخلي، والمطالبة بعرضها على الجهاز التشريعي لإجازتها.

تصفية حسابات

وشدد الباحث السوداني على أن الوجود الروسي وفقاً لهذه الاتفاقية، سيجعل السودان مسرحاً لتصفية الحسابات والتنازع مع الدول الأخرى في مقدمتها واشنطن وروسيا والصين وألمانيا وفرنسا، حيث إن كل هذه الدول لها مطامع في الساحل السوداني الممتد على البحر الأحمر. كما أن هناك ضغوطاً إقليمية من السعودية والدول الثماني المطلة على البحر الأحمر التي وقعت اتفاقية أمنية في الرياض عام 2020 لتأمينه وجعله بحيرة عربية.

وزاد، "بلا شك أن منح السودان قواعد ومراكز لدول عظمى يعني أنه أتى بالنفوذ الأجنبي للبحر الأحمر، وفي الوقت ذاته لا ننسى أن هناك وجوداً غير مرحب به في جزر حنيش، وبعض الموانئ الإريترية، وفي اليمن، لذلك يواجه السودان ضغوطاً من الدول المطلة على البحر الأحمر بألا يسمح بوجود نفوذ أجنبي في تلك المناطق".

وتابع مجذوب، "حقيقة، هناك اعتراض من واشنطن على الاتفاقية الروسية، وهو اعتراض مقبول في ظل التنافس الدولي، بخاصة أن أميركا رفعت اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقدمت له أكثر من جزرة، ومنحته قرضاً تجسيرياً لتسديد ديونه، والآن تنسق مع السودان في مؤتمر باريس لدعمه اقتصادياً"، مبيناً أن كل هذه الأمور تعتبر عقوقاً لأميركا، حيث تريد واشنطن من السودان أن يمضي معها في علاقات متوازنة بعيداً عن أي تحالفات تضر بمصالحها، فضلاً عن أن واشنطن تعتبر السودان منطقة حيوية مثلها مثل الخليج العربي في الأمن القومي الأميركي.

منعطف مهم

في المقابل، يرى المتخصص في العلاقات السودانية –الروسية، السموأل حسين منصور، أن التعاون العسكري السوداني - الروسي أخذ تطوراً ومنعطفاً مهماً في الصناعات الدفاعية، بخاصة أن السودان حصل ‏على عدة رخص لإنتاج الأسلحة الروسية الخفيفة والثقيلة، وبدأ في إنتاج ما يسمى المدرعة "شريف"، وهي في الأصل روسية الصنع، ثم ‏"الزبير2"، ومدرعات "أبو فاطمة"، والعديد من الأسلحة الخفيفة، بالتالي يكون التصنيع الدفاعي وتطوره يعتمدان اعتماداً كلياً على الدولة الروسية، موضحاً أن التعاون الروسي - السوداني شهد تطوراً ملحوظاً بعد انفصال جنوب السودان في 2011، حيث ساندت روسيا السودان في هيئة الأمم المتحدة ورفضت جميع القرارات التي صدرت في حقه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار إلى أن السنوات الخمس الماضية شهدت علاقات تعاون كبيرة في مجال الصناعات الدفاعية واللوجستية والتعدين والزراعة، كما يوجد عدد من المحللين العسكريين الروس في السودان، وكذلك يوجد عدد محدود من الجنود الروس علي الحدود السودانية مع أفريقيا الوسطى، مبيناً أن الوجود العسكري الروسي في السودان له أهمية استراتيجية منقطعة النظير، من ناحية أنه يفتح لموسكو الطريق نحو الهند وإيران.

ضغوط أميركية

وفي شأن أبعاد قرار السودان بتجميد اتفاقية إنشاء المركز اللوجستي الروسي في بورتسودان، يرى منصور، أن "السودان دولة ذات سيادة وتحترم الاتفاقيات الدولية، وأعتقد أن من حق الحكومة السودانية إعادة النظر في هذه الاتفاقية بحيث إنها أبرمت في فترتين، ما قبل ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، وبعده، أي خلال فترة الحكومة الانتقالية الحالية"، مشيراً إلى أن التعاون الروسي - السوداني ما زال مستمراً، ويوجد مركز لوزارة الدفاع الروسية، وممثل في الخرطوم، لذلك يجب أن يعاد النظر في جميع الاتفاقيات السودانية - الروسية، ‏بحيث يراعى السودان مصالحه الوطنية قبل كل شيء، خصوصاً في شأن التدخل الأجنبي، سواء من روسيا أو أميركا.

