يحمل الاسم الذي أطلقته الجمعية العامة في الأمم المتحدة للاحتفال بكوكب الأرض في طياته، عاطفةً وشعوراً ببنوة البشر لكوكب الأرض، فهو ليس "يوم كوكب الأرض" أو "يوم الطبيعة" أو "يوم البيئة العالمي"، بل "اليوم الدولي لأُمنا الأرض". هذا العنوان الشاعري، على غير عادة، لأحد الأيام الدولية للأمم المتحدة المباشرة والمحددة والأكاديمية، يحمل في طياته نوعاً من الشعور بالذنب تجاه الكوكب الذي يحضننا منذ وجِدنا عليه، بينما نحن نخرب نظامه الطبيعي والبيئي الذي هو من صلبه ومن صلب وجودنا.
ماذا فعلنا؟
منذ الثورة الصناعية واستخدام الفحم الحجري والنفط كمصادر للطاقة، إضافة إلى تزايد أعداد البشر بشكل متسارع وحاجتهم إلى الغذاء والماء والطاقة، رحنا نتدخل في السيرورة الطبيعية لكوكبنا الذي ولدنا منه وفيه، أي "أُمنا الأرض"، وفق تسمية الجمعية العامة للأمم المتحدة يومها الاحتفالي، وأدى النشاط الصناعي البشري على أنواعه إلى ارتفاع نسبة انبعاثات غازات الدفيئة التي ترفع حرارة الكوكب، ما يترك أثراً سلبياً في كل ما يعيش على الأرض، واذا استمر ارتفاع الحرارة على المنوال الحالي، فقد يؤدي إلى نهاية الكوكب أو إلى تغيير جذري في شكل الحياة عليه.
أما حاجة البشر إلى الغذاء والماء والهواء، فأدت بشكل عكسي إلى تلوث الهواء والمياه العذبة في طول وعرض الأرض، أما الغذاء فهناك بون شاسع في حصص توزيعه بين الأغنياء والأثرياء، وبين الدول المتقدمة والدول الفقيرة، على الرغم من كل جهود المنظمات الدولية. في الخلاصة وباتفاق جميع المعنيين نحن نعامل كوكبنا بعكس ما يعاملنا.
البيئة أولاً
وأرادت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن يكون "اليوم الدولي لأُمنا الأرض" مناسبة لنراجع طريقة تعاملنا مع الطبيعة المحيطة بنا والنظام الإيكولوجي لكوكب الأرض، ولحسن الحظ أن سكان هذا الكوكب عرفوا مبكراً ما يسببونه من كوارث، وظهرت المؤسسات والجمعيات واتحادات الدول وكل منظومة الأمم المتحدة وما يتفرع منها من منظمات دولية، التي تُعنى بالشأن البيئي، لتعمل وفق ما يترتب على كل الدول والمجتمعات البشرية من واجبات من أجل الحفاظ عليه، فعُقدت المؤتمرات البيئية العالمية بدءاً من "مؤتمر كيوتو "في اليابان وبعد في ريو دي جينيرو البرازيلية ومن ثم "مؤتمر باريس للمناخ" الذي وضع قواعد إلزامية للدول للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، والتزمت معظم الدول الكبرى بهذه المقررات (الولايات المتحدة خرجت من الاتفاق في ولاية ترمب ثم عادت إليه مع إدارة بايدن، الذي لعب دوراً أساسياً في إقامة هذا المؤتمر حين كان نائباً للرئيس باراك أوباما) ولو أن ذلك يتم ببطء وبنتائج غير مُرضية للناشطين والعاملين في المجال البيئي، ولتحقيق الأهداف التي وضعها اتفاق باريس.
إذاً الاحتفال بـ "يوم أُمنا الأرض" يعني الاحتفال بالبيئة التي يدخل في إطارها كل شيء على وجه الكوكب من دون استثناء، فالهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه والطعام الذي نأكله والملابس التي نرتديها، وكل ما نفعله في يومياتنا كأشخاص وجماعات يدخل تحت جناح البيئة المكسور في هذه الآونة.
وجاء في رسالة الأمم المتحدة بهذه المناسبة، أنه "من الواضح أن أُمنا الأرض تبعث إلينا دعوة عاجلة للعمل، فالطبيعة تعاني، والمحيطات تمتلئ بالبلاستيك مما يزيد معدل حمضيتها، ودرجة الحرارة تزيد، وحرائق الغابات والفيضانات خرجت عن طبيعتها، فضلاً عن موسم الأعاصير في المحيط الأطلسي الذي حطم الرقم القياسي وألحق أضراراً بملايين الأفراد، وها نحن الآن نواجه جائحة فيروس كورونا، التي تُعتبر وباء عالمياً ذي اتصال بصحة نظامنا الإيكولوجي".
جائحة كورونا والخلل الإيكولوجي
النقطة الأخيرة في رسالة الأمم المتحدة حول ارتباط كورونا والأمراض الفيروسية الأخرى بخلل في نظامنا الإيكولوجي ذات أهمية كبرى في استشراف المستقبل، فإذا كانت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة تؤكد وتدافع عن نظريتها هذه، فهذا يعني أننا مقبلون على مراحل مختلفة من غزو الفيروسات في حال لم نقمْ بما يجب لاستعادة صحة النظام الإيكولوجي للكوكب، وغزو الفيروسات ليس دائماً أمراً يمكن إحاطته وإحباطه أو شله، فقد علمتنا التجارب التاريخية أن بعض الفيروسات خطفت أرواح ثلثي أعداد البشر، أما جائحة كورونا الحالية فعلمتنا أن فيروساً متوسط الضرر يمكنه أن يشل مسيرة الحياة على الكرة الأرضية بأكملها كما نعيش اليوم. وللعِلم، يشير برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن 75 في المئة من الأمراض الجديدة التي تصيب البشر كل أربعة أشهر تأتي من الحيوانات، وأن الأمراض الحيوانية المنشأ التي ظهرت أو عادت إلى الظهور أخيراً مثل "أيبولا" وأنفلونزا الطيور ومتلازمة الجهاز التنفسي في الشرق الأوسط (ميرس) وفيروس "نيباه" وحمى الوادي المتصدع والمتلازمة التنفسية الحادة المفاجئة (سارس) وفيروس غرب النيل ومرض فيروس "زيكا" والآن فيروس كورونا، كلها مرتبطة بالنشاط البشري.
وأكد ظهور جائحة "كوفيد-19" حقيقة أننا عندما ندمر التنوع البيولوجي، فإننا ندمر النظام الذي يدعم حياة الإنسان، واليوم يُقدر حدوث حوالى مليار حالة إصابة وملايين الوفيات كل عام، بسبب الأمراض التي تسببها الفيروسات التاجية.
ما يجب أن نعرفه
لطالما سمعنا أو رددنا عبارة "النظام الإيكولوجي"، ولكن ما هو؟ هو النظام البيئي العام لكوكب الأرض حيث تدور كل أشكال الحياة، وصحته من صحتنا والعكس صحيح، وليس الأمر مجرد افتراضات شاعرية أو معنوية، بل إن استعادة نُظمنا البيئية المتضررة والانسجام مع الطبيعة في عيشنا وأهدافنا، أفراداً وجماعات، ستساعد في القضاء على الفقر ومكافحة تغير المناخ ومنع الانقراض الجماعي للكائنات، فعلى سبيل المثال تنتج النباتات البحرية سنوياً أكثر من نصف الأكسجين في غلافنا الجوي، في حين تنقي الأشجار الهواء وتمتص كل شجرة ما يقرب من 22 كيلوغراماً من ثاني أكسيد الكربون وتطلق الأوكسجين في الوقت نفسه، ويؤثر تغيير أو إزالة عنصر واحد من هذه الشبكة في نظام الحياة بأكمله ويؤدي إلى عواقب سلبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دور البشر وانقراضهم
غيرت الأنشطة البشرية بشكل كبير ثلاثة أرباع سطح الأرض وثلثي مساحة المحيط، فبين عامي 2010 و2015 وحده، اختفى 32 مليون هكتار من الغابات، وخلال الـ 150 سنة الماضية انحسر غطاء الشعاب المرجانية الحية بمقدار النصف، ويذوب الثلج الجليدي بمعدلات مدهشة، بينما يزداد تحمض المحيطات مما يهدد إنتاجيتها. وتختفي أنواع الحياة البرية الآن، عشرات إلى مئات المرات أسرع مما كانت عليه خلال الـ 10 ملايين سنة الماضية، ونحن على وشك الانقراض الجماعي، وإذا ما واصلنا السير على هذا المسار فسيكون لفقدان التنوع البيولوجي آثار خطيرة على البشرية، بما في ذلك انهيار أنظمة الغذاء والصحة.
هل نقوم بما يجب لخفض الانبعاثات؟
الجواب لا، لا تقوم الدول اليوم بواجباتها المحددة من أجل خفض الانبعاثات التي ترفع حرارة الأرض، وهذه المشكلة هي واحدة من أهم ما يعانيه النظام الإيكولوجي لكوكب الأرض، فالانبعاثات التي يتسبب بها البشر ترفع درجة حرارة الأرض بشكل متسارع سنوياً، لذا تم توقيع اتفاقات عدة بين الدول الأكثر إصداراً للإنبعاثات من أجل العمل على خفض نسبة الغازات على مدى سنوات، إلا أن كل الاتفاقات، وعلى الرغم من إسهامها الفعال في الإضاءة على هذه المشكلة ودفع الدول إلى العمل من أجل حلها، إلا أن العمل الذي قامت به الدول المعنية حتى اليوم يُعتبر أقل بكثير من مقبول، وذلك بحسب كل التقارير والبيانات الصادرة عن المؤسسات البيئية المستقلة حول العالم.
وكان يُفترض أن تعزز معظم الدول التزاماتها المتعلقة بالمناخ في عام 2020، وتمثل مجموعة العشرين (مجموعة من 19 دولة، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي) 78 في المئة من إجمالي الانبعاثات.
ويُعتبر الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية وإبقاؤها دون 1.5 درجة مئوية الهدف الذي يقول العلماء إنه يؤدي إلى تأثيرات أقل تدميراً من المستويات المرتفعة للاحتباس الحراري، فكل جزء من الاحترار الإضافي الذي يتجاوز 1.5 درجة مئوية سيؤدي إلى تأثيرات شديدة على الكوكب والبشر وسائر الكائنات الحية، ولا يمكن الوصول إلى هذا الرقم إلا عبر العمل بشكل جماعي عبر تنفيذ الالتزامات والسياسات والإجراءات المُتفق عليها والتي تؤدي إلى خفض الانبعاثات بنسبة 7.6 في المئة كل عام بين عامي 2020 و2030. وبرأي الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، فإن عام 2021 حاسم لمواجهة حال الطوارئ المناخية العالمية. وقال، "العلم واضح، للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية، يجب أن تنخفض الانبعاثات بنسبة 45 في المئة حتى العام 2030".