لكن، ما حقيقة أن تجميد هذه الاتفاقية جاء نتيجة لضغوط أميركية؟ يقول المتخصص في العلاقات السودانية - الروسية، "من الطبيعي أن تكون هناك ضغوط أميركية وأوروبية، بخاصة من إسرائيل، التي بدأت علاقات جديدة مع السودان. كما تعتبر القاعدة الروسية اللوجستية في بورتسودان الباب الخلفي لتل أبيب، كما أن تأزم العلاقات بين روسيا وإسرائيل خلال الفترة السابقة يضع القاعدة الروسية اللوجستية في البحر الأحمر موضع الصديق المزعج على الرغم أنه توجد في أفريقيا أكثر من 11 قاعدة عسكرية، ‏سواء أكانت فرنسية أو أميركية أو لدول أوروبية أخرى".

مزاعم إعلامية

في غضون ذلك، نفت السفارة الروسية في الخرطوم، أمس الخميس، إيقاف اتفاق إنشاء قاعدة بحرية روسية على البحر الأحمر بالسودان، مؤكدة أن ما أثير من تصريحات ومزاعم إعلامية بهذا الخصوص لا يتوافق مع الواقع.

وقالت في بيان على صفحتها على "إنستغرام"، "فيما يتعلق بالتقارير التي ظهرت في الفضاء الإعلامي الإقليمي والسوداني حول مزاعم إيقاف تنفيذ الاتفاق بين الاتحاد الروسي وجمهورية السودان في شأن إنشاء مركز تموين وصيانة للبحرية الروسية على الأراضي السودانية، فإن السفارة الروسية في السودان تؤكد أن هذه التصريحات لا تتفق مع الواقع"، موضحة أنها "لم تتلق أي إخطارات من الجانب السوداني في هذا الشأن".

في سياق متصل، ذكرت مصادر سودانية أن الحكومة اتخذت قراراً بتجميد اتفاق إنشاء قاعدة بحرية روسية لحين المصادقة عليه من الجهاز التشريعي، فضلاً عن وقف أي انتشار عسكري روسي في قاعدة فلامنجو البحرية، وذلك ما يعني أن هناك توجهاً لمراجعة الاتفاقية بهدف تعديل بعض البنود حتى تتلاءم مع مصالح البلاد.

يشار إلى أن روسيا كانت قد أعلنت في 9 ديسمبر (كانون الأول) 2020 اعتزامها إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية قرب بورتسودان، قادرة على استيعاب 300 عسكري ومدني واستقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية.

وشهدت الأيام القليلة الماضية جدلاً واسعاً حول زيارات عسكرية روسية إلى سواحل البحر الأحمر شرق السودان بغرض بناء القاعدة، وسط نفي مجلس الدفاع والأمن السوداني الذي قال إنها معلومات غير دقيقة، دون أن يقدم أي تفاصيل بهذا الشأن.

واتجهت موسكو خلال السنوات الأخيرة إلى تعزيز نفوذها في أفريقيا من بوابة السودان، بخاصة في المجال العسكري عبر إقامة مشاريع في المجال النووي المدني، في موازاة مع واشنطن أيضاً الساعية لتركيز نفوذها في المنطقة.

في الوقت نفسه، أثار التقارب السوداني - الروسي مخاوف الإدارة الأميركية الجديدة، التي ترى في موسكو تهديداً لوجودها في مناطق النفوذ، وخاصة في أفريقيا. 

وكان موقع الحكومة الروسية قد نشر في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وثيقة اتفاق أولية مع السودان، لإنشاء قاعدة بحرية في البحر الأحمر لتزويد أسطولها بالوقود، ونصت الوثيقة الأولية على إنشاء "مركز دعم لوجستي" في السودان، يمكن من خلاله تأمين "الصيانة وعمليات التزويد بالوقود واستراحة أفراد الطواقم" البحرية الروسية.وكان مقرراً أن يتم إنشاء القاعدة في الضاحية الشمالية لمدينة بورتسودان، بحسب الإحداثيات الجغرافية المذكورة في هذه الوثيقة المفصلة والمؤلفة من 30 صفحة. 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير